كريم عبد العزيز «معجون فن».. ومروان حامد يمتلك رؤية خاصة عهدى مع الجمهور «اصبر التقيل جاى ورا».. ولن أتورط فى الضحك على المشاهد «الفيل الأزرق» علامة فارقة فى حياتى.. والعمل يقترب من العالمية مع كل دور يجسده ينتقل الفنان خالد الصاوي نحو منطقة فنية جديدة أكثر عمقا، تنقله بدورها إلى آفاق أخرى من الإبداع، حتى اصبح اسمه بمثابة علامة مسجلة، تؤكد أننا أمام محتوى موثوق به، كأنه عقد صفقة مع الجمهور بأن لا يخذله أبدا. وفى «الفيل الأزرق» أثبت الصاوى أنه نجم الأدوار الصعبة بلا منازع، فهو ذلك الممثل الذى جسد ثلاثة أدوار دفعة واحدة، على رأسها دور عفريت يدعى «نائل»، يلبس طبيبا متهما فى جريمة قتل، كما يجسد شخصية «المأمون» وهو أحد الأشخاص الذين ينتمون إلى عالم الجاهلية. خالد الصاوى تحدث فى حواره ل«التحرير» عن حكايته مع «الفيل الأزرق»، وكيف كان له تجسيد الأدوار الثلاثة، كما كشف عن العهد الذى قطعه مع الجمهور وطريقة اختياره للأدوار والتحضير لها، إضافة إلى علاقته بمروان حامد ورأيه فى فريق عمل الفيلم. ■ كيف بدأت رحلتك مع رواية «الفيل الأزرق» التى تحولت إلى فيلم؟ - لم يكن لى أى علاقة بالرواية، وعرفت بأمرها من زوجتى التى تهوى متابعة كل جديد فى عالم الروايات والأدب، وبعد فترة اتصل بى المخرج مروان حامد، وتحدث معى عن الرواية نفسها، معربا عن رغبته فى تحويلها إلى فيلم سينمائى وعرض علىّ دور «شريف»، بعدها بدأت فورا فى قراءة الرواية وأعجبتنى بالفعل، وفكرت فى الدور المقترح وكل الأدوار الأخرى، وشعرت بالفعل أن الدور كبير وصعب، ويحتاج إلى تركيز كبير، والفيلم كله من نوعية الأفلام المهمة والمختلفة والمميزة. ■ كيف بدأت فعليا فى التحضير لشخصية «شريف» والعفريت «نائل» و«المأمون»؟ - كان لى صولات وجولات فى هذا المجال، وقدمت مسرحية عام 1992 بعنوان «حظر الملانين» جعلتنى أذاكر وألمّ بعالم الطب النفسى، وبعد أن رشحنى مروان حامد للدور كان علىّ أن أُحدث معلوماتى وخلفياتى عن الطب النفسى وعالم الجن، لذا كانت الإنترنت طريقى الوحيد، حيث شاهدت كثيرا من الحالات المشابهة لحالة «شريف» والجن «نائل»، كما حضرت جلسات حقيقية لإخراج الجن، وذاكرت كثيرا جدا، وكنت أقضى أسابيع بين كتب جلسات إخراج الجن فى مكتبى، لدرجة جعلتنى أشعر بأنى أراهم أو يمرون من حولى. ■ ألا تجد أن كل هذه التحضيرات أكثر مما يحتاج إليه الفيلم نفسه؟ - قطعت عهدا على نفسى بينى وبين الجمهور، وربما هو عهد ضمنى وغير معلن، بأن لا أستسهل عملى، لأنى لست ممثل «سبوبة»، ولا ينبغى أن أكون كذلك، فالعهد بينى وبين الجمهور يمنعنى أخلاقيا من ذلك، لأن الجمهور يثق بى وأعطانى الحب والاحترام والشهرة، وبناء على ما منحه لى أبحث وأجتهد، وقد أخطئ أحيانا فى عمل أكون فيه ضحية مخرج أو منتج، وتحدث «نصباية»، لكن لن أكون متورطا فى الضحك على الجمهور أو الاستهانة به مهما كانت الظروف. ■ أرى أنك بنيت علاقة إنسانية مع الجمهور أكثر من كونها علاقة فنية؟ - طبعا.. علاقتى بالجمهور لها أبعاد مختلفة، والفن فى النهاية مشاعر وأخلاق وثقة تبنى جسورا بين الممثل والناس، وهذا ما أحاول الحفاظ عليه وأسميه العهد الحقيقى المقطوع علىّ، فسأجتهد ليسعد الجمهور ويبتهج بما أقدمه حتى لو قدمت عملا ليس فى المستوى، فعهدى مع الجمهور يقول «اصبر التقيل جاى ورا»، ورغم ذلك أعترف أنا «مش قديس» بمعنى أنى سأقدم أدوارا بها انحراف وكباريهات وجنس، لكن فى النهاية ستجد نفسك أمام عمل فنى جيد. ■ تتصدى لأدوار شديدة الصعوبة تخيف أى ممثل وتقدمها بشكل غير متوقع، فهل تتعامل فنيا بنظرية الإدهاش غير المتوقع؟ - أنا من مؤيدى مدرسة الرسالة الضمنية للدور، بمعنى أن أى دور له رسالة مباشرة سيصبح دورا فاشلا، وأى عمل يحتمل رسالة واضحة بالتأكيد «هيكون دمه تقيل»، لذلك فى كل دور أبحث عن تفاصيل غير مباشرة للشخصية أمسك من خلالها الخيط الأول للتجسيد، ثم تتوالى الخيوط حتى أُحكم قبضتى على الشخصية، كما لا أحب تقديم الجانب الأحادى للشخصيات، لأنها تبدو مباشرة وفارغة، وربما هذا أكثر ما يرهقنى فى التمثيل. ■ نعود إلى «الفيل الأزرق» كيف تم التنفيذ الفعلى للفيلم رغم صعوبته؟ - عندما بدأنا العمل بعد أيام من البروفات، وجدت مروان حامد الذى أعتز جدا بالعمل معه يجعل من لوكيشن التصوير شيئا مميزا جدا، فهو يفتح باب الارتجال فى البداية للممثلين، ويقول لك على طريقة مدرب كرة القدم: خالد أنت هنا وكريم هناك، هيا أريانى ماذا ستفعلان، وكل منا يطرح طريقته ويرتجل، إلى أن نتفق على ما يتناسب مع رؤيته كمخرج، ثم ينتهى الحديث عند هذا الحد، ويُحكم مروان قبضته على اللوكيشن. وأرى حامد من أروع المخرجين الواثقين بأنفسهم، والذين يخضعون لنظرية القائد الحكيم الديمقراطى فى اللوكيشن، فهو المدرب الذى وضع خطة اللعب لكنه قد يعمل بمتغيرات تحدث ويقتنع بها، فتجعله يُحدث تغييرا للأفضل. ■ صرحت بأن أفضل ما فى مروان حامد هو أنه صاحب رؤية قبل أن يكون مخرجا؟ - أنا خريج معهد السينما قسم إخراج، ولى نظرة فى المخرجين، رغم عدم ممارستى الإخراج، ومروان مخرج متميز جدا، ومنذ فيلم «عمارة يعقوبيان» وأنا أعرف أنه مخرج يمشى على خطى ثابتة وتصاعدية، لأنه مبدع ويمتلك رؤية. ■ تردد أنك تعايشت مع شخصية المريض النفسى وكان لك واقعة غريبة فما هى؟ - أنا ممثل «رخم» جدا، ولا أقتنع بأى شىء بسهولة، وذات مرة ذهبت لجلسة تحضير أرواح، وهناك تملكتنى هستيريا من الضحك، ففوجئت بهم يطردوننى ويقولون لى أنت تنظر لنا باعتبارنا دجالين، وهنا قلت «أيوووه دجالين وكمان شوية نصابين»، كما ذهبت أيضا لطبيب تنويم مغناطيسى ففوجئت به يقول «قوم يا عم خالد، إنت ولا عمرك هتنام مغناطيسى».. وهذا كان يصعب مهمتى فى التعايش مع شخصية «الملبوس»، لكننى فعلا قبل الفيلم اقتربت من نماذج حقيقية حتى أرى تفاصيل قد تكون بعيدة عن الخيال الدرامى ورؤيتى كممثل، وذات مرة أحببت أن أشعر بالشخصية بقدر كامل، وكنا قد جهزنا الديكور فى استوديو جلال، فطلبت من المخرج أن يتركنى يوما لأنام فى الديكور، وكان ديكور المستشفى الذى يحتجز به شريف، وبالفعل قررت أن أنام بمفردى ليلة كاملة على سريره، ليصل إلىّ إحساس المريض النفسى المعزول. ■ هل أثرت كل هذه التحضيرات النفسية على حالتك العصبية واتزانك النفسى؟ - فعلا.. فالتأثيرات كانت أقوى فى اليوم الذى قضيته بمفردى داخل ديكور المستشفى، بغرض زيادة إحساسى بمعاناة «شريف»، الأمر الذى أرهقنى نفسيا بطريقة لم أكن أتخيلها، كما تملكتنى حالة مزاجية سيئة انتهت بكوابيس مفزعة طاردتنى ليالى طويلة. ■ جسدث ثلاثة أدوار، بينها شخصيتان يخرج بعضهما من بعض، هما «شريف» و«نائل»، بالإضافة إلى لحظات الصمت الطويلة فى بعض المشاهد، كيف قدمت كل هذه التناقضات؟ - التركيز والتحضير والسيناريو والمخرج، عوامل رئيسية جعلتنى أتمكن من السيطرة على كل هذه الشخصيات والأحاسيس الصامتة والمتناقضة، وهذا لا يعنى أننى الممثل الأكثر عبقرية وموهبة فى العالم، ولكن كل ما فى الأمر أننى ممثل مجتهد، وفى نفس الوقت «لاسع، وربنا صارف لى شوية قبول على موهبة وحب من الناس» وهذه أوراقى الرابحة. ■ قلت أكثر من مرة أنك تضع أباك نصب عينيك عندما تختار بعض الأدوار، وأن أم كلثوم مثلك الأعلى فى كل شىء.. فماذا كنت تقصد؟ - رغم ما وصلت إليه من نضج فإننى أخشى فى مرة تقديم عمل ليس به إبداع أو تغلب عليه السخافة، كما أخاف على مكانتى، وأخشى أن تتغير فى نظر والدى بالتحديد، ولو قدمت دورا سيئا «هيرزعنى قلمين على وشى»، لأنه علمنى أن أكون مسؤولا، وأن أحسب نتائج تصرفاتى وخطواتى، وبالنسبة إلى أم كلثوم فهى أيقونة الكفاح والنجاح والعبقرية، تلك الفلاحة التى أصبحت كوكب الشرق والعالم، ولهذا أعتبرها مثلى الأعلى فى كل شىء. ■ للمرة الثالثة تتعاون مع كريم عبد العزيز بعد فيلمى «الباشا تلميذ» و«أبو على» فكيف ترى تجربتكما؟ - كريم ممثل موهوب ومتميز و«معجون فن»، وهو فى الأساس مخرج ويعى ماذا يفعل، كما تربطنى به علاقة إنسانية أكثر من رائعة، وكنت سعيدا جدا بالتعاون معه للمرة للثالثة، لأننى أشعر بالراحة النفسية معه، ولما عرفت بأنه رشح لدور «يحيى» أدركت أن هذا الفيلم سيكون علامة فارقة فى حياتنا الفنية. ■ هل كنت تتمنى أن تقدم شخصية «يحيى راشد» التى قدمها كريم؟ - من البداية وأنا أعرف أن المخرج رشحنى لدور «شريف»، وكنت سعيدا جدا بالدور، لذلك بذلت مجهودا كبيرا فى استيعاب أبعاد الشخصية ولم أنظر لأى شخصية أخرى بالعمل، وكذا كنت أعرف أيضا أن دور «يحيى» من نصيب كريم. ■ هل نجاح رواية «الفيل الأزرق» سلاح ذو حدين، خصوصا أن خيال القارئ قد يفوق تقنيات التنفيذ السينمائى؟ - أعشق فكرة تحويل الروايات الأدبية إلى أفلام سينمائية، لأنها تخلد السينما والسينما تخلد الأدب وتوثقه، وأعتقد أن الروايات الجيدة تصعد بالسينما نحو العالمية، وبالنسبة إلى نجاح رواية «الفيل الأزرق» أتفق معك أنه كان سلاحا ذا حدين، فنحن بين نار حفظ الجمهور للرواية وخياله الجامح ناحية الشخصيات والأحداث، ومحدودية التنفيذ السينمائى، فالجمهور يعرف الأحداث والتفاصيل والشخصيات جيدا ويتخيلها كما يشاء، والمشاهد يكتبها المؤلف كما يحلو له مهما كانت صعبة، لكن عندما يتم التجسيد على الشاشة يكون الأمر شديد التعقيد، لأننا ننفذ الخيال على شكل صورة، وعموما كان هذا هو التحدى الأكبر، لذا وضعنا ثقتنا فى أنفسنا وفى المخرج المبدع مروان حامد، وكافأنا الجمهور على كل هذا المجهود، وأثبت فعلا أنه قادر على تذوق الفن الجيد مهما كانت الظروف. ■ وهل قلقت بشأن رد فعل الجمهور تجاه الفيلم خصوصا بعد نجاح الرواية؟ - فكرة تقديم عمل من هذا النوع أمر مقلق جدا، لأنه يعنى أننا فى منطقة مختلفة على التجسيد السينمائى، لذلك ستقارن حتما بالأفلام العالمية التى نفذت داخل هذا الحيز، ولكن كان الحماس أكبر من أن نفكر فى ردود الأفعال، فالفيلم بالنسبة إلينا جميعا مغامرة فنية ومخاطرة ممتعة بكل المقاييس، وكلنا إيمان بأن العمل الجيد سيفرض نفسه، وأن الجمهور قد يسعد بفكرة التجريب وكسر المعتاد والمألوف، والحمد لله الفيلم نجح بشكل فاق توقعاتنا وأحلامنا جميعا.