كأنهم شرطة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. هاجمت غارات من الشرطة المصرية مقاهى المفطرين فى رمضان. وقالوا طبعا: هذه جنحة. لم يكشفوا أنها من مهام انكشارية الدولة تستخدمها حين تريد أن تقول إنها متدينة. وستجد ساعتها فى القانون المصرى ما يجعلها تشبه «داعش» وتفتش فى عقائد الآخرين يبقى لهم فقط أن تقتلهم. فى قوانين الدولة المصرية خردوات من ألف صنف وصنف.. حكم دينى وعلمانى وعسكرى وملكى وجمهورى. كلما أردت قانونا انزل السرداب وانفض الغبار وضع قليلًا من الماء لينشط ويعمل بشكل طبيعى، كأنه لم يكن سجين السراديب. أو يتناقض مع الهويات المعلنة للحداثة. وهذه ليست عادات مستحدثة مع السيسى، لكنها كانت تتم بروتينية مملة أيام مبارك، لكن السيسى يجسد كل تاريخ الحكم فى الدولة الحديثة. جامعة التناقضات والأزمان، المقيمة فى زمن وحدها، المستقرة مع شيزوفرينيا عمومية لا تتيح طويلا استخدام العقل أو التأمل أو التفكير بعيدًا عن هستيريا الأجنة التى تموت فى الأرحام، بسبب داء السلطوية البنيوى. هجمة المطوعين الرسميين لم تأت مع السيسى لكنها فرقة تؤدى نمرتها فى استعراض يثبت تدين الدولة. هى مضاعفات جرح سرى من جروح الدولة المصرية. شعور بالذنب مقيم منذ أن هوت الخلافة العثمانية ودخلت مصر مرحلة الدولة الحديثة، من دون شرعية اجتماعية، ولكن بموديل ارتبط مع الاستعمار. وهذه لعنة جعلتنا نستمتع بمنتجات الحداثة ونلعنها. نفخر بأننا أصحاب أول سكك حديدية، لكنه فخر مرتبط بالتدمير والإنكار والشعور بالدونية تجاه ما نعيش فيه. الحكام يستمدون وجودهم من العلاقة مع الغرب، لكنهم وبدرجات تلعب الخلافة بأحلامهم. أرادوها عندما اعتلوا الكراسى أن تكون عروشًا ذات نزعة إمبراطورية وأبهة تاريخية باسم الدين.. أرادوها دولًا تشبه الدول التى يروى عنها فى سير البروباجندا التاريخية عن خلفاء وملوك المسلمين. كل منهم استوحى خلطة انتقى فيها حكاية من حكايات (أبو بكر الصديق أو عمر بن الخطاب أو على بن أبى طالب وحتى عمر بن عبد العزيز الملقب بالخليفة الخامس) كلهم تنافسوا على السادس. ودبجوا حكايات تشبه من قريب وبعيد حكايات الخلفاء. لم يمر الخليفة البغدادى بالقاهرة، ولم يقرأ ما كتبته الفصيلة المجهولة من السياسيين فى يوم من الأيام بعد ثورة يناير.. «الخلافة تاج الفروض..».. بدت الجملة المحيرة كأنها تثبيت عقيدة هاربة. وأهل المدينة لم يلتفتوا إلى الشعار كأنه أيقونة قادمة من رف الذكرى الخالدة. الخليفة الصاعد على منبر الجامع الكبير بالموصل.. وظهر بساعته الغالية لا يعرف ماذا حدث لآخر من اقترب من كرسى الخلافة؟ لا يعرف بالتأكيد الذئب المسمى بأحمد فؤاد الأول.. ولا حربه ضد شيخ وحامل دكتوراه من أكسفورد اسمه على عبد الرازق على «الفرض السادس..».. الذئب العلوى كان قد أقام معسكرات استعداد للخلافة.. وخطط لتشكيل طليعته وطبقته السياسية.. علمانى متمرد ومطارد فى واحدة من أشرس معارك الثقافات. وأحمد فؤاد السكير القادم من مغامرات البحث عن الثروات ليصبح سلطانا عام 1917 ثم أول ملك بعد دستور 1922، وتلمع فى رأسه فكرة أن يرث الخلافة التى هوت فى إسطنبول بعد 500 سنة من المرض. قرر شاب اسمه على عبد الرازق البحث فى علاقة الإسلام بالحكم، وكان كتابه «الإسلام وأصول الحكم» الذى أنهى حلم ملك جبار هو أحمد فؤاد.. فى وراثة الخلافة العثمانية تحت شعار أن الخلافة هى سادس فروض الإسلام وأنه المكلف بها. حدث هذا سنة 1925، وكانت شرارة أول صدام بين رغبات السلطة وكاتب قرر أن يكتب عن موضوع مثير وهو: الخلافة الإسلامية. هل الإسلام دين ودولة؟! هل الخلافة هى الفرض السادس على المسلمين؟! هل يعترف الإسلام بحكم الفقهاء أو وكلاء الله على الأرض؟! الأسئلة كانت حارقة وقتها. وعلى عبد الرازق الشيخ الأزهرى.. تقمص روح مغامر.. عنيد.. واقتحم قلب المعركة.. وكان المناخ مناسبا.