ما حدث فى شهادات استثمار قناة السويس هو أمر مبهر بالفعل، فقد استطاع المصريون أن يجمعوا ال60 مليارا المطلوبة لمشروع القناة فى 8 أيام.. ولو كان المبلغ المطلوب أكثر من ذلك لفعلوا. لقد شهد الجميع حالة الازدحام على البنوك لاستخراج شهادات الاستثمار. لقد أدى الشعب واجبه واستجاب لنداء الوطن للمشاركة فى مشروع قومى مهم للبلد ومستقبله.. كما أدى واجبه من قبل فى التخلص من قوى التخلف والاستبداد والفساد وتصدى لجماعة الإخوان التى أرادت السيطرة على البلاد. الأمر أصبح الآن فى يد الحكومة التى ما زالت تكتفى بتصريحات الانبهار بالأداء الشعبى فى نموذج شهادات استثمار القناة، والكلام عن أن مصر -كما قال أشرف سالمان وزير الاستثمار فى مؤتمر اليورومنى أمس- تمتلك فرصًا استثمارية قوية يمكن أن تحقق أهداف الحكومة فى سعيها لخفض معدلات الفقر إلى 20٪ وأن تقلل عجز الموازنة إلى 9٪ وخفض معدلات البطالة من 14٪ إلى 10٪ خلال السنوات الثلاث المقبلة. .. ومع هذا لم يقل الوزير كيف تأتى تلك الفرص الاستثمارية.. وماذا قدمت الحكومة حتى الآن؟! .. وعندما جرى انتقاد الحكومة ووزرائها بأنهم ليس لديهم رؤية فى تصور مستقبلى للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة وكيفية جذب الاستثمارات سواء داخليا وخارجيا.. اكتفى رئيس الحكومة بالحديث عن الرؤية والرؤى بصيغ مختلفة فى مؤتمر «أخبار اليوم الاقتصادى» الأسبوع الماضى دون أن يقدم رؤية حقيقية أو تصورا واضحا أو برنامجا كأن الأمر مؤجل. إن موقف المصريين فى جمعهم للمليارات ال60 المطلوبة لقناة السويس يضع الحكومة فى مأزق. .. فالمصريون لديهم ادخارات. .. وهناك مؤسسات وصناديق لديها أموال يبدو أنها لا تستطيع أن تستثمرها بالشكل الأفضل. .. وواضح تمامًا أن الحكومة ليست لديها رؤية لاستخراج تلك الأموال من المصريين واستثمارها أو تسهيل استثمارهم لها. .. ونحن هنا نتحدث عن مدخرات المصريين داخل البلاد لا عن المصريين فى الخارج الذين لم يستطع الكثير منهم المشاركة فى شراء شهادات الاستثمار، لقد كان واجبًا على الحكومة أن تعقد اجتماعًا فور إغلاق الاكتتاب فى شهادات الاستثمار لدراسة ما جرى فى ذلك من اندفاع المصريين للاستثمار فى القناة. .. فعلا الحكومة فى مأزق.. وما زالت غائبة عن التعامل بشكل جدى وحقيقى مع المصريين وطموحاتهم.. وليست على نفس المستوى من رغبة الناس فى المشاركة للخروج من المأزق الاقتصادى والأزمة الطاحنة وإعادة بناء الدولة الحديثة. .. وما زالت الحكومة فى انتظار تعليمات السيد الرئيس. .. فليس لديها خيال أو رؤية.. وإنما تنفذ التعليمات إذا جاءت!! .. فبالله عليكم أين المشروعات الصغيرة فى خطة الحكومة اللهم إلا كلام «طق حنك» كما يقول اللبنانيون؟! .. فما حدث من فعل جمع ال60 مليار جنيه فى أيام معدودة يؤكد أن المصريين على الاستعداد للاستثمار.. وأن هناك فرصة أكبر للمشاركة خصوصا فى المشروعات الصغيرة.. لكن الأمور ما زالت على قديمه.. والوزارة ليست هنا وليست على مستوى أداء ورغبات وطموحات الناس. .. كما أن الحوار غائب ما بين الحكومة والناس وما بين الحكومة والمستثمرين، ولعل ذلك دعا تجمعا كبيرا يحمل اسم الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين إلى نشر إعلان كبير فى «الأهرام» يوم الإثنين 15 سبتمبر، فى شكل نداء إلى رئيس الحكومة إبراهيم محلب -وإن سبقه بالشكر من باب التأدب- يشرح فيه ما يريده من الحكومة لتفعيل الاستثمار!! .. ولتعلم الحكومة أنها مشاركة فى السلطة التنفيذية، يعنى لرئيس الجمهورية.. وليست منفذة تعليمات فقط!! كما يجب أن تعلم أهمية الاستقرار السياسى والديمقراطية والحريات وتنقية القوانين الفاسدة. .. كما يجب أن تعلم أيضا أهمية إجراء الانتخابات البرلمانية. .. لقد آن الأوان لخروج الحكومة من التقليدية -القديمة- التى وضعَنا فيها نظام مبارك الفاسد.. وأن يكون هناك خيال جديد ورؤية حقيقية للمستقبل.. وليس الأداء يوما بيوم!!
