فى الوقت الذى تحاصر فيه عناصر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» مدينة كوبانى أو عين العرب على الحدود السورية التركية، لم يحرك أردوغان ساكنا. وبينما عناصر التنظيم ترتكب الجرائم بحق سكان المدينة وغالبيتهم كردية، وضع أردوغان ثلاثة شروط للتحرك من أجل الحيلولة دون سقوط المدينة. شروط أردوغان كانت فرض منطقة حظر طيران فوق مناطق سورية، وإقامة منطقة عازلة داخل الأراضى السورية، وتعهُّد الولاياتالمتحدة بالعمل ضد نظام الرئيس السورى بشار الأسد. شروط أردوغان لا علاقة لها بمدينة كوبانى بقدر ما هى استغلال الموقف لفرض رؤيته على كل الأطراف، تلك الرؤية التى تطمع فى أجزاء من الأراضى السورية، وترغب فى إقامة نظام حكم يدور فى فلك الجماعة وتركيا. ولأن أردوغان تمسك هو ورئيس وزرائه داوود أوغلو، بشروطهم الثلاثة، فقد احتج أكراد تركيا على هذا الموقف «البارد» الذى اتخذه أردوغان، فالرجل يفرض الشروط بينما المدينة على وشك السقوط بأيدى عناصر التنظيم الإرهابى، وإذا سقطت المدينة فسوف يوغل التنظيم قتلا فى سكانها الأكراد ويرتكب مجازر جديدة ليس أقلها مشاهد الذبح والإعدامات الجماعية. ضُغط أكراد تركيا المقموعين من النظام التركى لعقود طويلة، ضُغطوا من أجل دفع أردوغان إلى التعاون حتى لا تسقط مدينة «كوبانى» فلم يحرك أردوغان ساكنا. غضب الأكراد واحتجّوا وثاروا، وخرجوا إلى الشوارع للاحتجاج، فأمر أردوغان شرطته بقمع المتظاهرين فقتلت الشرطة التركية ستة عشر منهم بدم بارد، وعندما تصاعد غضب أكراد تركيا ضد أردوغان الذى وقف يتفرج على أشقائهم وهم يُقتلون على أيدى عناصر التنظيم الإرهابى، أمر أردوغان بفرض حظر تجوال على ست مدن تركية تقطنها غالبية كردية، ومارست الشرطة التركية بأوامر مباشرة من أردوغان كل أشكال القتل والتعذيب والتنكيل بحق المواطنين الأتراك من أصول كردية، وصوَّرت وسائل الإعلام العالمية مشاهد القتل والسحل والتعذيب التى تمارسها الشرطة التركية بحق مواطنين أتراك من أصول كردية، وبدا واضحا أن السيد أردوغان الذى لم يتوقف حتى اليوم عن التهجم على مصر، وثورة 30 يونيو، والرئيس عبد الفتاح السيسى، بحجة انتهاك حقوق الإنسان فى مصر، قد أمر قواته بالتصدى لتظاهرات واحتجاجات الأكراد بكل قوة واستخدام كل أدوات القمع فى مواجهة احتجاجات مدنية سلمية. الرجل لم يتوقف عن الدفاع عن جماعة إرهابية، وعن رئيس جاسوس خان بلده وشعبه، وعن أنصار مجرمين مسلحين، بحجة انتهاك حقوق الإنسان، وعندما خرجت فى بلاده تظاهرات سلمية تطالب بالتعاون من أجل منع سقوط مدينة كوبانى فى أيدى عناصر تنظيم «داعش» الإرهابى، أمر قواته بفض التظاهرات باستخدام القوة، وفرض حظر تجوال فى ست مدن واستعان بقوات الجيش للتصدى للمتظاهرين. كشفت أحداث المدن الكردية أن أردوغان مثله مثل أسلافه الأتراك، يتحدثون كثيرا عن القيم والفضائل ويرتكبون فى وقت نفسه المجازر غير المسبوقة فى التاريخ الإنسانى مثل المجازر بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى وبعدها، والتى أسفرت عن قتل مليون ونصف المليون أرمنى من المدنيين الأبرياء منهم النساء والأطفال والشيوخ. يتحدثون عن قيم إنسانية لا علاقة لهم بها. لقد تسلم أردوغان تركيا وهى تقف على أبواب الاتحاد الأوروبى، وأوصلها اليوم إلى دولة منبوذة فى منطقتها، دولة لم تعد عضويتها فى الاتحاد الأوروبى مطروحة، كما أنها باتت دولة مكروهة فى العالم العربى، حوَّلها من دولة «نموذج» للدول العربية والإسلامية إلى دولة تترنح.