للأستاذ هيكل تعبير جميل، وهو يصف بعض الشخصيات السياسية، بأنها دليل أزمة. هيكل يصف أوباما، ويحكى عنه كدليل على أزمة أمريكا، فى علاقتها بالعالم. بالأحرى كان أوباما دليل أزمة استخدام القوة كأداة لتحقيق الأهداف الأمريكية. أردوغان أيضا دليل أزمة. الرجل دليل أزمة المشروع الأتاتوركى. كمال أتاتورك قاد مشروعًا ضخمًا لتحديث تركيا، لا يقل عن مشروع محمد على فى النهوض بمصر، إن لم يكن يفوقه. لكن عدة مآزق بنيوية فى طبيعة الدولة التركية، حالت بين مشروع أتاتورك والوصول إلى آخره. وآخره هنا هو قبول تركيا عضوًا كامل العضوية فى أوروبا (صار اسمه فى ما بعد، أن تصبح تركيا عضوًا فى الاتحاد الأوروبى). كان من العسير على تركيا أن تفكك مشكلاتها البنيوية، لتنال تلك العضوية. لديها مشكلة ضخمة فى الجنوب مرتبطة بالقومية الكردية. تركيا الأتاتوركية فضلت أن تُغمض عينها عن تلك المشكلة، فصارت تصف الكرد فى خطابها الرسمى بأتراك الجبل، بدلا من أن تواجه المشكلة بشكل حقيقى، وتُقدم على طرح حلول حقيقية (حداثوية) لها. كالاعتراف بها كأقلية قومية، فى سياق كونفيدرالى. كان بإمكان تركيا أن تسمى حالها، الاتحاد التركى على غرار الاتحاد الروسى. بسبب المشكلة الكردية ومشكلات غيرها، ظلت تركيا تقرع أبواب الاتحاد الأوروبى، دون أن يفتح لها أحد. عند هذا الحد دارت حول نفسها. وطرحت السؤال على حالها: بدلا من التخبيط على أبواب الاتحاد الأوروبى، لماذا لا أقول أنا إسلامية؟ ثمة ظروف عالمية وشرق أوسطية، ساعدتها وشجعتها على هذا الاختيار/ السؤال، منها انكفاء القاهرة على حالها. وفى سياق الأزمة كان أردوغان وقبله أربكان. لكن المشروع الأردوغانى، الذى بدا باهيًا وجذابًا فى بدايته، وجد نفسه أخيرًا محشورًا فى الركن. ما من حلفاء تقريبًا، غير قطر وحماس وأخيرًا «داعش». بداية سقوط المشروع الأردوغانى هو تهاوى إخوان القاهرة، ثم جاءت 30 يونيو لتحط «إكس» بالأحمر على المشروع كله. ومن هنا أتى جنون أردوغان على مصر فى خطابه فى الأممالمتحدة. هو جنون من يدافع عن وجوده.. عن مشروعه الذى يراه يتهاوى قدام عينه.. يدافع دفاعَ من يرى السقوط.. أردوغان يدافع عن المتداعى.. وفيه فرق فى اللغة وفى الروح بين الدفاع عن المتداعى والدفاع عن المستقبل.. أردوغان (أبدًا) لم أضبطه مرة واحدة يدافع عن المستقبل.. طيب يعنى إيه دفاع عن المستقبل؟ يعنى عن العدالة.. عن الحرية.. عن الكرامة.. عن المساواة بين البشر فى الحقوق، بصرف النظر عن دينهم وجنسهم وعرقهم. أردوغان لا يستحق أن تأخذه مأخذ الجد. ربما تسألنى ولكن الشعب التركى انتخبه؟! الانتخابات فى إسرائيل كادت تأتى بواحد مثل أفيجدور ليبرمان.. والانتخابات نفسها أتت بواحد مثل مرسى. كما جاءت بواحد مثل هتلر من قبل.. الانتخابات أحيانا تكون مؤشر أزمة. من وجهة نظرى، سيظل مشروع أتاتورك، هو مشروع تركيا الحقيقى، وما أردوغان غير فاصلة صغيرة، فى جملةٍ تركيةٍ طويلة. بالضبط كما أن «داعش» فاصلة صغيرة فى الجملة العراقية الطويلة. أردوغان هو النسخة التركية من «داعش». أردوغان جاء من المجهول التركى، كما جاء أبو بكر البغدادى من المجهول السنى العراقى. أردوغان عرض على الأممالمتحدة أن يكون التمثيل فيها على أساس دينى، وهو العرض المثير للسخرية. كما أثار البغدادى السخرية، حين طلع على منبر الجامع الكبير فى الموصل، وأعلن عن نفسه خليفة للمسلمين. أردوغان كان يبيع الخضار فى أحد شوارع تركيا. البغدادى كان مؤذنا فى واحد من مساجد بغداد الصغيرة. ومن يبدأ من المجهول ينتهى فيه.