أول كلامى عن سيناء ما كتبته هذا الأسبوع فى افتتاحية «السفير» عن حرب الدولة والميليشيا. 1- مصر أعلنت الحرب فى سيناء مجددًا. الحرب هذه المرة ضد ميليشيا من كيانات الأممية الإسلامية. كيف وصل الصراع إلى هذه النقطة: «دولة أمام ميليشيا». وشعوب تتفرج بكامل خوفها. وهى فى ذلك موضوع الفرجة فى استعراض بين الخرافة والواقع. نهايات السياسة وانهيارات الدول. نهاية العالم الآن إذن. والجنون فى مداه الأقصى. الأمل ينحصر فى إطار النجاة. أو عبور اللحظة. إلى أين؟ لا أحد يدرى. لحظة اكتشاف قبل كل شىء. لماذا وصلت هذه المجتمعات التى كانت صاخبة بشعاراتها وبأحلامها فى تغيير العالم. وبمشروعاتها الخلاصية لإنقاذ البشرية. كيف ذهبت إلى جحيمها بهذه الخطوات المتسارعة؟ يرى الخائفون دائمًا أن هذه «لعنة» الثورات العربية التى رعت هذا الانهيار، وإن كانت إسهاماتها فيه ليست بالقوة. الحرب هذه المرة ضد تنظيم يمرح باستعراضات قتلة فى الفراغ الذى تركته الدولة (أمنيا واجتماعيا وإنسانيا) مستثيرًا غضبها ودفاعها عن «هيبتها» التى يلتهمها «داعش» بكل ما أوتى من غموض (فى التمويل والمرجعيات الإقليمية والدولية) وشراسة (الخارج من بيئته المحلية معبرًا عن رثاثة وانحطاط يغطيهما النُّبل). 2- لم يكن استعراض القتلة خاطفًا سريعًا مرتبكا.. بل كان أقرب إلى عملية عسكرية. يتحرك فيها القتلة بتمكن ارتفع معه عدد الضحايا ليسجل رقمًا جديدًا. وهذه غالبًا ليست إمكانات «أنصار بيت المقدس» إلا لو انتقل التنظيم الصغير إلى حالة «الفرانشيز» أو حصل على توكيل من «داعش»، خصوصا أنه قبل قليل من مذبحة سيناء الأخيرة وجه «داعش» رسائل غريبة إلى مصر. ليس بينها دعوات باغتيال القيادات الأمنية. أو تلميحات عن وصول «داعش» إلى مصر أو تسربها من قبضة الأمن التى وصلت إلى المرحلة الفولاذية. وهذا إعلان أنهم بالقرب منا. «داعش» روت حكاية أحمد الدروى، ضابط الترحيلات الذى كان مقربًا من السلفيين وتحالف معهم فى انتخابات 2012، وقبلها كان قريبًا من ائتلافات شباب الثورة قى يناير 2011، عائلة الدروى أعلنت فى مايو موته بالسرطان. لكن «داعش» قدم قصته المصورة كمجاهد/ انتحارى. وجدوه بعد أن اختفى تحت حكايات متناقضة عن موت مبكر بالسرطان، ثم اكتشاف أنه انجذب إلى الطقس كله وحاز كنية وقاد عملية انتحارية ونظر جيدًا إلى المتفرجين فى صورة لم تنقلب فيها نظرته وهيئته إلى «شرير» سينمائى من النوع المبتذل.. إنه من نوع يعيش بيننا/ تكوَّن بنفس الصديد الذى يجعل القتل مبررًا ما دامت هناك راية ترفرف فوق مسرح الجريمة. «داعش» هو الكيان الذى تشكل من هذا الصديد المنتظر للخلافة/ الباحث عن هويته فى صناديق الهويات الداعمة للانتقام من الحياة/ كيف تنتظر هذا العرض الدموى؟/ كيف تتصور أن حياتك فى الماضى؟ لبنان عاش فى انتظار أن تكون الطائفية رحيمة، وفلسطين أن تلتئم خريطتها، ومصر أن تخرج من مزاج الحرب اقتصاديا واجتماعيا، وليبيا والعراق وسوريا أن تصبح «دولًا بلا مجانين حُكْمِها».. وهذه الانتظارات كانت الماصّة الكونية التى امتصت عبرها هذه الأنظمة تلك البلاد ليبقى الانتظار وحده دون بلاد ولا أنظمة قادرة على استثماره. كان كل شىء مكروها يتضخم، من الطائفية إلى الفساد وحتى إسرائىل.. بينما المسارح تُنصب لتصبح هذه الأرض متسعة لعروض القتلة من كل لون وموديل. 3- «داعش» (وإخوته أو توكيلاته) لا تنهيها حرب أمنية فقط. فهذه التنظيمات مستودع قتلة. موردها الأول هو هشاشة النخب (أو العصابات) الحاكمة فى الدولة، والدولة بحروبها لن توقف تيار انتظار الخلافة، فالمجتمع ينجح أسرع. وما زال الكلام عن سيناء وحربها مستمرًّا.