يظن البعض أن التطاوُل والسب واللعن هو من قبيل النقد، وأنّ مَن قَبِلَ أن يعمل بالشأن العامّ فقد قدّم عِرضه عن طيب خاطر للناس، يخوضون فيه ويلعبون، وهنا يكمن الخطأ. والأمر لا يحتاج إلى عبقرية لنكتشف أن هذه الأمور ما هى إلا جاهلية توارثناها من قَبل الإسلام إلى اليوم.. ولِمَ لا؟ فبعض الصحابة أنفسهم لم يتخلصوا حتى نهاية حياتهم من بعض الجاهلية، حتى من بُشّر بالجنة، ولذلك يقول عنهم ابن تيمية: «نحن لا نشهد أن الواحد من هؤلاء لا يذنب، بل الذى نشهد به أن الواحد من هؤلاء إذا أذنب فإن الله لا يعذبه فى الآخرة.. فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية». أبو ذر رضى الله عنه، عيَّر أحد الصحابة بأمه (قيل إنه بلال بن رباح)، وقال له: يا ابن السوداء، فغضب رسول الله وقال له: إنك امرؤ فيك جاهلية.. سعد بن عبادة تأخذه حميَّة الجاهلية ويكاد يقتتل مع سادة الأوس وقت حادثة الإفك أمام رسول الله لأنهم أرادوا أن يقتلوا من خاض فى الإفك وهم يعلمون أنه من الخزرج... عبد الله بن عبد الله بن أبىّ بن سلول، ابن رأس النفاق يذهب إلى الرسول يستأذنه أن يقتل أباه إذا كان آمرا أحدا أن يقتله، لأنه يخشى أن يقتل أحد الصحابة أباه فتأخذه الحميَّة فيقتل الصحابى الذى قتل أباه، فيدخل النار. ولكن هناك فرق بين جاهليتهم وجاهليتنا.. فأبو ذر عندما علم خطأه، كان بعدها لا يرتدى حلة إلا إذا كان خادمه يرتدى مثلها، أخطأ فأهان غيره، فقوّم نفسه بأن وأد جاهليتها وجعلها مساوية لنفس خادمه. الجاهلية موجودة، ولكن طوبى لمن ألجمها، واختلف باحترام، وتَحرَّر من هوى السياسة وألاعيبها.