باتت لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين تعاني من أزمات عديدة، تسببت في تراجع دورها البارز الذي كانت تتابعه من قبل، فكانت تقوم بالدفاع عن المظلومين خلال عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأخذت تتابع مئات القضايا الخاصة بمظالم المواطنين، والدفاع عن الحريات العامة – مثل مراقبة الانتخابات والاستفتاءات– والحريات الخاصة، وسط حالة من الهدوء والبُعد عن الصخب الإعلامي، وأخذ أعضائها يقومون بدورهم بشكل تطوعي رغبة في تحسين الأوضاع التي ضاق بها الجميع، وازدهرت أعمال اللجنة التي قام على العمل بها عدد من المحامين الذين أصبح بعضهم فيما بعد وقودا لثورة 25 يناير. لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فقد حدث انقساما باللجنة بعد الثوة، أسفر عن بقاء بعض أعضائها على نفس منوال العمل، في حين انحرف البعض الآخر إلى الجبهة الإخوانية التي دأبت على التضامن على طول الخط مع الآراء الإخوانية والقرارات الرئاسية في عهد مرسي، واستطاعت الاستيلاء على اللجنة لبعض الوقت، لتتحول اللجنة من موطن لتأصيل الحريات إلى مقر دائم للخلافات، حتى استطاعت الجبهة الثورية ترتيب نفسها، واقتناص حقها في عودة اللجنة إليها من جديد، لتبدأ على الفور في استعادة المجد القديم. جبهة واحدة ترفع شعار الحرية للجميع قبل اندلاع أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، كان أعضاء لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين يعملون تحت ضغوط عديدة، منها احتمالية الاعتداء على أحد الأعضاء العاملين في قضايا الحريات التي لم تروق النظام في ذلك الوقت، أو القبض على مجموعة من مراقبي انتخابات النظام المخلوع التي لم تكن تخلو من التزوير، أو اختفاء أحد المحامين النشطاء في اللجنة، ورغم ذلك لم تكن اللجنة لتتراجع عن رؤيتها أو منهجها في العمل الذي تمركز حول الدفاع عن جميع أشكال الحرات وترسيخها. وخلال أحداث الثورة المجيدة، كانت اللجنة تفتح أبوابها لاستقبال الضحايا وذويهم، تحرك البلاغات في كل اتجاه، وتقوم بتشكيل لجان في جميع المحافظات، بواسطة النقابات الفرعية للمحامين، للبحث في كل مكان عن المفقودين، ومحاولة مساعدة الأهالي، كما كانت تفتح ابوابها أيضا أمام المصابين للتداوي، وحتى أمام الثوار ممن يخرجون من الميدان، ليتمكنوا من الاحتماء بالنقابة هربا من بطش الشرطة. كان جميع أعضاء اللجنة على اختلاف توجهاتهم السياسية والأيديولوجية يعملون سويا تحت شعار الحرية للجميع، يتكاتفون من أجل الإنسان، بغض النظر عن اي مكاسب أو مئارب شخصية، واستمرت اللجنة جبهة واحدة، تعمل على نفس الوتيرة في عهد حكم المجلس العسكري الذي أعقب انتهاء الثمانية عشر يوما الأولى من عمر الثورة، لكن سرعان ما تغيرت الأمور، لتبدأ الانشقاقات تدب في قلب اللجنة، مع بداية الخلافات حول المرشحين في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة. انقسام لم تكن لجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين العامة أوفر حظا من المجتمع المصري، حيث حدثت انشقاقات عديدة داخل اللجنة، مثل تلك التي شهدتها البلاد خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأولى عقب الثورة وما بعدها، لاسيما عقب نجاح الرئيس المعزول محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، مما زاد من قوة الجبهة الإخوانية باللجنة، التي سرعان ما فرضت سيطرتها على اللجنة بقيادة المحامي محمد الدماطي، عضو مجلس نقابة المحامين المستقيل ورئيس هيئة الدفاع عن الرئيس المعزول، ما دفع لافظوا الإخوان من أعضاء اللجنة الإنشقاق عن تلك المجموعة المسيطرة، لتنقسم اللجنة إلى جبهتين مختلفتين، "الإخوانية والثورية"، تعمل كل منهما تحت اسم "لجنة الدفاع عن الحريات". الجبهة الإخوانية كان يقودها المحامي محمد الدماطي، حتى استقالته من مجلس النقابة العامة قبل عدة أشهر، بمعاونة كل من ناصر العسقلاني ومحمد إبراهيم، أبرز الأعضاء الإخوان، وعكفت تلك الجبهة على الدفاع عن الجماعة الإرهابية والرئيس المعزول، وجميع القرارات الفاشية والفاشلة التي كان يتخذها، أو ينفذها بعد خروجها من مكتب الإرشاد، وانخرطت اللجنة في العمل من أجل مرسي وجماعته وأعوانه، متناسية الدور الرئيسي الذي خَلق من تلك اللجنة قِبلة للمظلومين والباحثين عن الحرية. محمد إبراهيم، عضو الجبهة الإخوانية باللجنة، قال ل"التحرير" إن أعضاء اللجنة لا يكترثون للمسميات، ولا يشغلهم سوى القيام بالعمل واتمامه على أكمل وجه، مضيفا أن اللجنة "يقصد الجبهة الإخوانية" تبذل ما في وسعها من أجل إتمام جميع الأعمال التي تتابعها، مضيفا أن اللجنة ما زالت تهتم بالقضايا التي تهم المواطن المصري بالمقام الأول، وأشار إلى أن اللجنة لا تحمل أي ضغائن لأي من الأعضاء الذين يعملون بها، سواء كانوا يعملون تحت مسمى الجبهة الثورية أو الجبهة الحرة أو الحريات 2 أو غير ذلك. الانهيار التحكم الإخواني بلجنة الدفاع عن الحريات خلق حالة من الانهيار باللجنة وبجميع أعمالها بشكل عام، فعشرات القضايا التي كانت تتابعها اللجنة قبل انقسامها تم إهمالها من جانب المتعاطفين مع "الجماعة" المسيطرين على تسيير أعمال اللجنة، وباتت جميع الأعمال والأنشطة متعلقة بالجماعة الإرهابية دون غيرها، وتختص بالمقام الأول بالدفاع عن الرئيس المعزول وقراراته، والعمل على تقنين جميع جرائمه، والهتاف باسمه إذا لزم الأمر، لتتخلى بشكل تام عن كل ما يتعلق بعملها الأصلي في الدفاع عن الحريات، والبحث عن رفع الظلم عن المظلومين، حتى توارت الصورة الحسنة التي حازت عليها اللجنة سواء على الساحة السياسية أو النقابية على مدار سنوات طويلة، وانطفأت على يد مريدي "الجماعة" وإخوانها. الجبهة الثورية الجبهة الثورية التي يرأسها نقيب المحامين سامح عاشور، تتسم بالقانونية أكثر من الجانب نظيرتها، كون القانون ينظم عمل اللجنة برئاسة نقيب المحامين لها، لكن الأزمات التي واجهت اللجنة مؤخرا حالت دون متابعة الجبهة الثورية عملها، إلا إنها تمكنت مؤخرا من ترتيب نفسها، وانتخاب مكتب تنفيذي تستطيع تنظيم العمل عن طريقه، لتبدأ من جديد وتعمل على استعادة اللجنة وإعادة دورها المعهود. وكانت لجنة الحريات بالنقابة العامة قد أعلنت عن التشكيل النهائي لمكتبها التنفيذي الذي وافق نقيب المحامين عليه، قبل نحو عام ونصف العام، لتنتهي الأزمة وينتهي الانقسام القائم باللجنة، لحين إقرار لائحتها، و إجراء انتخاباتها الداخلية، لكن الانتخابات لم تنعقد بشكل كامل، وقررت كل جبهة إجراء انتخابات على حدة، واستمر في العمل باللجنة الثورية منذ اليوم الأول حتى الآن أسعد هيكل المتحدث الرسمي باسم اللجنة، وأشرف طلبه أمين عام اللجنة، وهيثم عمر حافظ أمين عام اللجنة الإعلامية باللجنة، وعماد فيلكس أمين عام مساعد اللجنة، ووليد عبد الحميد مسئول الاتصال والمتابعة. مها أبو بكر، عضو عامل بالجبهة الثورية بلجنة الدفاع عن الحريات بنقابة المحامين العامة، قالت ل"التحرير" إن لجنة "الحريات" هي إحدى اللجان النوعية بالنقابة، تتبع في إدارتها نقيب المحامين سامح عاشور ومجلس النقابة، وفقاً للعرف النقابي، وأضافت أنه بشكل رسمي وفقا للقانون واللائحة النقابية لا يعبر عن اللجنة سوى النقيب العام فقط. أبو بكر أشارت إلى أن هناك عدد من المحامين الذين قفزوا على أعمال اللجنة، وتحدثوا باسمها رغم عدم علاقتهم بها، واستخدموها للظهور الإعلامي فقط، دون العمل على أرض الواقع في القضايا التي تهتم بها "حريات المحامين"، أو بذل أي مجهود حقيق فيها، ولفتت أبو بكر إلى أن اللجنة لفظت هؤلاء، ولا ترغب في وجودهم أو بقائهم بها. مستقبل اللجنة تخوفات عديدة تدور الآن حول مستقبل اللجنة التي ينذر الوضع الحالي بسقوط عنيف لها، فبعض الرؤى تذهب إلى أن الانقسام سيولِّد حالة من الفشل مهَّد لها التراجع الحالي الذي تشهده اللجنة، ويصعب معه التقدم للامام أو رأب الصدع الذي سيحول استمراره دون نجاح اللجنة، لكن آراء كثيرة ذهبت إلى أن اللجنة لابد لها أن تعود عن طريق الجبهة الثورية، التي بدأت فعليا في العمل، واستعادة نشاطها في القضايا الهامة، وطرح خطة جديدة من شأنها إعادة اللجنة إلى خريطة العمل النقابي والحقوقي والسياسي.