أعرف أن المعارك فى عالم صناعة الأدوية شرسة للغاية.. فالاستثمارات هائلة، والأرباح كبيرة، والمصالح متضاربة، والصراع على الأسواق لا يتوقف!! لكنى كنت أتصور أن الجهود كلها ستتوحد مع بداية علاج المصريين بالعقار الجديد الخاص بمرضى «فيروس سى»، الذين يتجاوز عددهم فى مصر العشرة ملايين مواطن تكفى حالتهم وحدها لمحاكمة عهد سابق سمح بهذه الكارثة!! بفضل جهود نخبة من علماء مصر المخلصين أمكن الحصول على العقار الجديد «سوفالدى» من الشركة الأمريكية المنتجة له بسعر يمثل 1٪ من السعر الذى يباع به فى الدول الغنية، كما أمكن إدراج مصر بين أوائل الدول التى يتم تصدير العقار لها، لتصل بالفعل أول دفعة من نحو ربع مليون علبة سيتم توريدها قبل فبراير القادم، ستتحمل الدولة تكلفة معظم المرضى الذين سيعالجون، بينما يتحمل القادرون التكلفة التى لا تتجاوز 2200 جنيه فى المراكز الحكومية. كنت أتصور أن تتوحد الجهود وراء هذه الخطوة التى زرعت الأمل فى نفوس ملايين المرضى، فإذا بنا أمام حملة منظمة تستهدف التشكيك فى كل شىء، بدءًا من فاعلية الدواء، وحتى اللجنة التى فاوضت واتفقت وحصلت على أفضل الشروط، والتى يرأسها الدكتور وحيد دوس وتضم نخبة من العلماء أعرف شخصيا بعضهم، وأعرف كيف جمعوا بين العلم والكفاءة المهنية والضمير الوطنى. الحقائق حول عقار «سوفالدى» معروفة منذ شهور، وشروط الاتفاق مع مصر منشورة وليست سرية.. فما الجديد الذى استوجب هذه الحملة الضارية الآن؟ طبيعى أن تكون هناك خلافات علمية بين المختصين، وهذه مكانها المراكز العلمية المتخصصة وليس شاشات التليفزيون!! وطبيعى أن تكون هناك تساؤلات مشروعة حول اختيار المستحقين للعلاج وطرق توزيعه.. لكن يبدو أن الأمر الأهم عند البعض كان أن بعض تجار الأدوية قد فوجئوا بأن السعر المنخفض الذى تم الاتفاق عليه خاص فقط بالذين يعالجون على نفقة الدولة وفى المراكز الحكومية، إذا كانوا من غير القادرين، أو من يتحملون التكلفة ويعالجون فى هذه المراكز. أما فى الصيدليات فيرتفع السعر إلى نحو 15 ألف جنيه، منعًا لتهريب الدواء للخارج، حيث يبلغ سعره فى دول الخليج نحو 200 ألف جنيه!! ومن الطبيعى أن يغضب تجار الأدوية، مرة حين يرون ربع مليون فقير يعالجون مجانًا، ومرة أخرى حين يحرمون من فرصة تحقيق ثروات من تهريب هذا الدواء بالسعر المنخفض!! الدكتور دوس رئيس لجنة الفيروسات الكبدية رد فى حوار شامل أجرته الزميلة غادة زين العابدين فى «الأخبار» على الكثير من الأكاذيب والمغالطات التى أثارها البعض حول العلاج الجديد واللجنة التى تشرف عليه دون مقابل. والأهم من الرد أن الرجل قد أكد أمرين هامين: الأمر الأول أننا قد حصلنا على حق إنتاج العلاج الجديد فى مصر، وأن 15شركة قد تقدمت لإنتاجه محليا. وأعرف أن بعضها قد رصد مئات الملايين من الجنيهات لهذا الغرض. لكن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت ليتم الإنتاج ثم يعرض على الجهات المختصة لإقراره بعد التأكد من مطابقته للأصل. ولا شك أن هذه الخطوة سوف تختصر الوقت، حيث كان الدكتور العالم مجدى الصيرفى عضو اللجنة قد قرر سابقًا أننا نحتاج إلى سبع سنوات يتم فيها علاج 300 ألف حالة سنويًّا لكى نتخلص من هذا الوباء. الأمر الثانى الذى ينبغى الالتفات إليه، أن علماءنا يتابعون الموقف أولاً بأول بالنسبة إلى كل جديد فى هذا المجال، وأنه فى حال التثبت من أى عقار جديد أفضل وأكثر فاعلية مع النوع المنتشر عندنا من «فيروس سى».. فسوف يتم على الفور العمل على توفيره فى مصر بنفس الشروط الجيدة والأسعار المنخفضة التى حصلنا بها على «سوفالدى». أعرف أن بعض ما قيل فى معركة «سوفالدى» كان مسيئًا لعلماء نعتز بهم. وقد تكون مشاعر من الحزن والألم قد تسللت إليهم وهم يرون المصالح الخاصة تدوس على كل المبادئ وتضحى بأى شىء (ولو كان صحة الملايين) من أجل «الانتقام» من هؤلاء الذين كانت «جريمتهم!!» أنهم احترموا شرف المهنة، وجعلوا مهمتهم أن ينقذوا وطنهم من هذه الكارثة التى ورثناها، وأن يفتحوا باب الأمل أمام عشرة ملايين مواطن يعانون من هذا الوباء اللعين. أعرف أيضًا أن الكثيرين من هؤلاء العلماء قد يقولون: ما كان أغنانا عن هذا كله!!.. ولكننا نقول لهم إننا نحتاج كثيرا إلى أن ننتصر فى هذه المعركة.. ليس فقط من أجل إنقاذ حياة ملايين الفقراء من المرضى، ولكن أيضًا من أجل أن نقول إن المصالح الخاصة لن تنتصر على مصلحة الوطن بعد الآن. فاصمدوا أيها السادة، لأننا نحتاج إلى ذلك بأكثر مما تتوقعون!!