شهد عهد معمر القذافى الذى قارب من 42 عاما تفتيتا وتدميرا ممنهجا لمؤسسات الدولة الليبية الضعيفة والموروثة من العهد الملكى، وقامت سياسة القذافى على ربط مؤسسات الدولة به شخصيا وبأفراد عائلته لضمان السيطرة عليها من جهة، ولمنع المنافسين المحتملين من استخدامها والانقلاب ضده. وعندما اندلعت ثورة 17 فبراير انهارت مؤسسات الدولة وهياكلها بسرعة فى كل المدن، باستثناء بعض وحدات الجيش النظامية فى بعض مدن الشرق، ومع فشل المجلس الوطنى الانتقالى وخلفه المؤتمر الوطنى العام فى بناء هياكل فاعلة للسلطة وبناء جيش وشرطة نظاميين فقد استغلّ عديد من الجماعات فراغ السلطة الذى خلّفته الثورة للتمدد وبناء قوة عسكرية ومدنية للعمل فى مناطق مختلفة من البلاد. واشتركت بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة منذ بداية الثورة فى معاركها ضد نظام القذافى، لكن أعدادهم وقدراتهم كانت محدودة فى البداية، مقارنةً بباقى قوات مجموعات الثوار المسلحين، وسنتناول فى هذا المقال الجماعات الرئيسية فى الشرق، على أن نتطرق إلى الجماعات الأصغر فى مقال لاحق، وتعدّ من أهم هذه الجماعات فى شرق ليبيا: 1- «أنصار الشريعة» فى بنغازى: يقودها السجين السابق فى سجن أبو سليم، محمد الزهاوى، وأعلنت عن انطلاقها فى يونيو 2012، وتكوَّنت الجماعة من عناصر منشقة من كتيبة 17 فبراير والعناصر السابقين لكتيبة أبو عبيدة بن الجراح، بعد أن حلّها آمرها السابق، أحمد أبو ختالة. وللجماعة وجود محدود فى أجدابيا غرب بنغازى، ومتوسط فى مدينة سرت الساحلية التى تبثّ منها فضائية «التوحيد» الجهادية. 2- جماعات مدينة درنة: تعدّ درنة معقلا من المعاقل المهمة للجهاديين فى شرق ليبيا الذين منعوا الناخبين من التصويت فى انتخابات الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور فى 20 فبراير 2014، وفى انتخابات مجلس النواب الليبى فى 25 يونيو 2014. وأهم الكتائب المتطرفة فى المدينة هى أنصار الشريعة فى درنة، ويتزعمها سفيان بن قمو، السائق السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، والذى تم القبض عليه فى أفغانستان عام 2001، ورحل بعدها إلى سجن «جوانتانامو» حتى عام 2007، عندما تم ترحيل الجهاديين الليبيين فى «جوانتانامو» إلى السجون الليبية، ثم الإفراج عنه ضمن صفقة من الجهاديين الليبيين السابقين عام 2010 من قِبل مؤسسة القذافى الخيرية التى كان يرأسها سيف الإسلام معمر القذافى، وبوساطة رجال الدين يوسف القرضاوى وعلى الصلابى وعائض القرنى وسفر الحوالى، أسفرت الصفقة عن مراجعات فكرية لنبذ العنف تم الإفراج عنهم بعدها، وأعلنت الجماعة فى 27 أبريل 2014 رفضها التام للديمقراطية التى وصفتها بالكفر ومخالفة تعاليم الدين الإسلامى. مجلس شورى شباب الإسلام: أعلن عن تأسيسه فى 8 أبريل 2014، ولا يعرف تحديدا تشكيل ولا هُوية المجلس ولا علاقته بأنصار الشريعة والجماعات الأخرى، ويتبع المجلس نظاما سريا صارما، إذ لم يعلن عن هُوية أعضائه الملثمين دائما. وينشر التنظيم باستمرار بيانات «توبة» لعناصر من أجهزة الدولة الرسمية يعلنون فيها براءتهم من الديمقراطية والانتخابات والدولة التى يصفونها بغير الإسلامية. كتيبة شهداء أبو سليم: وترفع شعار «التوحيد أولا»، وهى كتيبة أسسها السجين السابق فى سجن أبو سليم، سالم دربى، وتعدّ الكتيبة الجماعة الوحيدة التى رفضت بشكل علنى مبايعة «داعش» فى المدينة. كتيبة البتار: وتسمّى نفسها أيضا «النصرة الليبية»، أى نصرة أهل ليبيا لأهل الشام، على غرار اسم جبهة النصرة، وظهرت الكتيبة فى سوريا عام 2012، ثم بايعت تنظيم الدولة الإسلامية. وشكَّل العائدون من سوريا من عناصر الكتيبة فرعا لها فى درنة، ونشرت الكتيبة عدة بيانات أكدت خلالها دعمها لتنظيم الدولة الإسلامية فى سوريا والعراق، ولا يعرف كثير عن الكتيبة وعناصرها التى تتسم تحركاتها بالسرية الشديدة. وتعدّ العلاقة بين التنظيمات المختلفة فى المدينة مسألة غامضة، نظرا لمنع وسائل الإعلام من دخول المدينة، لكن العلاقات بين بعضها متوترة، خصوصا بين كتيبة البتار وكتيبة شهداء أبو سليم، حيث اندلعت عدة اشتباكات بينهما، واتهمت «البتار» «شهداء أبو سليم» بقتل قائدها العسكرى، المهدى أبو الأبيض، فى 10 يونيو 2014. جدير بالذكر أن مجلس شباب شورى الإسلام فى 7 أكتوبر 2014 قاموا بمبايعة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» ومبايعة البغدادى، خليفة للمسلمين، وقاموا بإجبار السكان على مبايعة التنظيم، وأعلنوا المدينة جزءا من «الدولة الإسلامية» تحت مسمَّى «ولاية برقة»، طامحين إلى ضم المنطقة الشرقية كلها فى ما بعدُ، وهو تطور خطير يهدِّد الأمن المصرى، ويُنذر بعواقب وخيمة لمصر وتونس والجزائر.