وزير التعليم العالى يجتمع بنخبة من العلماء والأساتذة المصريين بالجامعات البريطانية    الإسكان: استكمال رصف محور كليوباترا الرابط بين برج العرب الجديدة والساحل الشمالى    تنفيذ 31 قرار غلق وتشميع لمحال وحضانات ومراكز دروس خصوصية مخالفة    مالديف مصر بمرسى علم.. تعيش فيها عروس البحر والدلافين والسلاحف.. شوف الجمال    الأونروا: 800 ألف فلسطيني أجبروا على النزوح قسرا من رفح منذ بدء الهجوم الإسرائيلي    اشتباكات بالأيدي بين نواب البرلمان العراقي في جلسة انتخاب رئيس البرلمان    واشنطن بوست: أوكرانيا تصارع الزمن قبل برد الشتاء لإصلاح شبكة الطاقة المدمرة    ترتيب الدوري الألماني بعد نهاية المسابقة.. شتوتجارت وصيفا والبايرن ثالثا    مباشر .. الأهلي 0 -0 الترجي - نهائي دوري أبطال أفريقيا    إيهاب جلال يُعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة بيراميدز    هنا جودة معجزة تنس الطاولة تحضر نهائي بطولة العالم للاسكواش    افتتاح بطولة أمم أفريقيا لكرة القدم للساق الواحدة بالقاهرة    الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد: العظمى المحسوسة تتجاوز 40 درجة    السكة الحديد تعلن تشغيل قطارات إضافية استعدادا للعيد.. تبدأ 10 / 6 / 2024    سقوط عصابة تنصب على المواطنين بالسوق السوداء للعملة    عمرو دوارة: فتحية العسال ابنة الحارة الشعبية الأصيلة وصاحبة الأعمال الإنسانية    مفوض الأونروا: لا توجد مناطق آمنة في غزة ولا أحد آمن بالقطاع    مكتب نتنياهو: إذا كان جانتس يفضل المصلحة الوطنية يجيب عن الأسئلة الثلاثة    4 أبراج أساتذة فى حل المشاكل العاطفية.. الجدى والحمل الأبرز    الصور الأولى لأبطال فيلم "تاني تاني" قبل طرحه في دور العرض الأربعاء المقبل    وزارة الحج: دخول السعودية بتأشيرة عمرة لا تمكن حاملها من أداء الحج    الأطعمة المصنعة السبب..الإفراط في الملح يقتل 10 آلاف شخص في أوروبا يوميا    صحتك بالدنيا.. لطلاب الإعدادية.. هدى أعصابك وزود تركيزك فى فترة الامتحانات بأطعمة مغذية.. وأخطاء غذائية شائعة تجنبها فى الموجة الحارة.. كيف تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على قلبك؟.. طرق الوقاية    جامعة طنطا تعالج 6616 حالة بالقرى الأكثر احتياجا ضمن "حياة كريمة"    مطالبة برلمانية بكشف سبب نقص ألبان الأطفال    كبير الأثريين: اكتشاف آثار النهر بجوار الأهرامات حل لغز كيفية نقل أحجارها    الشهابى: الشعب المصرى يقف خلف القيادة السياسية لدعم القضية الفلسطينية    أدعية مستحبة خلال مناسك الحج.. تعرف عليها    مرصد حقوقي يحذر من تفاقم الأوضاع الإنسانية بغزة جراء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على معبر رفح    رئيسا روسيا وكازاخستان يؤكدان مواصلة تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين    قبل مناقشته ب«النواب».. «الأطباء» ترسل اعتراضاتها على تأجير المستشفيات لرئيس المجلس    تراجع كبير في أسعار السيارات بالسوق المحلية.. يصل ل500 ألف جنيه    خسر نصف البطولات.. الترجي يخوض نهائي دوري الأبطال بدون مدرب تونسي لأول مرة    مهاجم الترجي السابق يوضح ل "مصراوي" نقاط قوة وضعف الأهلي    موعد عيد الأضحى ووقفة عرفات 2024 في مصر.. ومواعيد الإجازات الرسمية يونيو 2024    مدير «القاهرة للدراسات الاقتصادية»: الدولة تسعى لزيادة تمكين القطاع الخاص    وزير الأوقاف يوجه الشكر للرئيس السيسي لاهتمامه بعمارة بيوت الله    وزير التعليم: التكنولوجيا يجب أن تساعد وتتكامل مع البرنامج التعليمي    مصرع شاب وإصابة آخر في حادث مروري بالوادي الجديد    مصير تاليسكا من المشاركة ضد الهلال في نهائي كأس الملك    شركات السياحة تنهي استعدادها لانطلاق رحلات الحج    نموذج إجابة امتحان اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي محافظة الجيزة    منها تعديل الزي.. إجراءات وزارة الصحة لتحسين الصورة الذهنية عن التمريض    إطلاق أول صندوق للطوارئ للمصريين بالخارج قريبًا    وزير التعليم ومحافظ بورسعيد يعقدان اجتماعا مع القيادات التعليمية بالمحافظة    كوكا يقود تشكيل ألانيا أمام سامسون سبور في الدوري التركي    معلومات عن متحور كورونا الجديد FLiRT .. انتشر أواخر الربيع فما أعراضه؟    هام لطلاب الثانوية العامة.. أجهزة إلكترونية ممنوع دخول لجان الامتحان بها    حبس المتهم بسرقة مبالغ مالية من داخل مسكن في الشيخ زايد    عاشور: دعم مستمر من القيادة السياسية لبنك المعرفة المصري    8 تعليمات مهمة من «النقل» لقائدي القطارات على خطوط السكة الحديد    محافظة القاهرة تنظم رحلة ل120 من ذوي القدرات الخاصة والطلبة المتفوقين لزيارة المناطق السياحية    فيلم فاصل من اللحظات اللذيذة يحتل المرتبة الثالثة في شباك التذاكر    مفتي الجمهورية: يجوز التبرع للمشروعات الوطنية    جهود قطاع أمن المنافذ بوزارة الداخلية خلال 24 ساعة فى مواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    الفصائل الفلسطينية تعلن قتل 15 جنديا إسرائيليا فى حى التنور برفح جنوبى غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمود درويش.. جدارية الأرض الطيبة
نشر في التحرير يوم 08 - 08 - 2014


كتب: د. ياسر ثابت
9 أغسطس ذكرى رحيل شاعر فلسطين والعرب الذى كتب الحجارة شعرًا
منح المسافرين نظراته الحزينة.. وحفر منازله فى القلوب
استطاع درويش أن يحول الإحساس بفقدان الوطن وعمق مأساة الإنسان الفلسطينى إلى «وجع إنسانى عام»
«هزمتكَ يا موتُ الفنون جميعها
هزمتكَ يا موتُ الأغانى فى بلاد الرافدين،
مسلةُ المصرى، مقبرةُ الفراعنة،
النقوشُ على حجارةِ معبدٍ، هزمتكَ
وأفلتَ من كمائنكَ الخلودُ
فاصنع بنا، واصنع بنفسكَ ما تريد».
قُل لى يا محمود درويش: أبَعدَ الموتِ موتٌ؟
هل كنتَ تعرفُ أن الأغنياتِ الأثيرة يسيلُ منها دمك، فآثرت حفظَ مائكَ الفضى واتخذتَ من القلوبِ منازل.
لم تقلْ للموتِ هذه المرة: انتظرنى قليلا، لم تفاوضه أو تساومه على قصيدة، فالموتُ يعشقُ فجأةً مثلك.. والموتُ لا يُحِبُّ الانتظار.
لم تمنحْ المسافرين هذه المرة آخرَ نظراتكَ الحزينة، التى تشبهُ دمعةً تسيلُ على ساقيةِ القلب.
ربما أدركتَ الحقيقة التى تعلمناها فى غيابك: عندما نموتُ نصيرُ سادةَ العالم.
الأعراسُ والأجراسُ فى انتظاركَ، لكن زيتونَ فلسطين يجهشُ فى البكاء.
وأنتَ الذى بللتَ شفتىَ القصيدة بهواءٍ ناضجٍ كالقمح.
علَمتها حُمّى الوقت، ودسستَها فى حقائبِ السفر، وحفظت قلبكَ كلّه عن ظهرِ قلب.
بصوتِكَ المعبأ بالدخان والأحزان، الآتى من غياهبِ بئرٍ عميقة، كنت تَخيطُ روحكَ إلى روحِنا، وأنت تُلقى قصائدكَ وتوزعُ حكمتكَ بعينين نزقتين وطيفِ ابتسامةٍ، وخصلات شَعرٍ -منذ ثلاثين عامًا- خائف أن يشيب.
شِعرُك أيها المُسجى فوق أرضٍ غريبة، كان الحجارةَ التى تعيدُ بناءَ أنقاض القرى التى أزالوها من على وجهِ الأرض وحذفوها من الخرائط المعدلة.
قصائدُكَ كانت تقولُ لليائسين: لكى تبنى المحارةُ قوقعتَها، يجبُ عليها أن تمررَ فى جسمها ما يعادلُ وزنَها خمسين ألف مرةٍ من مياه البحر.
يا لها من حكمةٍ نازفة!
ظِلُكَ المثقوبُ يُقَلِمُ أغصانَ حيرتنا، وصوتُكَ المجروحُ مطرزٌ بهديلِ النجومِ الشاردة وغَمزِ الغيُومِ التى تراوغُ فى وعودِها، وضحكتُكَ المبتورةُ تعانق جذور زهرةٍ يتيمة.
طوبى للعاشقِ الذى ينسى دومًا بابَ قلبِه مفتوحًا، ليزفَ الناى للشتاتِ بشارةَ العودة.
أيها الأندلسىُّ الذى تسلقَ جدارَ الموتِ، هاربًا من نوافذ قرطبة وبحرِ بيروت ومآذنِ القاهرة وجبل عَمَان، لماذا تركتَ القصيدة عالقة فى شِباكِ مَن سرقوا عيونَ البحر كى لا نرى الحقيقة؟!
لماذا ضيَعتَ فرصتكَ فى الموتِ مُذ كنتَ صغيرًا؟ لماذا ضيَعتَ النهايةَ من البداية؟
أترانا أيها الرائقُ، المارقُ، الحاذقُ، محكومين بموتٍ سريعٍ يمُرُّ ببُطءٍ؟!
أما الآن وقد امتلأتَ بكلِ أسبابِ الرحيل، فإننى أوصيكَ: كن رشيقًا كحروفكَ، موجعًا كالكلامِ حين تمضى إلى تلك المسافة الفاصلةِ ما بين حلمٍ واستفاقته.
مطمئنونَ نحن إلى أن الموتَ لم يستقبلكَ بفظاظة حارسٍ ليلى، فهو يحفظ قصائدك المغناة ويرددُ فى أوقاتِ فراغه قولك: «وأعشقُ عمرى لأنى إذا متُ أخجل من دمع أمى».
لكنكَ متَ فى 9 أغسطس 2008، بعيدًا عن قهوةِ أمك وخبزِ أمك ولمسةِ أمك، تلك التى عاشت وماتت فى الظل المعذب، فى حين بقيت صورتها تسرى فى قصائدك. تحفظه عن ظهر قلب:
«ويكفى أن أنامَ مُبَكِّرًا لتَرَى
منامى واضحًا، فتطيلُ لَيْلَتَها لتحرسَهُ».
فارقتها، وفارقتنا جميعًا، تاركًا وراءك إرثك الثرى، ولغتين من دهشة، الأولى بسيطة كما لو أنها دارجة «ليفهمها الحمام ويحفظ الذكرى»، والثانية فصيحة «كى أفسر للظلال ظلالها»!
ها هو الموتُ يُضبطُ متلبسًا بالانضمامِ إلى باقى القتلة.
فى صباح اليوم التالى، لم يكتمل طقسك اليومى بإعداد القهوة وتناولها على مهل، وأنت الذى تقول: «أريد خمس دقائق من أجل القهوة.. والقهوة لمن أدمنها مثلى هى مفتاح النهار». كم يصبح لهذا المفتاح من قيمة حين يصبح إعلانًا للحياة، وكم يزداد ذلك حين تكون الحياة على مرمى حَجَر من الموت.
كان كل صباح لديك هو نجاة من موت. كان يمكن أن تقابل الموت فى الليل، فصار طقس إعداد القهوة لديك احتفالا، تفرح فيه بيوم جديد من عمرك.
لكنه غافلك وجاء، وحرمك من قهوتك، وأخذ منا القصيدة.
وأنت مضيت، وكأنما أعجبك الفراق.
متَ يا درويش، ليخرُجَ لنا من الجحور دراويش، يتنازعون على لونِ عينيكَ، وإطارِ نظارتِكَ الطبية، وحبيبتكَ الأولى وقصيدتِكَ الأخيرة، ويتحدثون فى آخر الزمانِ عن بطولاتٍ زائفة وانتماءاتٍ كاذبة مثل أردأ مساحيق التجميل.
«يُحبُّونَنى مَيِّتًا لِيَقُولُوا: لَقَدْ كَان مِنَّا، وَكَانَ لَنَا».
هم أولئك الذين يُمجدون صياغتكَ إعلان الاستقلال الفلسطينى فى الجزائر، وينسون استقالتكَ من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجًا على اتفاق أوسلو، حين صرخت بأعلى صوتِك:
«كل شىء مُعَدٌ لنا
فلماذا تطيلُ التفاوض،
يا ملكَ الاحتضار؟»
هُم زالوا، وبقيت وحدك.
أخطأ الأطباءُ فى المستشفى الأمريكى تشخيصَ الداء، لم تكن المشكلةُ فى إصلاح 26 سنتيمترًا من الشريان الأبهر لقلبِكَ المُنهَك.
كانت الأزمةُ تكمن فى 365 كيلومترًا مربعًا هى مساحة قطاع غزة، فى قولٍ آخر، كانت المشكلة فى قلبكَ تمتد 5844 كيلومترًا مربعًا هى مساحة الضفة الغربية.
ولأن أطباءكَ فى هيوستن، أيها الغزالُ الحُر فى بريةِ الروحِ، لم يتذوقوا قصائدك، ولم يقرؤوا عن فلسطين الجريحة فى دواوينكَ الشعرية، فقد أغفلوا احتمالاتٍ أخرى:
الدم الفلسطينى الذى لم يعد خطًا أحمر، رائحة البرتقالِ التى تختفى يومًا بعد يومٍ عن بيادر يافا.
لم يعرفوا خطورة هذه «الأمراض» على رجلٍ كان يُذكِرُنا دومًا بأن فلسطين التى تضيعُ.. لن تضيع.
الصراعاتُ التافهةُ قضمت شرايينكَ كعيدان قصبٍ جافة، ولعلَكَ سئمتَ مِنْ تقطيرِ الحزن فى قلبِكَ دَمْعَةً دمْعَة، وأنتَ الذى قلت يومًا لكبيرهم فى أوسلو:
«لَمْ تُقاتِلْ لأنَّك تَخْشى الشَّهادَةَ، لكنَّ عَرْشَكَ نَعْشُكْ
فأحْمِلِ النَّعْشَ كى تَحفَظَ الْعَرْشَ يا مَلك الانْتِظارْ
إنَّ هذا السلام سَيتْرُكُنا حُفْنَةً منْ غُبارْ..
مَنْ سيدْفنُ أَيامنا بَعْدنَا: أَنْت.. أَمْ هُمْ؟ وَمَنْ
سوْفَ يرْفَعُ راياتهمْ فَوْق أَسْوارِنا: أَنْتَ.. أَمْ
فارسٌ يائس؟ من يُعلّقُ أجْراسهم فَوْقَ رحْلتِنَا
أَنْتَ.. أَمْ حارسٌ بائسٌ؟ كُلُّ شىء مُعَدُّ لَنَا
فَلماذا تُطيلُ النهايةَ، يا ملك الاحْتضارْ؟».
ولأن العاملين فى ذلك المستشفى لا يفقهون اللغة العربية، فإنهم لم يفهموا مغزى الوصيةِ المنقوشة فوق أحدِ أوردتك لأبناء وطنك:
من يحلم بالكرامةِ.. فهو حىٌ ذليل. وحدهم الذين يعرفونَ توقيتَ الصلابةِ ويتقنون فن السيولة، هم الذين لا يتبخرون فى فضاءِ الكونِ مثل غازاتٍ ضائعة.
وحدهم الذين يملكون بوصلةَ الوعى والنضج، قادرون على أن يبقوا بشرًا بدلا من أن يصبحوا مجردَ كائنٍ رخو.
أليست مفارقةً تدعو إلى التأمل أن تُسلِمَ الجسدَ المعطوبَ للجراح حازم صافى، ذلك العراقى الممزقُ بين المنافى يعالجُ الفلسطينى المحترقَ بنارِ وطنٍ محتل.
كلاهما يبحث عن وطن وحرية.. والجميلُ فى الحرية أننا نتعلقُ بها فى النطاق ذاته الذى تبدو فيه مستحيلة.
جيمس جويس رفضَ أن يزورَ مدينته دبلن بعد أن غادرَها، ليظلَ يكتبُ عنها من الذاكرة الخائنة، لكنكَ آمنتَ بأن الكتابة وترٌ مشدودٌ بين الحريّة والتذكّر، فعُدتَ دومًا لتقاومَ بأصابع ينزُ منها دمُ الكلام «ذاكرة للنسيان».
هذه المرة فقط.. لن تعود
الغيابُ الآن كفٌّ ملساء من دون خطوط.
البروة، قريتُك التى كانت، تئنُ وتقيمُ سرادقُ عزاء تحت الأرض، تقرأ فيه المدنُ ما تيسرَ من «مديح الظل العالى»، وتدرسُ فيها القرى «أحد عشر كوكبًا»، وتتساءلُ البلدات «لماذا تركت الحصان وحيدًا»، والشعراءُ يقتفون «أثر الفراشة» فى سيرة رجل له ضوء نجمة حزينة.
تركتهم، وتركتنا معهم، عالقين فى هوس الذكريات. نبحث كل يوم عن أثرٍ ضائع للفتى المولود فى الثالث عشر من شهر الأساطير.
أنتَ الآن تشبهُ نفسك «كزهر اللوز أو أبعد».
أنتَ الآن طفلٌ يجبُ أن يتنازل هذا الكونُ الكاملُ عن ألعابِ طفولته من أجلك.
أنتَ الآن وحيدٌ فى البياض، تمَشِّطُ ضفيرة الريح، وقلبُك قميصُ الشفق.
وما بين ضبابِ المخدرِ وبياضِ الغيبوبة، يناديكَ الغمام.
«أرى السماءَ هُناكَ فى متناولِ الأيدى
ويحملُنى جناحُ حمامة بيضاءَ صوبَ
طفولةٍ أخرى. ولم أحلم بأنى
كنتُ أحلمُ. كلُّ شىء واقعى. كُنتُ
أعلمُ أننى ألقى بنفسى جانبًا
وأطير. سوف أكونُ ما سأصير فى
الفلك الأخير. وكلّ شىء أبيض».
أيها العائدُ من تخومِ الموتِ، خُذ «جداريتك» وعُد للأرض كى تستريحَ يا إمامَ التعب.
جلجامش، لم يبقَ فوق الأرضِ سوى الرجال الذين يعجزُ الموت عن تطهيرهم من ذنبِ الحياة.
أيها المارون بين الكلمات العابرة، ها هو «أحمد العربى» يحاصرُ حصاره، ويهزمُ الموتَ، ويرتقى مدارجَ البهاء وحيدًا حافلاً بالأمنيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.