تكشف المداولات الجارية بين الأحزاب السياسية المدنية من أجل تشكيل قوائم قومية موحّدة، عن قصور شديد فى رؤى وأداء الأحزاب السياسية المدنية، بحيث باتت عاجزة عن التوصُّل إلى تفاهمات حول القوائم، دون الاقتراب من موضوع الفردى. تستهلك الأحزاب السياسية المدنية جهدها وتنفق وقتها فى اجتماعات من أجل الاتفاق على القوائم التى تشكّل خُمس مقاعد البرلمان القادم، ولم يقترب النقاش بعد من أربعة أخماس مقاعد البرلمان المخصصة للنظام الفردى. وإذا حضرت اجتماعًا من اجتماعات الأحزاب المدنية سوف تُصاب بارتفاع ضغط الدم والتوتر الشديد من طريقة تفكير ممثلى معظم هذه الأحزاب، فالحديث يدور فى الغالب حول حصة الحزب فى القوائم، وغالبًا ما يدور الحديث عن وزن وتاريخ وقيمة الحزب، ومن ثَمَّ حقّه فى أن يسمى التحالف باسمه وأن يحصل على الحصة الأكبر من المقاعد والتى تتناسب مع تاريخه، وعندما يدخل النقاش فى معيار الكفاءة والسمعة والدور، تجد مَن يهمس متسائلًا: هل يمكن أن يوقع استمارة عضوية لدى حزبنا ويترشّح باسمه؟! بدا واضحَا من المسجالات فى اجتماعات الأحزاب المدنية أن هناك حالة من العداء والكراهية الشديدة بين بعض مكونات التيار المدنى، كراهية تجعل الحزب يركّز على حرمان الحزب الخصم من مزايا أكثر من التركيز على كيفية رفع حصة التيار المدنى ككل، ومن ثَمَّ زيادة حصص كل مكونات التيار. أيضًا هناك محترفو حضور الاجتماعات، حيث تعقد عشرات الاجتماعات بمبادرة من حزب ما، فيحضر عدد من الأحزاب معظم هذه الاجتماعات ربما بحثًا عن الكتلة التى تمنحه عددًا أكبر من مقاعد القوائم، وكما سبق القول كل الاجتماعات والصراعات تدور حول 120 مقعدًا، تاركة مقاعد الفردى التى تبلغ 80٪ من إجمالى مقاعد مجلس النواب القادم. السؤال هنا: أين المشكلة فى أداء أحزاب التيار المدنى؟ بالقطع المشكلة تكمن فى معظم قادة الأحزاب السياسية المدنية، فقد نكبت مصر بنخبة معظمها لا علاقة لها بالسياسة، دخلت الحياة السياسية من باب الهواية، وهى شخصيات تتسم بالمراوغة والمناورة، شخصيات لم تمارس الصدق فى حياتها، أثرت وراكمت الأموال فى عهد مبارك ودخلت فى شراكة مع رموز نظامه واستفادت من ذلك استفادة ضخمة، واليوم لا يتوقف عن الحديث عن الفلول والفاسدين فى زمن مبارك!! أيضًا هناك البهلوانات السياسية التى عملت مع كل النظم السابقة بما فيها نظام الإخوان، واليوم تتحدث عن المدنية والتيار المدنى وعن شرور زمن ونظام الإخوان. نتحدَّث عن الأحزاب المدنية ونضوجها، والحقيقة نحن نتحدَّث عن النخبة السياسية الموجودة حاليًّا والمتمثلة فى غالبية رؤساء الأحزاب المدنية وأعضاء الصف الأول فيها، فمثلما يُقال لا ديمقراطية دون ديمقراطيين، نقول ولا أحزاب سياسية دون نخبة ناضحة، وبما أن غالبية مكونات النخبة المدنية فى مصر اليوم لم تنضج بعد رغم كبر سن غالبيتها، فإن الحديث عن نضوج الأحزاب السياسية المدنية فى مصر يظل حديثًا مؤجّلًا إلى أن تنضج النخبة السياسية، وهو أمر محل شك، أو تأتى نخبة جديدة لم تتربَّ فى دوائر قادة الأحزاب السياسية الحاليين، وإلى أن يحدث ذلك فإن المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات الدولة المصرية التى عليها الحفاظ على مصر دولة مدنية حديثة، قانونها مدنى، حكمها مدنى وحكومتها كذلك.