انتهت الفقرة الأولى من التحالف على الخليج.. وبدأت الثانية.. الأولى: «كانت من أجل التخلص من حكم الإخوان». والثانية: «لخوض حرب ضد داعش.. وهى حرب لن ينتصر فيها أحد». الخليج يقود لأول مرة المنطقة منذ بداية الدولة الحديثة «بعد الثورة العربية الأولى واتفاقية سايكس بيكو». وبمعنى مجرد، المال وحده يقود السياسة، بعدما توارت أو انهارت دول «الأيديولوجيات» التى لخصت نفسها فى أجهزة مخابرات.. أكلت المجتمع فأكلتها ميليشيات الأممية الإسلامية. المال يقود.. ويشكل علنا هندسة الإقليم العربى.. يشكلها بما يناسب لحظة قصيرة.. أى أنها هندسة قصيرة المدى كما يليق بأفعال المال. الخليج يبحث عن نقطة لقاء بين معسكريه السعودى والقطرى، بينما الدول الخارجة من متاهات حكم الأجهزة المخابراتية أصبحت مثل ثقوب سوداء تبتلع كل شىء. المال سريع فى الإنقاذ/ ولهذا يمنح لنفسه الحق فى ترتيب المواقع حسبما تقتضيه ظروف الإغاثة، لا بما يمكنه التعبير عن مشروع سياسى. ولهذا كانت المسافة/ ثم العداء من السعودية لحكم الإخوان وتأييدهم من اللحظة الأولى لإسقاط المرسى فى 30 يونيو/ لم يكن وليد الميل الإخوانى إلى قطر/ المنافس الأليف للمركز السعودى/ ولكنه انزعاج «الدولة السعودية/ بكل ما لديها من تقليدية ومحافظة، أى ما يصطلح عليه فى الأدبيات السياسية بالرجعية أى القوى المناهضة للتغيير».. الانزعاج سره الخوف على إنجازها فى نقل العلاقة مع «الدولة» فى مصر من الحرب «كما كانت أيام عبد الناصر وقبلها» إلى التحالف. الرياض اجتذبت القاهرة لتحالف «الحكمة» الذى يعنى «لا شىء يتغير.. يعنى أن العرب بخير». هكذا لم يكن من السهل أن تتنازل السعودية أن تلعب بثقلها مع المرسى لتنافس خفة قطر.. «بلا تاريخ طويل ولا موقع إقليمى ولا سياسى ولا كتلة سكانية» سهلة التشكيل. خفة تمكنها أن تكون مجمع التناقضات فى عالم مشحون دائما بالصراعات. قطر هى خزان كل الكوارث فى الإقليم تقريبا «علاقتها بإسرائيل جيدة لكنها تدعم حماس.. تجذب مشايخ التعصب السنى.. لكن خطوطها مفتوحة مع إيران.. قومية وإسلامية وأمريكية الهوى.. رجعية وحداثية وعلى كل لون يمكنه أن يكون مؤثرا فى منطقة ما بهذا الإقليم».. والأقاليم المجاورة «إفريقيا مثلا». وهذا بلد اكتسب مساحته فى اللعب من قراره الأول أن يكون ملعبا للجميع «هى مقر مؤتمرات متناقضة..»، لكى يصبح لها وجود حيث يوجد صراع... من دون أن تشعر بتشوش فى الهويات، «لأنها تقوم على الاستفادة من حرب الهويات» أو يكون لها موقف «وجودها مبنى على التسلل بين المواقف». هنا بدت قطر فى البداية «حاضنة» المرسى فى لحظة تتخلى فيها عنه الحضانات القديمة «الإمارات والسعودية»، خوفا من تغلغل الجماعة كبديل «القوة السنية/ الموديل الإسلامى». لكن قطر استغلت أزمة المرسى لتبنى منصاتها فى مصر.. وزرعت وجودها فى لحظات الأزمات لكى ينمو وجودها والحاجة إليها فى ما بعد، لتؤدى أدوارًا «مع الثورة وضدها.. دعما للسلفيين ولأعدائهم معا.. للقوميين والإخوان معا.. لإسرائيل وحماس معا». هكذا تلعب قطر على أكثر من طرف لتبدو بحجمها الصغير، وبخفتها التاريخية، عنصرا مقلقا لكيانات تقليدية كبرى، لا بد أن تفقد مواقعها فى إطار تفكيك وتركيب المنطقة، فى إطار «قومية البيزنس» التى تطلب من مصر أن تبقى على موقعها من دون فاعلية، أو من دون «تصدير» ثورتها أو نموذجها فى التغيير. وكما كان الانشغال القطرى بتوقيف «التغيير» لصالح تركيب «مبارك إخوانى»، فإن السعودية سعيدة بحالة «الإنقاذ» التى تجعلها تقدم صيغة جديدة للعلاقات مع مصر تضمن أنه «لا تغيير» ولا تفكير فى الخروج عن توازنات تفرضها «دول المال» بكل تناقضاتها.