حزب النور السلفى إحدى الظواهر السياسية المثيرة للجدل وللاهتمام، ذلك الحزب الذى لم يكن له أى عمل سياسى أو حزبى قبل ثورة 25 يناير، ولكنه استطاع أن يحصد 25% من مقاعد البرلمان عقب شهور من الثورة، ليفرض نفسه على الساحة السياسية بقوة وجاء يوم 3 يوليو 2013 ليوقع الحزب على وثيقة خارطة المستقبل التى طرحتها المؤسسة العسكرية، على عكس باقى التيار السلفى الذى كان يرى أن مرسى يمثل الشريعة والشرعية. ويمكننا القول إن حزب النور نجح فى أن يخوض غمار العملية السياسية ببرجماتية شديدة، بعيدا عن الصورة التى رسمها له دعاة الدعوة السلفية على أنه حزب آيديولوجى يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية، واستطاع الحزب أن يتنقل فى مواقفه من الخصومة الشديدة مع أطراف معينة إلى التقارب أو التحالف فى مراحل أخرى. إن المرونة السياسية التى تمتع بها حزب النور فى التنقل بين مواقفه تعارضت بشكل واضح بين الآيديولوجية التى حاول الدعاة رسمها للحزب، فبنظرة أقرب كان الحزب لديه قدرة أكبر على قراءة الواقع عن غيره من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، وربما ذلك أكسبه قدرا من المكاسب السياسية أو على الأقل خرج بأقل خسائر، ولكنه فى نفس الوقت على مستوى صورته كحزب إسلامى يمثل التيار السلفى خسر الكثير من التيارات السلفية المؤيدة له والتى رأت فى مواقفه تناقضا شديدا بين سياسته والسياسة الشرعية. استمرت مواقف حزب النور الجدلية بعد ثورة 30 يونيو ليعلن صراحة دعمه لترشيح المشير عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية، ليضع بذلك حجرا جديدا ضمن أحجار حائط الصد الذى بناه بينه وبين جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى، قبل أن يتهموه بتواطئه مع النظام، وعلى جانب آخر تلقى الحزب اتهامات واسعة من التيارات الليبرالية والثورية، أهمها ضعف قدرة الحزب على حشد الناخبين للتصويت، وفقدان السيطرة على قواعد السلفيين بالمحافظات التى قاطعت الانتخابات، وهو الأمر الذى يثير تساؤلات مهمة حول وضع حزب النور فى المستقبل القريب وبالتحديد ونحن بصدد انتخابات برلمانية قادمة. يحاول حزب النور استثمار فرصة خروج الإخوان من المعادلة السياسية من أجل أن يكون البديل السياسى لحزب الحرية والعدالة، وأن يحرز أغلبية فى الانتخابات البرلمانية القادمة، فمن المؤكد سيجد حزب النور معضلة كبيرة فى تشكيل تحالف انتخابى إسلامى يخوض من خلاله الانتخابات البرلمانية القادمة، فالأحزاب الدينية جميعها تواجه تحدى الحل طبقا للقانون الذى يمنع إنشاء الأحزاب على أساس دينى، كذلك عديد من تلك الأحزاب يقبع تحت مظلة تحالف دعم الشرعية الرافض لخارطة المستقبل، مع عدم تجاهل مؤشر الانتخابات الرئاسية الأخيرة التى دلت على ضعف سيطرة قبضة حزب النور على التيارات السلفية، وهو ما يفسر عجز الحزب حتى الآن عن تكوين تحالف انتخابى إسلامى للمرحلة القادمة. فى المقابل لن يختلف الأمر كثيرا إذا فكر الحزب فى التحالف مع الأحزاب المدنية الرافضة له فى الأساس، وهو بالفعل ما أعلنه ضمنيا فى خطوة تعيد إلى الأذهان تحالف الإخوان، فالنور أيضا أعلن ولو ضمنيا عن سعيه لتشكيل تحالف تجد فيه المرأة والأقباط فرصة كبيرة، ولكن وعلى سبيل إذا قبلت بعض الأحزاب المدنية الليبرالية بذلك فماذا سيكون مصير أعضاء حزب النور الذى يرى أن تلك الأحزاب تمثل انحلالا فكريا ضد مبادئ الشريعة؟ أما الطريق الثالث الذى يمكن أن يتخذه الحزب مسلكا له للانتخابات القادمة فهو الاستناد إلى مبادئ الشريعة مرة أخرى ليصبح هو البديل الوحيد لقاعدة الإسلام السياسى فى الانتخابات فى ضوء غياب الإخوان وأحزاب تحالف دعم الشرعية، ومن ثم تزيد فرص حزب النور فى حصد مقاعد البرلمان. فى النهاية سيتأثر النور بلا شك بافتقاده التأييد من أبناء التيارات السلفية وأحزاب الإسلام السياسى التى تتعاطف مع الإخوان بشكل كبير، كذلك سيتأثر بافتقاده دعم الكثير من كوادره غير الراضية عن تطور المشهد السياسى، وستصبح الانتخابات البرلمانية القادمة هى المحدد الرئيسى لاستمرار الحزب فى الحياة السياسية من عدمه.