فجأة انقسم اليمنيون على أنفسهم بين «دواعش» و«حوثيين»! بالأمس القريب كان الانقسام هو بين «المؤتمر» و«الإصلاح»، وقبلها «فى الفترة التالية للوحدة حتى عام 1994» كان الاستقطاب السياسى الرئيسى هو بين «المؤتمر» وبين «الاشتراكى». هذا هو حال اليمن السعيد الآن، فبعد أن تمكنت ثورة الشباب من إزاحة على عبد الله صالح وحزبه «المؤتمر الشعبى» من السلطة، نشأت حالة فراغ سياسى ملأها فورا حزب الإصلاح «الإخوان المسلمون»، ولما فشل «الإصلاح» فى قيادة الدولة، تقدم «الحوثيون» المتحالفون مع إيران ليزيحوا «الإصلاح» من السلطة! وعندما شعر الحوثيون بنضج الظروف السياسية لمصلحتهم، فإنهم راحوا يتقدمون عسكريا على أرضية «تحالف انتهازى مصلحى» مع بقايا القوة السياسية والعسكرية للرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح، وربما برضا الولاياتالمتحدة والسعودية، فسيطروا حتى الآن على 5 محافظات يمنية رئيسية هى محافظات صعدة وعمران والحديدة وذمار وحجة، إضافة إلى إقليم العاصمة اليمنية صنعاء، كما أنهم فى طريقهم إلى السيطرة على محافظتى إب والبيضاء. وبعد نحو خمسة أسابيع من دخول الحوثيين إلى صنعاء «21 سبتمبر 2014» فإن الصورة الآن تبدو وكأنهم يملكون مفاتيح السلطة والقوة الاقتصادية فى اليمن، وأن الرئيس عبد ربه منصور هادى هو مجرد واجهة كرتونية لسلطة لم يعد لها وجود على الأرض، ذلك أن أكثر من نصف سكان اليمن يخضعون حاليا لسلطة الحوثيين فى صنعاء والحديدة وأهم مناطق زراعة الحبوب فى اليمن «حجة»، وأهم مناطق زراعات القات، وهو مصدر رئيسى للثروة فى اليمن «محافظة عمران». كذلك فإن الحوثيين يقاتلون بضراوة بمساعدة إمدادات تأتيهم من إيران عبر ميناء «ميدى» فى محافظة «حجة»، من أجل السيطرة على محافظتى إب والبيضاء، والقضاء نهائيا على نفوذ حزب الإصلاح اليمنى «الإخوان» الخصم الرئيسى لهم. وتكشف المواجهات الدموية فى محافظتى «إب» و«البيضاء» بين الحوثيين والقاعدة، أن قيادات القبائل والعشائر اليمنية، إما يقفون على الحياد بين الطرفين وإما يساندون الحوثيين فى قتال القاعدة. ويشير هذا الاتجاه فى الصراع إلى أن مناطق الصراع المكشوف بين الحوثيين وخصومهم فى محافظات الوسط ستشهد استقطابا حادا سياسيا وعسكريا بين القاعدة من ناحية وبين جماعة عبد الملك الحوثى من ناحية ثانية، على ضوء غياب الجيش تماما عن المشهد أو تحالفه مع الحوثيين. أما فى الجنوب فإن قوى «الحراك» فى عدن ترفض حتى الآن استقبال ممثل للحوثيين، فى حين أن القاعدة تسيطر عمليا على «شبوة» و«أبين». لكن، وطبقا لنمط الاستقطابات السياسية والعسكرية فى الدول العربية المنهارة فمن المرجح أن تنشأ جماعات مسلحة وأقطاب جديدة تسهم فى خلق حالة التفتت والفوضى المطلوبة، تمهيدا لإعادة بناء تلك الدول على أسس جديدة بعد تفكيكها إلى عناصرها الأولية. إن انهيار الدولة اليمنية يفرز الآن نتائجه المحتومة. ويبدو أنه لا توجد قوة على مسرح التفاعلات السياسية فى اليمن حاليا بمقدورها كسر هذا الاستقطاب الحاد بين الوقوف فى صف «الحوثيين» المتحالفين مع إيران أو الوقوف فى صف «القاعدة» والنسخة الجديدة من التنظيمات الإسلامية المتطرفة الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية فى الشام والعراق «داعش». ومن الظاهر الآن أن هذا الاستقطاب سيؤدى إلى المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار فى اليمن، إلى الحد الذى قد يهدد الملاحة فى مدخل البحر الأحمر الجنوبى «مضيق باب المندب»، ممهدا الطريق لتدخل بحرى دولى، ليصبح البحر الأحمر تحت سيطرة حلف الأطلنطى. كما يمكن أن يهدد استقرار الحدود اليمنية السعودية، خصوصا بعد أن سيطر الحوثيون على مديرية حرض المقابلة لمنفذ «الطوال» الحدودى بين السعودية واليمن، على الرغم من اتفاقيات ترسيم الحدود بين البلدين، وإعلان الحوثى الالتزام بها. وكذلك تهديد الحدود بين اليمن وسلطنة عمان بطول شرق محافظة «المهرة» الناضجة لتغلغل القاعدة، التى تغيب عنها سلطة الدولة تاريخيا أكثر من غيرها من المحافظات اليمنية. ومن اللافت للنظر أن الرئيس اليمنى السابق على عبد الله صالح ينسق بقوة مع الحوثيين على أرضية ما يمكن تسميته «صفقة تاريخية» بين الجانبين، بهدف تأمين منصب رئيس الجمهورية لنجله أحمد، مقابل ضمان عدم مقاومة الجيش للحوثيين. وكان قد لوحظ خلال الأسابيع الأخيرة محاولة ترويج اسم أحمد عبد الله صالح لوزارة الدفاع اليمنية فى إطار عملية لاختبار ردود فعل الشارع اليمنى لإعادة سلطة ابن الرئيس اليمنى المخلوع، أو حتى إلى تنصيبه رئيسا فى مرحلة تالية. إن حالة الاستقطاب الحاد بين «الدواعش» و«الحوثيين» من شأنها أن تضع اليمنيين أمام اختيار شديد القسوة، بين الحوثيين والقاعدة، بسبب انهيار الدولة وعدم وجود قوة ثالثة قادرة على حسم الصراع. وإذا فشل اليمنيون فى إفراز قيادة جديدة تجمع اليمن على قيم المساواة فى الحقوق والواجبات، وعلى الحرية والديمقراطية والعدالة، فإن ذلك سيفتح الباب لا محالة لتأسيس «سلطات عشائرية عرفية»، تتولى إدارة الحياة اليومية لليمنيين، وتجعل من اليمن «مجتمعا بلا دولة»، ربما تحت سلطة «الإمام» الإسمية فى أحسن الأحوال!