حوار - عبد الفتاح دياب: على بدرخان: 90 % من كتاب السيناريو في مصر «حرامية وكدابين» أَجْرِى فى معهد السينما 500 جنيه.. وفراش مكتبى مرتبه 700 «سجن النسا» و«السبع وصايا» أكثر ما أعجبنى من مسلسلات رمضان «فتاة المصنع» أفضل من «الفيل الأزرق» لأنه قدم موضوعًا خاصًّا من واقعنا المصرى فكرة المسلسل ال«30 حلقة» غير آدمية على بدرخان، الاسم الكبير صاحب ال68 عامًا، صاحب الأعمال المؤثرة فى تاريخ السينما المصرية، يأتى فى مقدمتها «الكرنك» و«شفيقة ومتولى» و«الراعى والنساء»، يتحدث عن مسلسله الجديد «المرشد» المستوحى من الرواية التى تحمل نفس الاسم للكاتب أشرف العشماوى، وصدرت عام 2012 وتبدأ أحداثها بعد نكسة يونيو 1967 حتى سقوط الإخوان من الحكم، وتركز على شخصية مرشد الشرطة ماهر السوهاجى الذى يجنده الجهاز الأمنى لحسابه مقابل عمله ك«سايس سيارات»، يقضى بعدها ست سنوات فى السجن بعد إدانته بالمساعدة فى تهريب الآثار. «التحرير» حاورت المخرج الكبير ليكشف عن سر ابتعاده عن السينما لمدة 12 عاما، وعن سر عدم بدء تصوير مسلسل «محمد نجيب»، وعن خلفيات منع فيلم «حلاوة روح»، وعدد آخر من القضايا التى أثيرت فى الساحة السينمائية مؤخرا. ■ حدِّثنا عن مسلسل «المرشد»؟ - حاليا نحن فى مرحلة التحضير للمسلسل نركز على السيناريو، بعد الانتهاء من الكتابة ستبدأ مرحلة ترشيح أبطال المسلسل، أما عن السبب وراء اختيار هذه الرواية تحديدا فيرجع إلى الأبعاد السياسية والاجتماعية التى تتناولها فى مرحلة مهمة من تاريخ مصر والممتدة من وقت النكسة حتى عزل الرئيس السابق محمد مرسى. ■ لكن تواردت أخبار عن ترشيح ممثلين للمسلسل؟ - صحيح، الراحل خالد صالح رحمه الله كان المرشح للبطولة، لكن وفاته أربكت المشروع. ■ ولمَ وقع عليه الاختيار دون غيره رغم عدم الانتهاء من كتابة السيناريو؟ لأن خالد صالح فنان محترم، ويجيد التمثيل ببراعة على عكس معظم الموجودين على الساحة الفنية الآن، هو فنان حقيقى من الداخل والخارج وليس مجرد منظر فقط. ■ معظم أعمالك مستوحى من الأدب العالمى، أو عالم نجيب محفوظ، ما السبب وراء ذلك؟ - ليس من مهام السينما ولا حتى السيناريست التأليف، فهو حرفى لا يقع على عاتقه مهمة التأليف، بل يدرك فقط حرفة السيناريو، وكيفية عرض القصة على المشاهد فى إطار فيلم سينمائى مدته فى المتوسط ساعة ونصف الساعة ذى أسلوب سينمائى يعتمد على الصورة، مثلاً الأديب نجيب محفوظ حينما يكتب قصة يعايش المكان وشخصياته ومخابئه لمدة 4 أشهر على الأقل، وإذا لم أجسد أنا هذه الحرفية الممتازة والنص الجيد ورائحة الأماكن وتفاصيل شخصياتها وعرضته فى السينما بشكل يوازى هذا الإبداع، أكون فى هذه الحالة «عبيطا ومتخلفا»، وأبحث فى أفلام أجنبية وأنقلها بالنص وأجعل من «جون» «جمال»، ومن «سوزى» «سوزان»، هل أكون فى هذه الحاله مؤلفًا؟ بالعكس لا أكون مؤلفًا بل سارقًا وكذابًا وغشاشًا وغير جدير بالتعبير عن ثقافة بلدى ومشكلات أهلها وهمومهم، فنحن نملك أدبًا وتراثًا محترمين غير منطقى تجاهلهما، بالطبع ليس كل كتاب السيناريو كذلك لكن 90% منهم لصوص. ■ تقصد أنه لا يوجد كتاب سيناريو فى مصر. - نعم لا يوجد كتاب سيناريو فى مصر إلا نُدرة يُعدون على نصف أصابع اليد الواحدة، مثل بشير الديك ووحيد حامد وكرم النجار، والباقى بقالة. ■ ما السبب وراء ابتعادك عن السينما 12 عامًا؟ - أنا «أُجَرى» أنتظر الذى يطرق بابى ولست طارقا للأبواب، لم أفعل ذلك فى صغرى، فهل أفعله فى مثل هذه السن!، أحترم نفسى وأفعل ما أقتنع به فقط، الموضوع ليس ابتعادا عن الساحة الفنية، لكن أجد نفسى أكثر فى تخريج جيل جديد من السينمائيين الشباب فى التمثيل والإخراج والتصوير والسيناريو وغيرها، وأقدم ورش عمل مختلفة فى عديد من المجالات الفنية حتى أنقل خبراتى إليهم، وذلك حتى نجد جيلاً جديدًا يقدم الفن من أجل الفن وفقط. ■ وما الشروط الواجب توافرها فى المُتقدم لورش العمل هذه؟ - فى المقام الأول يجب أن يكون محبا للمهنة وراغبا فيها، وأن يكون حاصلا على مؤهلٍ عالٍ حتى يتاح لنا إيجاد مجال مشترك للحديث والتواصل، لأن السينما أصبحت علما بتقنيات جديدة مثل التصوير ثلاثى الأبعاد عكس الماضى بإمكانياته المحدودة. ■ فى فترة غيابك الأخيرة عن السينما هل عُرض عليك إخراج أعمال؟ - نعم، لكنى أختلف عن غيرى من المخرجين، لأننى تربيت فى بيئة مختلفة تريد تقديم الفن للجمهور سواء ربح الفيلم أو خسر، نال إعجاب الجمهور أم لا، ولكن هذه الفترة اختلف الوضع، فأصبح القائمون على صناعة السينما يشغلهم فى المقام الأول والأخير الربح المادى دون تقديم فن محترم، فإذا أراد الجمهور جنسًا قدموه إليهم، وأنا غير مجبر على تقديم مثل هذه الأعمال الرخيصة، وتاريخى شاهد على ذلك، وأفلام الثمانينيات والتسعينيات ليست تجارية على عكس ما يُعرض الآن، وليس هناك ما يسمى ب«السينما النظيفة» أو «سينما الأسرة»، لكنها بعض مسميات اخترعها الإعلام دون دراية منه بفن السينما وطبيعته. ■ هل تؤيد الرقابة على الأفلام؟ - لى مع الرقابة صولات وجولات آخرها طلب الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الحالى، من السينمائيين عمل لجنة عليا تنسيقية مشتركة لتفعيل الرقابة على الأفلام، لكنى عارضت وقلت له نصا إن الدستور الحالى والمفترض أنه جاء بعد ثورة يضمن حرية الرأى والتعبير، فكيف تكفل الحرية مع وجود رقابة؟ هذا تناقض ولقد عارضته أيضًا حينما قبل مقعد وزير الثقافة فى حكومة الفريق أحمد شفيق وأرسلت إليه رسالة قلت له فيها كيف تخذل زملاءك المثقفين ومتظاهرى ثورة 25 يناير الذين سالت دماؤهم فى ميادين الثورة؟ الرقابة شماعة يحاول البعض تعليق أخطائهم عليها، فهى تأتى عادة من أجهزة الأمن، كما يحدث منذ عهد جمال عبد الناصر حتى الفترة الحالية، وليس من جهاز الرقابة نفسه، والسيطرة الأمنية على الأعمال الفنية تثبت فشلها الواحدة تلو الأخرى. ■ هل ترى أن سعر تذكرة السينما مناسب للجمهور العادى؟ - أكيد ليس مناسبًا، فتذكرة السينما الآن تصل إلى 40 جنيها فى المراكز التجارية، وإذا اصطحب رب الأسرة زوجته وطفليه أكيد سيشكل عليه هذا المبلغ عبئًا ماديًّا ضخمًا بالمقارنة مع راتبه الشهرى، على عكس السينما قديمًا كانت قبلة كل الناس، وما لا يعرفه كثيرون أنى أتقاضى 500 جنيه فقط نظير عملى كأستاذ فى معهد السينما فى حين يتقاضى فراش مكتبى 700 جنيه، والمعيد فى معهد السينما يتقاضى نحو 2500 جنيه، وعندما تقدمت بشكوى إلى أربعة من وزراء الثقافة السابقين وآخرهم وزير الثقافة الحالى كان رد فعلهم عدم التصديق، مؤكدين أنهم سيقومون بتغيير تلك السياسة ولم يتغير أى شىء إلى الآن. ■ ما السبب وراء تأجيل فيلم «محمد نجيب» إلى الآن؟ - أحببت أن أخرج الفيلم بشكل إنسانى وإظهار معاناة الرئيس محمد نجيب وعلاقته بالضباط الأحرار بشكل أكثر تركيزا على النواحى الإنسانية عن طريق إبراز علاقة الصداقة بينه وبينهم، ثم الاختلاف وإبعاده عن الحكم، وتأثر نجيب بذلك وتأثيره عليه، لكن جهاز السينما وقتها برئاسة ممدوح الليثى رحمه الله أرادوا مجرد «التطبيل والألابندا»، ولم يتناولوا الموضوع بشكل جدى، ونُشرت أخبار الفيلم بالفعل والصور فى الجرائد وقتها، لكن لا شىء قد حدث. ■ ما رأيك فى مسلسلات رمضان الماضى؟ - شاهدت مسلسل «سجن النسا» وهو عمل جميل، وممثلوه أيضا كانوا ممتازين، وكذلك مسلسل «السبع وصايا»، عموما لا أشاهد مسلسلا كاملا، لأن فكرة مشاهدة 30 حلقة فكرة غير آدمية، مسلسل «قاهر الجواسيس» كان آخر كل حلقة من حلقاته يتعرض البطل لمخاطرة، ويشوق المشاهد لمعرفة إذا ما سيموت أم لا فى الحلقة التالية، وأيضًا المسلسل الأمريكى «Roots»، لأنه مكتوب ونُفذ بحرفية عالية يجبرك أن تشاهده، على عكس ما يعرض من مسلسلات تعتمد على تكديس الورق والكلام على عكس وظيفة الدراما التى تعتمد على الحركة وفن تسجيلها وإعادة تقديمها مرة أخرى، وفن التجسيد والاختزال لا التطويل والملل. ■ وماذا عن أفلام عيد الأضحى؟ - لم أشاهدها إلى الآن. ■ كيف ترى ظاهرة تحويل الروايات المصرية إلى أعمال فنية؟ وهل تفيد السينما والتليفزيون؟ - طبعًا مفيدة، ولكن يجب أن لا تنقل بشكل حرفى، بل تعالج بشكل فنى صحيح، مثلاً ملحمة «الحرافيش» لنجيب محفوظ كنت سأخرجها كمسلسل وليس فيلما، لكنى فوجئت بأن المخرج يوسف شاهين قد اشتراها وباع أجزاء منها، فعرضت عليه أن أعالج إحدى قصصها فكان فيلم «الجوع»، وأردت من خلاله أن أضع فى ساعة ونصف فكرة «الحرافيش»، وأن أعطى روحًا للرواية وأجسد الحركة فيها بشكل مناسب. ■ ما الأسباب فى رأيك وراء ترشيح فيلم «فتاة المصنع» لتمثيل مصر فى الأوسكار بدلاً من فيلم «الفيل الأزرق»؟ - لأنه قدم موضوعًا خاصًّا من داخل واقعنا المصرى وليس منقولاً عن أفلام أوروبية وأمريكية على عكس «الفيل الأزرق»، هل يعقل أن أشارك بفيلم فى منافسات الأوسكار، كل من صنعوا مؤثراته «خواجات»، وأن بطله إذا لم يتناول «الحباية الزرقا» لن يدخل عالم الأحلام ولن نجد فيلما من أساسه، بالطبع هذا ليس معناه أن الفيلم سيئ على العكس هو فيلم جيد، وأنا شاهدته واستمتعت به، لكنه يتضمن عيوبا فنية لا يمكن إغفالها، كما أنه لا يعبر عن مصر، وأساس الدراما عدم الاعتماد على الاحتمال والصدفة، لكنها تعتمد على «الحتمى»، وهو أن الظروف والأوضاع تحتم أن الممثل يفعل كذا وكذا وليس بالصدفة. ■ ما المعايير التى تعتمدها لاختيار القصة التى ستخرجها؟ - أكيد المشاعر والأحاسيس وشمولها للحركة والفعل، لأن مجالى يحتاج إليهما، وبعد ذلك كيفية توصيل هذه المشاعر إلى المشاهد، وإذا كنت «مخرج شاطر» سأستطيع بسهولة أن أجعلك تبكى أو تضحك، وأيضًا اختياراتك تتغير بتغير الظروف من حولك، مثلاً إذا أخرجت فيلمًا عن مذبحة القلعة الآن فقطعًا ستخرجه بالشكل العصرى والمواكب لظروف مجتمعك غير غافل للإسقاطات وروح العصر. ■ ما رأيك فى المخرجين الشباب؟ - أعجبنى شادى الفخرانى فى مسلسل «دهشة»، لكن «الخواجة عبد القادر» كان أقوى، وشادى من تلاميذى، وأيضًا مروان حامد وأيمن مكرم وأحمد نادر جلال ومحمد سمير فرج، ومجموعة كبيرة من الشباب، ونصيحتى لهم أن يعملوا ليجدوا لهم مكانًا فى البداية، وبعد أن يثبتوا أنفسهم يخرجوا ما يريدونه حسب رؤيتهم الفنية. ■ هل توافق على التمويل الأجنبى للأفلام المصرية لا سيما شركة مثل «فورد» وهى داعمة للكيان الصهيونى تُمول بعض الأفلام المصرية؟ - «يبقى مية مية أحسن من عين أبوهم»، لدينا «فوبيا» معهم، أنا قابلت إسرائيليين فى جمعية لشباب فلسطينى، وخفت منهم بالفعل، لكن عندما تعرفت عليهم وجدتهم خاوين فكريا ويخافوننا، لكنهم منظمون، ما دام المخرج ينفذ فكره وتوجهاته ولا يتلقى منهم أى توجيهات أو تدخل، فما المانع؟!