قد يحلو للبعض وصف يناير ب«المؤامرة»، وسحب صفة «ثورة» منها، وتخصص بعض الإعلاميين فى شىء وحيد، هو سبّ يناير آناء الليل وأطراف النهار، وقد بدا أن مبارك لم يكن مخطئا، بل إن «العملاء» هم مَن تآمروا عليه، وعملوا على إسقاطه، فلم تكن مصر فى عهده فى أعلى معدلات الفقر والفساد والبطالة، وأن ثُلث المصابين بفيروس «سى» فى العالم من المصريين، وأن معدلات الإصابة بالسرطان من أعلى المعدلات العالمية، وأن كل صاحب رأى لم يكن تعرض للترويع والاعتقال والتعذيب أحيانا، وأن القرار المصرى لم يرتهن لمصالح الأمريكان والإسرائيليين، وأن الحرب الوحيدة التى دخلها مبارك لم تكن ضمن «تحالف دولى» قادته أمريكا لضرب بلد عربى هو العراق، ولم يصفه بنيامين بن آلى عاذر بأنه -مبارك- كنز إسرائيل الاستراتيجى، وأن الغاز المصرى لم يذهب إلى إسرائيل بأقل من سعر تكلفته، وأن الدستور لم يفصّل بتعديلات مزورة من أجل ضمان انتقال السلطة «توريثًا» لشخص تافه مثل جمال مبارك، وأن فريد الديب، محامى مبارك، لم يكن يوما محامى الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام، وأن عبد الحميد شتا المواطن المصرى المتفوق لم ينتحر لأنه لم يقبل فى العمل الدبلوماسى بسبب أنه «غير لائق اجتماعيًّا»، لأن والده رجل فقير، وأن عبَّارة الموت لم تغرق لأن صاحبها حوت كبير من حيتان حزب مبارك، وأنه -ممدوح إسماعيل صاحب العبَّارة- عُيّن من قِبل مبارك نفسه فى مجلس الشورى ليتخفى بحصانته ويهرب وقت اللزوم، قبل أن يكون متهمًا، وأن قطارات الصعيد لم تحترق بسبب الإهمال، وأخيرا لم يقتل نظام مبارك خالد سعيد وسيد بلال ولم يطلق الرصاص فى يناير، خذوا الحقيقة من إعلاميى هذا العصر، مبارك برىء والثورة مؤامرة.. إذن فليكن.. فلنقضى على هذه المؤامرة.. كيف؟! براءة مبارك تعنى محاكمة كل مَن دعا وحرَّض وشارك فى 25 يناير، ومحاكمة كل من أيَّد ذلك، بتهمة قلب نظام الحكم، بمن فيهم قيادات المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى أصدر بيانا شهيرا يوم 10 فبراير، مؤكدا دعمه «لمطالب الشعب المشروعة»، واعتبار كل ما جرى منذ 11 فبراير باطلًا، فكل ما بنى على باطل هو باطل، فلا انتخابات رئاسة 2012 شرعية، ولا انتخابات رئاسة 2014 شرعية، ولا دستور الإخوان، ولا دستور مصر الحالى شرعى، فلنعيد الحق إلى أصحابه، إذا كانت يناير مؤامرة، فلا بد أن يعود دستور 1971، بدلًا من الدستور الحالى الذى يصف «25 يناير» فى ديباجته بأنها «ثورة مجيدة»، وكذلك حين تصبح يناير مؤامرة ومبارك بريئا، فهذا يعنى حتمية استقالة الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسى من منصبه، وعودة مبارك «المظلوم بفعل هذه المؤامرة» إلى مكانه الطبيعى فى حكم مصر، إذن فلنقضِ على المؤامرة، ونسقط ما ترتب عليها من شرعية غير صحيحة، وليستقل الرئيس ودستور نظامه سند شرعيته الذى يصفها بالثورة، وليعد مبارك إلى الحكم. تعتبر كلامى كلام «ناس مجانين».. والله لو يناير مؤامرة كلامى أكثر منطقية من نظام سند شرعيته «25 يناير» و«30 يونيو»، بينما تخرج موجة إعلامية تعتبر نفسها مؤيدة للنظام وتهاجم «25 يناير»، بينما يستمر الرئيس السيسى فى كل مناسبة فى وصف «25 يناير» بأنها «ثورة».. اثبتوا على حل، ولا هى ثورة بتدلّعوها تقولوا لها «مؤامرة»!