ركبت معه بعد أن كلّت قدماى من الوقوف انتظارا لتاكسى، واستبشرت خيرا عندما رأيت شعره المصفف على جنب، أى أنه زميل من هذه الدفعة الموشكة على الانقراض. سألته ببساطة: «التاكسيات مش راضية تقف ليه؟». بمجرد أن انطبقت شفتاى انطلق فى وجهى مدفع رشاش من الجمل المتلاحقة: «يا باشا الناس بتروح دلوقتى عشان ترتاح من قرف الشغل ومن قرف الزباين.. وبعدين يعنى هوه احنا لما يطلع عنينا فى الشغل بناخد إيه فى الآخر؟ ده احنا عايشين بالعافية، وكل حاجة زادت، ويقول لك الفساد.. فساد مين يا باشا؟ دى بلد مافيش منها رجا.. وكمان الزباين تيجى على الغلابة اللى زينا.. بالك انت واحدة تخينة قد كده ومعاها بنتين كل واحدة أتخن منها ركبوا معايا، وف نص الطريق الست قالتلى: يا اسطى مافيش معانا فلوس.. نزلتهم طبعا، عشان أهم حاجة الصدق والعدل.. لو قالولى م الأول كنت قلتلهم اتفضلوا اركبوا ببلاش.. فيه زباين كلاب لا مؤاخذة». ابتلعت الجملة لاعنا لسانى الطويل الذى جعلنى أفتح فمى فى البداية، ولكننى أجبته لأرد له الصفعة: «بس برضه فيه سواقين غشاشين يا اسطى.. وبيلعبوا فى العداد».. أجابنى منفعلا: «أهو أنا ما اكرهش ف حياتى قد الناس اللى بياكلوا السحت.. ازاى يأكلوا عيالهم حرام؟!.. ده احنا عايشين برحمة ربنا فى الدنيا الضلمة دى.. ما يأكل عياله بالحلال حتى لو قليل.. الدنيا بقت غابة يا باشا». نزلت من التاكسى وأنا أنظر إلى العداد قائلا: «بس مش ملاحظ يا اسطى ان المشوار ده اللى انا جيته كذا مرة بعشرة جنيه، دلوقتى العداد حاسب انه بخمستاشر؟».. أكمل السائق كلامه كأنه لم يسمع كلامى قائلا: «صدقنى يا باشا.. دول مش هيوردوا على جنة.. اللقمة الحلال هِيّا اللى بتدوم»!