بالقانون.. فئات يجوز لها تخفيض ساعات العمل    وكيل تعليم مطروح يتابع التقييم المركزي لمسابقة "المعلمة الفعالة" لمرحلة رياض الأطفال    سعر الدولار بالجنيه الآن في البنوك و السوق السوداء اليوم الخميس بعد الانخفاض الجديد    أسعار اللحوم والفراخ في أسواق أسيوط اليوم الخميس    الدولار يتراجع في ظل تثبيت أسعار الفائدة لفترة أطول    مطار دبي يعلن إعادة فتح إجراءات السفر من المبنى 3    واشنطن توافق على عملية عسكرية إسرائيلية في رفح مقابل هذا الشرط    المستشفيات المصرية تستقبل 117 مصابا ومرافقا فلسطينيا عبر معبر رفح    قصف إسرائيلي شمالي مخيم النصيرات وسط غزة    زلزال يضرب جنوب غرب اليابان بقوة 6.3 درجة    "لا وجود للحظ".. تصريح تاريخي من بيب جوارديولا بعد الخسارة أمام ريال مدريد    مهيب عبد الهادي يكشف مفاجأة صادمة عن كولر    الدوري المصري، سيراميكا يستدرج الاتحاد السكندري اليوم    بعد قليل، محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف الخطيب    فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    تفاصيل المذبحة الأسرية فى الغربية ..المتهم والضحايا يقيمون فى منزل العائلة بكفر الزيات    التضامن تعلن فتح باب سداد الدفعة الثانية للفائزين بقرعة حج الجمعيات    علي جمعة: الرحمة حقيقة الدين ووصف الله بها سيدنا محمد    «صحة مطروح» تطلق قافلة طبية مجانية لقرية سيدى شبيب الأسبوع المقبل    عاجل - لليوم الثالث.. اضطرابات جوية وتعطيل مناطق واسعة داخل الإمارات    مجلس الأمن يؤجل التصويت على مشروع قرار منح فلسطين العضوية الكاملة للغد    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الخميس 18-4-2024 في الأسواق    منة عدلي القيعي: بجمع أفكار الأغاني من كلام الناس    طارق الشناوي: «العوضي نجح بدون ياسمين.. وعليه الخروج من البطل الشعبي»    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 18 أبريل 2024    بلاغ وكردون أمني.. ماذا حدث داخل مخزن كاوتش في شبرا الخيمة؟    أنت ابني وسأصلّي من أجلك، كاهن الكنيسة الشرقية في سيدني يصفح عن المهاجم (فيديو)    أسعار الفراخ اليوم 18-4-2024.. الانخفاض مستمر جهّز فلوسك للتخزين    إبراهيم سعيد: خالد بيبو "مهمش" في الأهلي وليست لديه صلاحيات عبد الحفيظ    بعد استقالة المحافظين.. هل تشهد الحكومة تعديل وزاري جديد؟    مدير أعمال شيرين سيف النصر: كانت عايزة تشارك في عمل ل محمد سامي ( فيديو)    أحمد عبد الله محمود يكشف كواليس تعاونه مع أحمد العوضي ومصطفى شعبان    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 18 ابريل في محافظات مصر    ما حكم نسيان إخراج زكاة الفطر؟.. دار الإفتاء توضح    شاب يتحول من الإدمان لحفظ القرآن الكريم.. تفاصيل    وزارة الطيران المدني توضح حقيقة انتظار إحدى الطائرات لمدة 6 ساعات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الخميس 18/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    هشام ماجد يشيد بهنا الزاهد بعد "فاصل من اللحظات اللذيذة"    كيف تبوء الجهود الأممية بالإخفاق داخل قطاع غزة منذ أكتوبر الماضي حتى الآن؟    ألفا روميو تقدم Junior .. أرخص سياراتها الكهربائية    الصين قادمة    دعاء الرياح والعواصف.. «اللهم إني أسألك خيرها وخير مافيها»    سامسونج تثير الجدل بإطلاق أسرع ذاكرة في العالم .. فما القصة؟    7 علامات بالجسم تنذر بأمراض خطيرة.. اذهب إلى الطبيب فورا    رشة من خليط سحري تخلصك من رواسب الغسالة في دقائق.. هترجع جديدة    طريقة عمل مربى الفراولة، زي الجاهزة للتوفير في الميزانية    إبراهيم نور الدين: كنت أخشى من رحيل لجنة الحكام حال إخفاقي في مباراة القمة (فيديو)    «البيت بيتى 2».. عودة بينو وكراكيرى    تعرف على موعد إجازة شم النسيم 2024.. 5 أيام متصلة مدفوعة الأجر    أنت لي.. روتانا تطرح أغنية ناتاشا الجديدة    بعد 24 ساعة قاسية، حالة الطقس اليوم الخميس 18-04-2024 في مصر    الاتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على إيران    إبراهيم سعيد: احتفالات لاعبي الزمالك بعد الفوز على الأهلي مبالغ فيها    «معلومات الوزراء»: 1.38 تريليون دولار قيمة سوق التكنولوجيا الحيوية عالميًا عام 2023    ارسنال ومانشستر سيتى آخر ضحايا الدورى الإنجليزى فى أبطال أوروبا    الجامعة البريطانية في مصر تعقد المؤتمر السابع للإعلام    أسباب نهي الرسول عن النوم وحيدا.. وقت انتشار الشياطين والفزع    صفقتان من العيار الثقيل على أعتاب الزمالك.. وكيل لاعبين يكشف التفاصيل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصانع الغزل تحولت إلى لوكاندات وصالات أفراح
نشر في التحرير يوم 30 - 09 - 2014

كان يمكن لمصانع الغزل فى مصر أن تكون عونًا للاقتصاد، ولكنها مثل أى شىء آخر فى المحروسة عانت من الفساد، الأنظمة السابقة لم تولها الاهتمام الكافى، وحاول الفاسدون الانتفاع من ورائها لمصلحتهم، حتى ولو كان ذلك على حساب آلاف العمال الذين تم تسريح عدد كبير منهم أو فصلهم تعسفيًا أو حتى إقناعهم بالمعاش المبكر مقابل مبالغ ضئيلة جدًا، لكنها تصبح ضخمة للغاية حينما يتم جمعها معا، وقد كان جزء من هذه المبالغ كفيلا بتطوير العمل داخل شركات الغزل ومصانعها بدلا من غلقها أو «تسقيعها». ستكتشف هنا أن معظم هذه المصانع أنشئ فى السبعينيات، ولم يحدث تطوير لمعداتها وماكيناتها، وهناك عوامل كثيرة تضافرت فى تكبيدها خسائر فادحة، وهكذا لم يجد المسؤولون عنها، أو بالأدق المسؤولون عن المستمرة منها، ما يفعلونه إلا الاستدانة من البنوك لسداد رواتب بقية العمال. هنا ستعرفون بالتفصيل قصة الموت البطىء الذى تعرضت له تلك المصانع التى بات ينطبق عليها المثل الشعبى «بتغزل برجل حمار».
المحسوبية تدمر «غزل ونسيج الدقهلية»
الدقهلية- سارة زينهم:
آلاف العمال بشركة الدقهلية للغزل والنسيج «ديتكس» يطالبون بتحقيق العدالة الاجتماعية التى طالبت بها ثورة 25 يناير، حيث تهيمن الوساطة والمحسوبية على الشركة، خصوصا فى تعيينات العمال الذين وقعوا فريسة للفساد الإدارى.
1975 تأسس المصنع على مساحة 90 فدانًا
تأسست شركة ديتكس عام 1974، وهى إحدى الشركات التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس، وتخضع للقانون رقم 203 لسنة 1991، 99.82% منها ملك للشركة القابضة، بينما الجزء المتبقى وهو 0.18% ملك للقطاع الخاص.
ولم تخلُ شركة ديتكس من المحسوبية والوساطة فى تعيين العمال، حيث عيّن رئيس مجلس الإدارة السابق ما يقرب من 500 عامل عبر الوساطة، وهو ما جعل وضع الشركة مهددا، حيث تزداد الأعباء المالية على الشركة نتيجة الزيادات الثانوية المتمثلة فى علاوات دورية 7% كل عام، وعلاوات اجتماعية يحددها رئيس مجلس الوزراء يتم دفعها للعمال، وازداد الوضع سوءا بعدما تم إغلاق مصنعى «أجا - دكرنس» للغزل والنسيج ومصادرة عمالهما لصالح شركة ديتكس للغزل والنسيج بالدقهلية، وكذلك تفكيك مصنع غزل تابع للشركة وغلقه، وتحويل العمال أيضا للشركة.
أحد عمال شركة ديتكس، يدعى محمد عبد الله، يقول: «ماكينات المصنع قديمة للغاية و60% منها حالتها سيئة».. زميله وليد السيد، اشتكى أيضا من قدم المعدات قائلا: «الماكينات مر عليها ما يقرب من 20 عاما دون تجديد أو تغيير، وهو ما يحمل العمال عبئا أكبر فى الإنتاج»، مشيرا إلى أنهم ناشدوا رؤساء مجالس الإدارات السابقين تجديد الماكينات أو تبديلها، ولكن دون جدوى.
تعانى منتجات شركة الغزل والنسيج بالدقهلية من أزمة طاحنة، نتيجة غزو المنتج الأوروبى المناظر للسوق المصرية بأسعار رخيصة. رئيس مجلس الإدارة محمد عيسى، يشير إلى أن «بيع الغزل شهد انفراجة فى عهد الجنزورى فى السوق المحلية، بعدما قام بمنع التهريب، وفرض رسوم إغراق على الغزل المستورد».
ينتج 700 عامل بالشركة 10 أطنان من الغزل يوميًا، بمعدل 2900 طن سنويا يتم بيعها ب70 مليون جنيه، بينما ينتج ألف عامل، مليونا و700 ألف قطعة ملابس سنويًا يتم بيعها ب7.5 مليون جنيه فى السنة.
رئيس الشركة الحالى اتبع سياسة منع التعيينات وتقليل أجور العاملين بحجة تقليل نسية الخسائر، حيث بلغت أجور العمال فى عام 2013 نحو 60 مليون جنيه، بينما بلغت قيمة الخسائر 40 مليون جنيه، وفى العام الحالى بلغت أجور العمال 70 مليون جنيه، بينما ظلت الخسائر عند 40 مليونا.
«قوميسون» المنصورة تخلص من 300 عامل بحجة «المرض النفسي»
وفى عام 1991 بلغ الفساد ذروته، حين شهدت الشركة واقعة تزوير من قبل مسؤوليها، بعدما قام القومسيون الطبى بالمنصورة بإحالة أوراق 300 عامل بالشركة إلى المعاش المبكر بحجة كاذبة، وهى إصابتهم بأحد الأمراض النفسية والعصبية، وتم صرف 762 ألف جنيه تعويضات ومكافآت نهاية الخدمة، وهو ما تسبب فى خسائر فادحة للشركة، وذلك بعدما اشترك كل من رئيس الشؤون الإدارية بالشركة ورئيس أقسام الشؤون الاجتماعية بمصنع ميت غمر وزوجته الممرضة بمستشفى العاملين بنفس المصنع ومدير الإدارة الطبية وقتها، بتزوير البيانات الخاصة بالعمال مقابل الحصول على مبالغ من كل عامل، تتراوح ما بين ألف وثلاثة آلاف جنيه.
فى الثامنة من صباح كل يوم تبدأ معاناة 1200 عاملة بالتريكو بشركة ديتكس للغزل والنسيج، بسبب الدخان المنبعث من مقلب للقمامة بجوار الشركة. وتؤكد العاملات أنهن تقدمن بشكاوى عدة لإدارة الشركة، لإيجاد حلول فى مشكلة مقلب القمامة.
إحدى عاملات التريكو وتدعى سهام على، تؤكد أن التعيينات متوقفة منذ 10 سنوات بعدما ظللن 11 سنة تدريبا يتقاضين راتب 150 جنيها، وتضيف: «إن إدارة الشركة تلاعبت بهن، فبعدما أقنعتهن بالتثبيت بشهادة الإعدادية، حيث تقدمن فى المسابقة الخاصة بالتعيينات بتلك الشهادة ولكن تم تثبيتهن دون مؤهلات».
«كفر الشيخ».. متوقف لعدم وجود «القطن»
كفر الشيخ- أشرف مصباح:
المئات من عمال مصنع الغزل بكفر الشيخ، يعملون فى بيئة غير صحية وعلى ماكينات للغزل عفى عليها الدهر، تعمل يوما وتتعطل أياما، فعجلة التطوير لم تأت بعد إلى المصنع، الذى مر على إنشائه أربعون عاما فقط.
مراقب إنتاج يدعى سمير عقبة، قال «العامل يتقاضى راتبه وفق تسعيرة الإنشاء، رغم مرور أربعين عاما، وقالوا: هناك دراسة عمل جديدة لرفع رواتب العمال ولكنهم ماطلوا فى التنفيذ وأخلفوا الوعود».
وأضاف عقبة «العامل منا يعمل 8 ساعات يوميا، على ماكينات قديمة ويتعرض للمخاطر والأمراض، فماكينات الغزل لم يتم تجديدها منذ إنشاء المصنع، كما أن ماكينات قسم التدوير لا تستطيع تنفيذ الكميات المطلوبة نظرا لأعطالها».
وأضاف محمد حسن، عامل بالمصنع، «كميات الأقطان المطلوبة لتشغيل الماكينات لا تتناسب مع حجم العمل اليومى ويتوقف العمال عن العمل يوميا لعدم وجود أقطان كافية تأتى من الشركة القابضة، مما يعنى إهدار طاقات العمال بلا فائدة».
وطالب فريد سالم «عامل» بتثبيت العمالة المؤقتة، التى قاربت من خمسة أعوام عمل، كما طالب بتسوية حالة العمال الوظيفية للذين حصلوا على مؤهلات فى أثناء الخدمة.
سوهاج من 3500 عامل إلى 450 فقط
سوهاج- وائل بدوى:
تغير الحال كثيرا بمصنع الغزل والنسيج بسوهاج، فبعد أن كان إحدى القلاع الصناعية الضخمة بالمحافظة، اقتصر العمل على عدد قليل من الماكينات بالمصنع، لا يتجاوز ربع القوة الأساسية، وتم بيع أرض الشونة لتقام عليها أبراج سكنية.
رئيس اللجنة النقابية لعمال المصنع عاطف عبد اللطيف، قال «هناك مخطط كان معدا للقضاء أيام الرئيس الأسبق مبارك على القطاع العام، وللأسف نجح معظمه.
فمصنع الغزل والنسيج بسوهاج يعانى أشد المعاناة من الماكينات الحالية التى كانت فى الثمانينيات على أحدث ما يكون، ولكن بعد ذلك لم يطرأ عليها أى تجديد، وتسبب تهالكها فى تقليص عدد المعدات إلى الربع».
ويضيف عبد اللطيف «القوة الحالية من العمال لا تتجاوز 450 عاملا فقط، بعد أن كانت تتجاوز 3500 عامل، مقسمة على ثلاث ورديات، وتم القضاء على العمالة المدربة بما عرف بالمعاش المبكر أو الموت المبكر، كما أطلق عليه العمال».
«أسيوط».. السقوط فى فخ الديْن للبنوك
أسيوط - طارق عبد الجليل:
ترجع فكرة إنشاء مصنع الغزل بأسيوط إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 2087 لسنة 1971 بنزع ملكية مساحة 90 فدانا وتحويلها من أراض زراعية إلى منفعة عامة لصالح الدولة، وذلك لإقامة مشروع مصنع الغزل والنسيج شركة قطاع عام، وكان المستهدف إقامة مصنع للغزل ثم مصنع للنسيج ثم مصنع للصباغة، ولكن ذلك الحلم توقف عقب الانتهاء من المرحلة الأولى وهو مصنع الغزل عام 1975، وتم تشييد 2 شونة لتخزين القطن الخام والأخرى لتخزين عوادمه بمساحة 105 آلاف م2.
1993 بداية التخلص من العمال بالخصخصة
وفى عام 1993 بدأت موجة الخصخصة والتخلص من القطاع العام ولعبت الحيلة الماكرة التى ابتكرها عاطف عبيد عندما كان رئيسا للوزراء دورا هاما فى تفتيت المصنع والتمهيد لبيعه، حيث قرر تحويل القطاع العام إلى قطاع أعمال، وهو ما يعنى عدم تمثيل العمال فى مجالس إدارة المصانع على أن تكون القرارات الخاصة بالبيع فى يد الجمعية العمومية غير العادية التابعة لرئيس الوزراء ووزير الاستثمار، وتلا تلك الخطوة قرار المعاش المبكر للعمال للإطاحة بهم، وجاءت الخطوة الثالثة لانهيار المصنع وصناعة الغزل عامة بالاستدانة من البنوك بهدف سداد رواتب العاملين.
الأحوال داخل مصنع الغزل بأسيوط فى تدهور مستمر، والسبب فى ذلك سياسة تهدف إلى ذلك التدهور من خلال جلب خامات رديئة من القطن الذى يتم غزله وطرحه فى الأسواق، والذى كان له أثر بالغ فى تهالك معدات المصنع التى لم يتم تحديثها منذ افتتاحه فى السبعينيات، وهو ما أثر بالسلب على أرباح الشركة ودفعها لتكبد خسائر فادحة، حتى وصل الحال بالشركة إلى الاقتراض من البنوك لسداد رواتب العاملين بالمصنع، الذين كان عددهم عند الافتتاح 3000 وتضاءل العدد يوما بعد يوم بسبب المعاش المبكر، حتى وصل إلى 600 موظف حاليا، وشهريا يخرج منهم عدد كبير على المعاش دون تعويضهم بموظفين جدد، مما ينذر بوضع مأساوى فى الأشهر القليلة المقبلة، عندما سيفاجأ الجميع بتوقف المعدات بالمصنع لعدم توفر العمالة المدربة، ومن ثم يتم التخلص من المصنع وأرضه المتبقية.
العاملون بالمصنع فوجئوا منذ 4 سنوات بوضع لافتات على جزء من أراضى المصنع الشاسعة التى تقع فى قلب مدينة أسيوط، تفيد بأنها أصبحت ملكا للبنك الأهلى وبنك مصر فى ما بينهما، وذلك عقب عجز الشركة عن سداد الديون الملتزمة بها. ويقول العمال: عندما استفسرنا عن الأمر تبين لنا أن الشركة القابضة قامت بالتنازل عن الأرض دون مقابل مادى، مكتفية بإسقاط الديون المتراكمة عليها، وهو ما يعد فى حد ذاته جريمة يُحاسب عليها القانون، حيث إن قيمة الأرض تفوق كثيرا قيمة الدين أيا كان، وهو ما يعنى شبهة فساد قد حدثت بين جميع الأطراف.
«شبين».. الشركة التى تحولت إلى «لوكاندة»
المنوفية- أحمد عبد السميع:
غزل شبين الكوم، تلك الشركة التى كانت يوما ما قلعة من قلاع الصناعة فى المنوفية، على 24 فدانا وبها ستة مصانع وثلاث شون، من ضمنها شونة كبيرة تم تحويلها إلى منطقة استثمار بالمنطقة الحرة.
الشركة أصبحت «خرابة»، منذ خصخصتها، حيث صفى المستثمر الهندى العمالة وشرد العمال، وقلت أيضا المادة الخام، حتى صار العمال يتعاملون مع الشركة على أنها «لوكاندة» يذهبون للنوم فى فترات العمل، والبعض الآخر يترك ورديته مبكرا لكى يجد مواصلات تنقله إلى قريته أو مدينته، نظرا لأن أوتوبيسات الشركة توقفت.
العاملون بالشركة يعانون كل شهر من تأخر الرواتب فلا يحصلون عليها vسوى بالتظاهر والإضراب، كما أنهم غير راضين عن وضع الشركة وتوقف الماكينات والمصانع، حيث توقف أكثر من 3 مصانع والباقى ينتظر نفس المصير.
14 ألف عامل تم تشريدهم بعد توقف
قلة العمالة أيضا أثرت على إنتاج الشركة، حيث كانت تضم 17 ألف عامل قبل الخصخصة وصلوا حاليا إلى 3000 عامل، يقول أحمد عبد العزيز أحد عمال الشركة، «التحقت بالشركة عام 2006 مقابل إحالة والدى للمعاش المبكر، متنازلا عن 50 ألف جنيه من مستحقاته المالية، فالشركة أصبح حالها عدما، بعدما كانت تنتج خيوطا رفيعة غير الموجودة فى غزل المحلة لتوافر عدد من الماكينات الألمانية المتخصصة، وكانت تصدر 75% من إنتاجها للخارج وأرباح الشركة كانت نحو 20 مليون جنيه حتى عام 2006، وكانت وديعة الشركة 150 مليون جنيه باسم عمال الشركة برأسمال 120 مليون جنيه، وتمتلك أكثر من 30% أسهما بشركة مصر إيران، بالإضافة إلى 150 فدانا ملكا للشركة بالمنطقة الصناعية بقويسنا، و35 مليون جنيه قطع غيار بالمخازن».
عبد العزيز أشار إلى أن أحمد يوسف رئيس النقابة العامة بالشركة، رفع دعويين تحت رقمى 1011 و1012 لسنة 2008 للمطالبة باسترداد 45 مليون جنيه احتياطى نقدى، أشار إليه الجهاز المركزى للمحاسبات، وكان من المفترض أن يتم توزيعه على العاملين، ولكن تم حفظ البلاغات.
وأضاف: «الشركة بيعت ب174 مليون جنيه لرجل هندى دفع 70% فقط من القيمة وله حق الإدارة، والشركة القابضة لها 18%، والعمال 12% ب12 مليون جنيه».
إيهاب السلكاوى، عامل بقسم الصيانة، قال: «الرواتب ضعيفة، كما أننا لا نتقاضاها فى مواعيدها، فأنا أعمل منذ 10 سنوات وما زال راتبى 900 جنيه، والأزمة فى توقف المصانع عن الإنتاج بسبب نقص قطع الغيار، بعد أن كان هناك وفرة بها لأكثر من 35 مليون جنيه، كما تمت إزالة مصنع رقم 2 بالكامل، فى عهد المستثمر الهندى، وكان به 400 ماكينة تم بيعها».
200 مليون جنيه خسائر الشركة فى 3 سنوات
وأضاف: «نطالب بإمداد المصنع بالمواد الخام لإعادة عجلة الإنتاج مرة أخرى، خصوصا أن الحكم النهائى الصادر بعودة الشركة للدولة صدر بتاريخ 21 يناير 2013، الذى لم يتم تنفيذه حتى الآن». المشرف العام على قطاع الشؤون القانونية بالشركة أسامة خلاف، أكد أنه منذ شراء المستثمر الهندى الشركة عام 2007، خسرت ما يزيد على 200 مليون جنيه فى 3 سنوات فقط، وكان لها 220 عميلا دوليا، قامت الإدارة الهندية بقطع التعامل معهم دون أسباب، واقتصر الإنتاج على الخيوط السميكة الرخيصة، التى لا تطلبها الدول الأخرى، لأن الحكومة كانت تدفع له دعما ماليا عن كل طن يتم إنتاجه، فاهتم المستثمر بزيادة الإنتاج دون النظر لجودته، بالإضافة إلى التعنت الواضح ضد العمال، مضيفا: «قبل الإعلان عن بيع شركة غزل شبين الكوم بعدة أشهر كان هناك مهندسون وفنيون تابعون للمستثمر الهندى، يأتون للشركة لإعداد تقارير عن الماكينات والإنتاج والعمال، وكان يرأس الشركة فى ذلك الوقت حسين مبارك، ابن عم الرئيس المعزول، مؤكدا أن عقد البيع فاسد، والعقود الفاسدة لا يحميها التحكيم الدولى».
المفوض العام للشركة القابضة لغزل شبين الكوم محمد عبد الرؤوف، قال «منذ حكم القضاء الإدارى ببطلان عقد بيع الشركة، قام المستثمر الهندى بمقاضاة الحكومة المصرية أمام التحكيم الدولى، مطالبا بتعويض يقدر بمليار و400 مليون دولار»، مشيرا إلى أن سبب تدهور الأوضاع بالشركة أنها حتى الآن لم تسلم رسميا، مما أدى إلى عدم توافر مواد خام، وبالتالى هبوط الإنتاج إلى سبعة أطنان يوميا لصالح الغير، وطالب عبد الرؤوف وزير الاستثمار، بالموافقة على مد الشركة بمواد خام ب150 مليون جنيه، لتسيير العمل، وكذا بإسقاط مديونيات الشركة للضرائب وشركة المياه والكهرباء. وأوضح «من ضمن أسباب تردى أوضاع الشركة عدم قيام العمال بأداء واجبهم، فالعمال يعملون ساعتين ويغادرون الشركة بحجة بعد مناطق سكنهم عن الشركة، مما يؤدى إلى ضعف الإنتاج».
«الفيوم».. قصة تحول مصنع إلى خرابة
الفيوم- حسين فتحى:
على الرغم من أن الأجهزة الرقابية فى مصر بدأت حملة تطهير للفساد ومخالفات إهدار المال العام فى عديد من القطاعات، فإن ذلك لم يطل مصنع غزل الفيوم، ليبقى شاهدا على الفساد، رغم وجود تقارير رقابية تؤكد وجود ذلك الفساد، وتوقف المصنع تماما عن العمل وتسريح أكثر من 8 آلاف عامل على مدار 10 سنوات وإهدار ما يقرب من 136 مليون جنيه، بالإضافة إلى فقدان المحافظة صناعة مهمة وحيوية بدأت مع تشييد ذلك المصنع فى بدايات الستينيات.
مصنع غزل الفيوم التابع لشركة مصر الوسطى، هو واحد من أهم المصانع بل وأقدمها على مستوى محافظات الصعيد، حيث تم تشغيله مع بداية عام 1962 فى عهد راعى الصناعة الرئيس جمال عبد الناصر، وظل يعمل حتى عام 2000، ثم توقف بعد أن أنهى الفساد على جميع محتوياته من ماكينات وخطوط إنتاج لم يتم تطويرها منذ الستينيات، وهو ما أكده عبد المعطى عثمان عضو مجلس إدارة المصنع سابقا، وكان هناك اتجاه من مسؤولى شركة مصر الوسطى، قبل ثورة يناير، إلى اتباع سياسة لتخريبه للاستفادة من موقعه ومساحته التى تبلغ 42 فدانا، وبيعه لتحقيق صفقات مشبوهة. وكان إنتاج المصنع -رغم عمليات وقف تطويره لعدم الجدوى، كما كان يردد مسؤولو شركة مصر الوسطى- لا تزيد على 6 أطنان يوميا، وحاليا تحول إلى أطلال تسكنه الأشباح بعد تسريح ما يقرب من 8 آلاف عامل بنظام المعاش المبكر، وقد بلغت مكافأة نهاية خدمتهم نحو 20 مليونا، فى حين أن عملية التطوير كانت ستتكلف 12 مليونا فقط.
المصنع أصبح لا ينتج شيئا، وماكيناته لا تغزل سوى الفساد، وحجراته تم تأجيرها كمخازن لمن يريد مخازن كبيرة مؤمنة داخل جدران مبنى كبير يحفظ منتجاتهم، والمفارقة أن عددا كبيرا من الشركات المؤجِّرة تخص الملابس الجاهزة التى يتم تصنيعها داخل العنابر، وتقوم بتصديرها للخارج ولا يتم بيع منتجاتها فى السوق المحلية.
بدأ مسلسل انهيار مصنع غزل الفيوم قبل 10 سنوات عندما بدأت عمليات بيع مشبوهة، حيث كان يتم بيع الغزل «على النوتة»، فكان بعض التجار وأصحاب الشركات، لا يسدد مديونياته والبعض الآخر يسدد بطريقة لا تتناسب مع الاحتياجات الفعلية للسيولة المادية لسد احتياجات العمل بالمصنع، بل ويُسقِطون جزءا من المبلغ بعد عملية الشراء، مما تسبب فى خسائر متكررة توقفت معها عجلات الإنتاج يوما بعد آخر، إلى أن توقف الإنتاج تماما وتم تسريح العمالة وإجبار ما يقرب من 8 آلاف عامل حتى عام 2008 على الخروج للمعاش المبكر.
ممدوح قطب عضو مجلس إدارة المصنع سابقا، أكد أن الوضع الحالى مزر وسيئ للغاية، بسبب توقف العمل تماما، ويرجع ذلك إلى سياسات العهود الماضية تجاه أزمة المصنع بشكل خاص، وصناعة الغزل والنسيج بشكل عام، فالاتجاه كان هو عدم تطوير المصنع من أجل تحقيق خسارة متعمدة لتحقيق مكسب آخر خفى من خلال صفقات مشبوهة، لبيع أرضه بأسعار خيالية، وهو ما تحقق بالفعل، ولكن بشكل آخر، حيث لم يتم بيع الأراضى بل تم تأجيرها كمخازن للشركات.
وكشف تقرير أعدته اللجنة النقابية للعاملين بمصنع غزل الفيوم، أن ما حدث للمصنع نتيجة للسياسات الخاطئة للنظام الأسبق، وقد أدت إلى انهيار الصناعة ليس فقط فى مصانع الغزل والنسيج وتخريبها، وإنما أيضا مع نظام وسياسة الصناعة بأكملها. ويقول أحمد محمود «أحد العاملين السابقين»، إنه عمل بالمصنع لمدة 15 عاما وكان يعمل كخلية نحل، وكان يحقق مبالغ هائلة من وفرة الإنتاج من الخيوط والملابس القطنية، وفوجئ العمال بأن هناك من يحاول إقناعهم بالخروج إلى المعاش المبكر، مقابل مبلغ من المال 10 آلاف جنيه لكل عامل.
وأضاف أن إدارة المصنع نجحت فى إقناع كثيرين من العمال الغلابة الذين لا علم لهم بما سيحدث بعد خروجهم للمعاش المبكر، وحاولوا إقناع الآخرين لكنهم فشلوا، وكانت السياسة المتبعة معهم هى سياسة «التطفيش»، وبعدها اتجهوا إلى الفصل من العمل بعد تدنى حالة الإنتاج بالمصنع، والآن وبعد ثورة 30 يونيو وانتخاب رئيس وطنى لا بد من فتح ملف المصنع ومحاسبة المسؤولين عن تلك الخسائر الضخمة وتسريح العمال وإيقاف صناعة من أهم الصناعات التى كانت تعتمد عليها مصر لتنمية الاقتصاد الوطنى وتوفير فرص العمل للآلاف من الشباب.
«قنا».. أطلال ومبانٍ خاوية على عروشها
قنا- إساء محارب:
مصنع غزل قنا تحول إلى ما يشبه الخرابة، بعد أن توقفت أو كادت تتوقف ماكيناته التى تهالكت، وتم تسريح آلاف من عماله وخبرائه إلى المعاش المبكر، وانخفضت بالتالى إنتاجيته إلى حدود مخيفة.
يقول إبراهيم عبد السلام رئيس نقابة العاملين بالمصنع، إن العمل فى إنشائه بدأ فى نهاية الخمسينيات بتوجيهات من الرئيس عبد الناصر، واستغرق إنشاء المبانى وتجهيزها بأحدث المعدات وتدريب العمال والفنيين داخل مصر وبالخارج مدة عامين حتى بدأ التشغيل الفعلى للإنتاج عام 61، وبلغ عدد العاملين فيه وقتها ما يقرب من خمسة آلاف عامل من المهندسين والفنيين والإداريين، كانوا يواصلون الليل بالنهار فى إنتاج الغزول التى حققت شهرة واسعة، حيث كان يتم تسويق بعضها لمصانع النسيج والملابس بالمحلة والقاهرة وتصدير كميات أخرى للخارج، ومع بداية التسعينيات بدأت الخسائر بسبب تهالك المعدات وضعف التسويق وقلة العمالة.
وقال أحمد محمود، عامل، إن المشكلة الأساسية حاليا هى الإنتاج المتراكم منذ شهور بعد انخفاض الطلب على خيوط الغزل السميكة والمتوسطة التى ينتجها المصنع، بعد توقف عدة شركات من عملاء المصنع عن العمل بخلاف تهالك السيارات التى تنقل الإنتاج من المصنع إلى العملاء، مما يفقدنا ميزة توصيل المنتج للعميل وهو ما يتسبب فى ارتفاع نسبة الخسائر.
وطالب صابر جاد العاملين بالمصنع بضرورة ترحيل رصيد الإجازات السنوية، حيث صدر قرار من مجلس الإدارة بانتهاء رصيد إجازات الموظفين فى نهاية كل عام وهو ما يخالف قوانين العمل السارية فى كل الشركات والمصانع والمصالح الحكومية، وطالب بإعادة صرف الحافز الإضافى للعاملين بقسم الصادر التى توقفت دون مبرر رغم قيام العمال بالعمل أوقات إضافية.
«المحلة».. 45٪ من الماكينات خارج الخدمة
الغربية- مروة شاهين:
شركة الغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى أو كما يطلقون عليها «قلعة الصناعة الأولى»، تعد من كبرى شركات الغزل والنسيج بالشرق الأوسط، ورغم ذلك تشهد حالة من الركود بالإنتاج وتوقف حركة البيع منذ 3 أعوام، حيث تكبدت الشركة خسائر طائلة وصلت إلى 2 مليار حتى الآن، مع توقف 45% من الماكينات لعدم وجود قطع غيار وأجهزة ومهندسين للصيانة.
250 كيلوجراماً الفاقد فى كل طن قطن
يقول كمال الفيومى، القيادى العمالى وعضو بحركة الاشتراكيين الثوريين، إن مصانع الغزل والنسيج بغزل المحلة تعمل بنصف طاقتها بسبب ركن 45% من الماكينات بها دون عمل لعدم وجود قطع غيار ومهندسى صيانة، بالإضافة إلى وجود نسبة عالية فى الفاقد تصل إلى 250 كليو فى الطن، فى الوقت الذى كان الفاقد لا يتجاوز 30 أو 40 كيلو.
وأضاف الفيومى أن الشركة تشهد خسائر طائلة بسبب عدم فتح سوق البيع فالإنتاج يتم تخزينه، حتى يتم بيعه بأسعار أقل، لأنه مُخزَّن منذ فترات، مبينا أن مجلس إدارة الشركة فى السابق كان يقوم بتنظيم معارض لتسويق المنتجات بمختلف محافظات الجمهورية، بينما فى الوقت الراهن يتم بيع المنتجات والسلع القطنية بأسعار أقل من ثمنها الحقيقى، مما يكبد الشركة خسائر مادية لا تعود بأى نفع لصالح العاملين بها، وأوضح أن الشركة تشهد ركودا فى حركة الإنتاج بسبب عدم توافر المواد الخام، بالإضافة إلى ركود آخر فى البيع والتسويق الداخلى والخارجى، مما يعيق تطور عجلة التنمية الصناعية وسقوط الشركة.
وقال أيمن طلبة، موظف بمصنع الصوف، إن مدينة المحلة الكبرى تميزت بصناعة الغزول وإنتاج خيوط النسيج، الأمر الذى جعلها تتربع على رأس الصناعات المصرية ويطلق عليها «قلعة الصناعة المصرية»، كونها تضم 1900 مصنع نسيج، بالإضافة إلى شركة مصر للغزل والنسيج، التى أسسها اقتصادى مصر الأول طلعت حرب باشا فى عام 1927 برأس مال بلغت قيمته نحو 300 ألف جنيه مصرى، والتى حققت نجاحات عظيمة وأضافت للدولة مكانة عظيمة وسط الدول الخارجية، ولكن سرعان ما توالت الأنظمة الفاسدة التى تدخلت فى شؤونها كنوع من العقاب، خصوصا بعد إضراب 6 أبريل 2008، الذى كان يطالب بسقوط مبارك ونظامه، بهدف تصفيتها وتشريد عمالها وتحويلها إلى نظام الخصخصة ببيعها لأحد المستثمرين الأجانب، الذى بدوره سيكبدها خسائر فادحة ويقوم بتفكيكها وتصفية عمالها ليكونوا 24 ألفا، بعد أن كانوا 32 ألفا كما فعل أقرانه المستثمرون بالشركات الأخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر شركة كتان طنطا.
ولفت إلى أن شبح التشريد وتوقف مصانع الشركة وهبوط استثماراتها ومبيعاتها أصبح أزمة واقعية تنهش فى رأس مال الشركة، ويهدد عمالها بالضياع، وذلك فى ظل تخطى حاجز خسائر الشركة نحو أكثر من نصف مليار جنيه طبقا للتقارير التى كشف عنها جهاز المحاسبات المركزى، بالإضافة إلى وجود العراقيل الروتينية الحكومية بشأن استبدال السولار المخصص للمصانع بالغاز الطبيعى.. وبعد مرور 6 أشهر من المفاوضات مع المسؤولين تمت الموافقة لكن كانت مشروطة بتحمل أصحاب المصانع كل تكاليف الشبكة الخارجية لوصلة الغاز الطبيعى، فتوقف المشروع، بينما كانت الحكومة تصدر الغاز لإسرائيل برخص التراب، كذلك فإن انقطاع التيار الكهربى بشكل يومى أصاب المصانع بخسائر تتجاوز 120 مليون جنيه.
وقال فيصل لقوشة، عضو النقابة العامة لعمال غزل المحلة، إن سبب أزمة الشركة هو عدم وجود مجلس إدارة تتم محاسبته على الخسائر والمكاسب، وأن الشركة تدار عن طريق مفوض عام، فهو مجرد موظف لا يمكنه تطوير الاستثمار والاهتمام بالأرباح وزيادة معدلات الإنتاج، ولا بد من تشكيل منظومة كاملة لإدارة شركة من كبرى شركات الشرق الأوسط فى صناعة الغزل والنسيج وإدخال تصميمات جديدة، فالعمال يعملون حتى الآن بتصميمات لم تتغير منذ الستينيات، لافتا إلى أن وجود السلع الصينية رخيصة الثمن ضعيفة الجودة كان له أثر واضح فى إصابة شركة غزل المحلة بمصانعها الضخمة بالاختناق.
وطالب خبراء الصناعة النسيجية، بتوفير القطن والأسمدة وتطوير وتأهيل العمالة ودعم كامل للفلاح وإعانته فى زراعة القطن بما يوفر كميات مناسبة لجميع المصانع بأسعار مناسبة للجميع.
«دمياط».. الصينى يكسب
2450 عاملاً و4 مصانع، مصنعان للغزل ومصنع للنسيج وآخر للتطريز، ومعارض للبيع وجمعيات استهلاكية، والمحصلة النهائية الشهرية مهزلة كبرى لا ينفع معها الكلام، حيث تفشل المصانع فى توفير مرتبات العاملين، وهو ما يستدعى قيام الدولة بعد الخسارة الشهرية المعتادة بدفع ثلث مرتباتهم من رصيد وزارة المالية، عن طريق ضخها للشركة القابضة للغزل والنسيج.
يقول عاطف عويضة عضو اللجنة النقابية للعاملين بمصانع دمياط: «نعم تفشل الشركة فى توفير المرتبات الشهرية للعاملين، وتقوم الشركة القابضة للغزل بدفعها لنا بعد توريد فرق الخسارة من وزارة المالية»، ويضيف: «الأقطان الرديئة التى تشتريها الشركة وهى من القطن السودانى واليونانى قصير التيلة، هى سبب رداءة الإنتاج، والمفترض فى بلد يزرع القطن كمصر أن تقوم بمنع تصدير القطن طويل التيلة، الذى يعاد تصديره لنا من تركيا بأسعار خيالية بعد تصنيعه، وأيضا الماكينات القديمة التى لم تتغير منذ 25 عاما وتؤدى إلى إنتاج ردىء وبطىء، حيث من المفترض أن تنجز العمل فى يوم فيضطر العمال إلى العمل أسبوعا لإنجاز المطلوب، وفى النهاية تأتى الخسارة المؤكدة نظرا لعدم جودة المنتج من الغزول والنسيج بالمقارنة بالمنتج الأجنبى». ويطالب عويضة بوقف استيراد منتجات النسيج الصينية.
«البحيرة».. أرض الشركة «صالات أفراح»!
البحيرة- محمد عيسوى:
عقود كاملة تمر، وماكينات شركات الغزل والنسيج بكفر الدوار وكوم حمادة والمحمودية تظل دون تحديث أو تطوير، وحكومات متعاقبة على مدار هذه العقود لا تهتم بهذه الشركات.
«كفر الدوار».. قوة العمال هبطت فيه من 34 ألف عامل إلى 8 آلاف
فى مدينة كفر الدوار تحولت شركة مصر للغزل والنسيج التى أنشئت عام 1938، وكانت تعد إحدى أكبر القلاع الصناعية بالشرق الأوسط، وتصدر منتجاتها لدول الشرق الأوسط والاتحاد الأوروبى، إلى بيع الماكينات خردة، حيث أصابتها الشيخوخة بسبب تجاهل الحكومات المتعاقبة تحسين أوضاع الشركة والرغبة فى تصفيتها وتسريح العمال، فبعدما كانت قوة الشركة 34 ألف عامل فى أواخر سبعينيات القرن الماضى وصل حاليا عددهم إلى قرابة 8 آلاف عامل.
بعد أن كانت مدينة كفر الدوار تسمع فيها أصوات الماكينات أصبحت تسمع أصوات الألعاب النارية والأغانى الشعبية، نظرا لبيع أجزاء كبيرة من أرض الشركة وتحويلها إلى صالات أفراح لتختلط أصوات الماكينات بضجيج الصالات المنتشرة داخل المصانع، ولم يقتصر الأمر على ذلك، حيث قام المسؤولون بإزالة ما بناه طلعت حرب وشيده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وطوره أنور السادات، من خلال البدء فى بيع أجزاء كبيرة من محتويات المصانع لتوفير السيولة المادية لصرف رواتب العاملين بها.
وصلت الخسائر المتراكمة والديون على الشركة 5٫2 مليار جنيه وبلغت خسائرها حسب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات عن العام المالى الماضى 375 مليون جنيه، والشركة تعمل الآن بطاقة 25% لعدم وجود خامات وقطع غيار لتشغيل الماكينات، كما تشهد الشركة كل نهاية شهر إضرابات بسبب تأخر صرف رواتب العاملين تارة أو من أجل حافز الترقيات تارة أخرى.
17مليونًا خسائر لمصنع كوم حمادة.. وعدم تحديث ماكينات «المحمودية» منذ 40 عامًا
أما مصنع غزل كوم حمادة فقوته العمالية 800 عامل، مع عدم دخول عمالة جديدة، وينتج يوميا 21 طن غزل بأنواعه، يتم بيعه فى السوق المحلية بعد إغلاق قسم التمشيط القائم على التصدير للخارج، وبلغت خسائر المصنع حسب تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، 17 مليون جنيه، هذا العام، ويدفع رواتب شهريا 3 ملايين جنيه، فضلا عن دفع قرابة 7 ملايين جنيه سنويا لاستهلاك الكهرباء.
المصنع مساحته 100 فدان، تم منح 24 فدانا منها لبنك مصر تسديدا لديون على الشركة بسعر المتر 280 جنيها عام 2008، فى حين أن سعر المتر حاليا يقارب ما بين 6 و7 آلاف جنيه، وباقى مساحة المصنع 50 فدانا مبانى و26 فدانا فضاء، ومنذ قرابة 40 عاما لم يتم تحديث الماكينات.
وأرسل العمال مؤخرا مذكرة لكل من وزير القوى العاملة ووزير الاستثمار ورئيس النقابة العامة لعمال الغزل والنسيج، ورئيس الشركة القابضة لشركات الغزل والنسيج، وذلك فى أول رد فعل لهم عقب قرارات الوقف والخصم من قبل رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب ضدهم.
شركة المحمودية للغزل والنسيج، التى يعمل بها عدد 770 عاملا يبلغ إنتاجها 5 أطنان غزل يوميا، برأس مال 26 مليون جنيه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.