حملت استقالة الدكتور محمد البرادعى من منصبه نائب رئيس الجمهورية السابق المستشار عدلى منصور قبل عام من الآن وتحديدًا فى 14 أغسطس من العام الماضى، اعتراضًا على ما حدث فى فض رابعه العدوية والنهضة، رؤية واضحة كانت كفيلة أن تحمى مصر من الكثير من المخاطر، فعلى مدار عام أزهقت أرواح أبرياء سواء مواطنين أو رجال جيش أو شرطة، وظلت أطراف المشهد السياسى متشبثة بآراءها دون الاستماع إلى رؤى أخرى، مؤكدًا بعد مساعى لم تكتمل وقتها لحل الأزمة على أن العنف لا يولد إلا عنفًا، وأن المستفدين من أحداث العنف هم دعاه العنف والإرهاب. وقال الدكتور محمد البرادعى الذى غادر البلاد فى أعقاب استقالته من العام الماضى متوجهًا إلى فينيا، فى نص استقالته «العنف لا يولد إلا العنف»، وكانت أكثر الفترات التى شهدت خلالها مصر أعمال عنف وإرهاب كان العام الماضى وذلك منذ عزل رئيس الجمهورية السابق محمد مرسى من منصب بعد موجه ثورية شعبية فى الثلاثين من يونيو . الدكتور محمد البرادعى فضل منذ مغادرته البلاد الابتعاد كثيرًا عن ما يحدث داخل مصر، ولكنه ظل قلبه مهمومًا بكل ما يحدث فى الداخل، وظل يتابع الأخبار والأحداث من خلال وسائل الإعلام المختلفة أو من خلال الاتصالات التى لا تتوقف مع بعض أصدقائه المقربين فى مصر. ورغم كل ما حدث فى مصر خلال العام الماضى لا يزال يرى الدكتور البرادعى الذى لٌقب بمفجر الثورة المصرية أن الأمل فى الشباب، وهو الأمر الذى أكده فى تغريداته القليلة على موقع التواصل الإجتماعى «توتير» خلال العام الماضى, حين قال «إلى الشباب: أكرمنى الله بكم.. دائمًا فى القلب.. أنتم الضمير النقى والمستقبل والأمل.. حفظكم الله لمصر»، وقال فى تغريده أخرى «إلى شباب الدستور والثورة.. أنتم الآن السراج المنير فى ظلمة الإفك والجهل والتطرف والاستبداد.. وحدوا الصفوف.. استعيدوا القيم.. واحتكموا إلى العقل». وفى ديسمبر من العام الماضى طرح الدكتور البرادعى رؤية جديدة لحل الأزمة وقال «نبذ العنف؛ العدالة الانتقالية ( الحقيقة، المحاسبة، المصالحة)؛ التوافق الوطنى على قيم إنسانية مشتركة وديمقراطية حقة. غير ذلك حرث فى البحر». وظل البرادعى يغرد خلال العام الماضى تغريدات أخرى تفيد بمشاركته فى العديد من المحافل الدولية الخاصه بحقوق الإنسان بصفته حاصل على جائزة نوبل للسلام، كما علق البرادعى فى مرات كثيرة على الأوضاع فى الشرق الأوسط وخصوصًا ما يحدث فى سوريا، وكانت آخر تغريدته تعليق بما يحدث فى غزة والتى أسمها ب«المجزرة» وطالب بمحاكمة مرتكبيها أمام الجنائية الدولية . وبمناسبة مرور عام على ذكرى فض اعتصامات رابعه العدوية والنهضة والتى قدم الدكتور البرادعى إستقالته فى مثل هذا اليوم قبل عام، «التحرير» تعيد نشر نص استقالتة الدكتور البرادعى من منصبه والتى تتضمت حلولاً كثيرة لخروج الأزمة فى وقتها. وجاءت نص الاستقالة : "أتقدم إليكم باستقالتى من منصب نائب رئيس الجمهورية، داعيا الله عز وجل أن يحفظ مصرنا العزيزة من كل سوء وأن يحقق آمال هذا الشعب وتطلعاته ويحافظ على مكتسبات ثورته المجيدة فى 25 يناير 2011، والتى أكدها بصيحته المدوية فى 30 يونيو 2013، وهى المكتسبات التى بذل من أجلها التضحيات الجسام من أجل بناء وطن يعيش فيه الجميع متمتعين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد والتوافق المجتمع والمساواة التامة بين جميع المواطنين دون تفرقة أو إقصاء أو تمييز. لقد ساهمت قدر ما وسعنى الجهد وظللت أدعو لهذه المبادئ من قبل 25 يناير ومن بعدها دون تغيير ودون تبديل وسأظل وفيا لها وفاء لهذا الوطن الذى أؤمن بأن أمنه واستقراره وتقدمه لا يتحقق إلا من خلال التوافق الوطنى والسلام الاجتماعى الذى يتحقق من خلال إقامة الدولة المدنية وعدم الزج بالدين فى غياهب السياسة واستلهام مبادئه وقيمه العليا فى كل مناحى الحياة. إلا أن الجماعات التى تتخذ من الدين ستارًا والتى نجحت فى استقطاب العامة نحو تفسيراتها المشوهة للدين حتى وصلت للحكم لمدة عام يعد من أسوأ الأعوام التى مرت على مصر حيث أدت سياسات الاستحواذ والإقصاء من جانب والشحن الإعلامى من جانب أخر إلى حالة من الانقسام والاستقطاب فى صفوف الشعب. لذلك كان المأمول أن تفضى انتفاضة الشعب الكبرى فى 30 يونيو إلى وضع حد لهذه الأوضاع ووضع البلاد على المسار الطبيعى نحو تحقيق مبادئ الثورة، وهذا ما دعانى لقبول دعوة القوى الوطنية للمشاركة فى الحكم، إلا أن الأمور سارت فى إتجاه مخالف فقد وصلنا إلى حالة من الاستقطاب أشد قسوة وحالة من الانقسام أكثر خطورة، وأصبح النسيج المجتمعى مهدد بالتمزق لأن العنف لا يولد إلا العنف. وكما تعلمون فقد كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعى وكانت هناك حلول مطروحة ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطنى، ولكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه. ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتى فى النهاية ولكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن - فى رأيى – تجنبه. لقد أصبح من الصعب على أن أستمر فى حمل مسئولية قرارات لا أتفق معها وأخشى عواقبها ولا أستطيع تحمل مسئولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميرى ومواطنى خاصة مع إيمانى بأنه كان يمكن تجنب إراقتها.. وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفًا وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمرى إلى الله. وقى الله أرض الكنانة وشعبها العظيم وجيشها الباسل.» محمد البرادعي