انقسم المجتمع المصرى حول كثير، إن لم يكن معظم، ما حدث ويحدث وسوف يحدث، وسيطول أمر الانقسام والاستقطاب والتخوين والتكفير والفتاوى المعلَّبة. والإعلام -صحافةً وتليفزيونا ومواقع- ليس معفيا من مسؤولية تأجيج هذا الانقسام، ناهيك بموقع «فيسبوك». عموما كان ولا يزال قانون التظاهر مثار انقسام بين مؤيِّد «علشان العيال تتلمّ»، ومعارِض يعلم أنه قانون ظالم تم اعتقال كثيرين بموجبه، ومعظمهم شباب وشابات تم توجيه أحكام إليهم وصلت إلى المؤبَّد (هند ورشا منير على سبيل المثال). لا أكتب هذا المقال للحديث عن قانون التظاهر أو للحديث عن الأحكام المجحفة، أو للحديث عن الإضراب عن الطعام الذى بدأه هؤلاء المعتقلون والمعتقلات داخل السجون، وتضامَن معهم كثيرٌ من الشخصيات والأحزاب خارجها، وإن كانت كلها موضوعات تستحق الكتابة، لكننى أكتب لأتساءل عن نوعية الأدلة التى تستخدمها النيابة لتوجيه التهم إلى المعتقلين! أعتقد أن القاصى والدانى، المؤيِّد والمعارض، قد سمع بالتأكيد عن علاء عبد الفتاح، وقد قام المواطنون الشرفاء منذ عام 2011 بأداء الواجب تجاهه بشكل كامل، فمنهم مَن اتهمه بالسعى لقلب نظام الحكم (والأنظمة التى تعاقبت علينا كثيرة)، ومنهم مَن أقسم إنه رآه يقود المدرَّعة، ومنهم مَن أقسم إنه كان يضرب الضابط.. وهكذا إلى ما لا نهاية. لنبدأ من الطريقة التى اعْتُقل بها علاء، والتى أعادتنا كثيرا لذكريات «زوَّار الفجر»، من حيث اقتحام المنزل وضربه وضرب زوجته وأخذ أجهزة الكمبيوتر رغم عدم وجود تصريح بذلك، وهى نقطة شرحها لى المحامى خالد على، أحد محامى الدفاع فى القضية. أعتقد أنكم الآن تُفكِّرون فى أنه لا بد من فعل ذلك من أجل الحفاظ على النظام والاستقرار، لكننى أودّ أن أذكِّرك -عزيزى القارئ المُهاجم- أننا نسعى جميعا لدولة القانون. حسنا، لنتجاوز عن ذلك، ونُفكِّر فى الطريقة الثانية التى اعْتُقل بها علاء، حيث كانت الجلسة منعقدة فى معهد أمناء الشرطة بمنطقة طرة، ولم يُسمح له بالدخول، فانتظر فى الخارج بالقرب من مدرعة، وأصدر القاضى الحكم غيابيا بالحبس خمسة عشر عاما، وتم اعتقاله فى مكانه، وتوافدت الأخبار فى الصحف أنه قد تم القبض على علاء (عجيب الأمر أن تقبض على شخص جاء بنفسه وكان منتظرا فى الخارج!). عزيزى القارئ أرجو أن تتذكَّر أننا نحلم بدولة القانون. طلب «المتهم» -علاء فى هذه الحالة- إعادة إجراءات المحاكمة، وحُددت له الجلسة الأولى بالفعل يوم الأربعاء الموافق 10 سبتمبر، ولم يُسمح بدخول الصحافة. لنتجاوز -أو ربما يجب أن لا نفعل- عن مسألة القفص الزجاجى الذى يجعل الميكروفون يتحكَّم فى كلام وسماع مَن بداخله، حيث لم نعرف من قبل سوى القفص الحديدى عندما تنعقد الجلسات فى وزارة العدل، ولنتجاوز عن رفض إعطاء الكلمة ل«المتهم»، ولنركِّز على الفيديوهات التى عرضتها النيابة كأدلة إدانة، ولديهم كل الحق، فنحن نحلم بدولة القانون. صورة مُشوَّشة ليدرك علاء ومعه فريق الدفاع أن هناك امرأة ترقص فى تجمُّع يبدو عائليا، وعندما بدأ «المتهم» يدقّ على زجاج القفص فُتح له الميكروفون فصرخ أنه فيديو شخصى، ببساطة كان الفيديو لزوجته، منال بهى الدين، ترقص فى حفل عائلى، وقد أُخذ من على الكمبيوتر الخاص بها الذى تمَّت مصادرته من قبل. هل يدخل عرض فيديو شخصى فى القضية؟ وهل يجوز قانونا؟ وهل هذا الفيديو دليل إدانة؟ وكما أخبرنى المحامى خالد على لا يوجد فى مستندات القضية محضر تفريغ لهذا الفيديو، وهو ما يتوجَّب وجوده. زوجة المتهم ترقص والمتهم -أى زوجها- قام بتصويرها، فقامت النيابة بعرض الفيديو لتؤكِّد وجوب حبس علاء عبد الفتاح خمسة عشر عاما... تهمة ولا مش تهمة يا متعلِّمين؟!