ظهر إلى الأضواء بقوة مؤخرًا اسم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، بفضل تقدمها الخاطف في شمال ووسط العراق، وفشل القوات الحكومية العراقية في مواجهة زحفها حتى الآن، وسيطرتها على مدن عراقية بأكملها، وإعلانها إقامة الخلافة الإسلامية على الأراضي الواقعة بقبضتها. دانييل بايمانن، الأستاذ ببرنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأمريكية، ومدير الأبحاث في مركز سابان الشرق الأوسط في معهد بروكينجز، يقدم 5 أساطير شاعت عن داعش، بينما الحقيقة شيء مختلف إلى حد بعيد. يقول أستاذ الدراسات الأمنية،من الخطاء أن نقول الأن أن داعش جزء من تنظيم القاعدة، والواقع أن للتنظيمين علاقات طويلة متداخلة، فبينما كانا في السابق حليفين قويين، فهما الآن ألد الأعداء، وقد غير داعش اسمه عدة مرات على مدار السنوات الماضية، وهو ما يعكس هذا التوتر مع القاعدة، ويقول بايمانن، إن الكثير من الجماعات الجهادية في العراق كانت تدور في فلك أبو مصعب الزرقاوي، الأردني الذي عمل مع القاعدة لكنه لم يكن جزءًا منها، في الوقت الذى أعلن الزرقاوي فيه ولائه في النهاية لزعيم القاعدة، آنذاك، أسامة بن لادن، في أكتوبر 2004، وسمى جماعته "القاعدة في العراق"، لكنه حتى منذ الأيام الأولى دخل التنظيم الوليد في توترات مع القاعدة، فقد كان بن لادن يريد التركيز على الأهداف الأمريكية في العراق، بينما انغمس الزرقاوي في الحرب الطائفية، واستهدف الشيعة العراقيين، وحاول ترويع السنة، وليس الحصول على دعمهم، يختلف داعش عن القاعدة في التكتيكات والاستراتيجية والقيادة. فزعيم الدولة الإسلامية أبو بكرالبغدادي يتبنى أعمالًا كقطع الرؤوس والصلب، ويركز على الأنظمة المحلية والخصوم في الداخل العربي، متجاهلًا عقيدة الظواهري التي تركز على العدو الأكبر، متمثلًا في الولايات المتحدة، ومن الممكن أن يسحب البغدادي البساط من الظواهري بفضل تقدمه في العراق، وإدعاءه أنه يقود الحرب ضد المرتدين، في إشارة إلى الشيعة، وهي قضية يمكنه أن ينجح من خلالها بالنظر إلى المشاعر الطائفية التي تجتاح المنطقة. الأمر الأخر والمهم أيضًا، أن إعلان دولة الخلافة معناه أن داعش جاهز للحكم، صحيح أن الدولة الإسلامية تسيطرعلى أجزاء من غربي العراق وشرقي سوريا، وهي أماكن معظمهما صحراوية، لكنه يسيطر كذلك على مدن مهمة كالرقة في سوريا والموصل في العراق، وهو من خلال إعلانه الخلافة يأمل بأن يكسب الشرعية من خلال الحكم وفق تفسيره المتشدد للشريعة، ومن ثم يتمكن من تجنيد مزيد من المتطوعين والحصول على المزيد من الدعم المالي، غير أن تجربة التنظيم في الحكم في هذه المناطق قبل نحو عقد كانت كارثية، فيما تسببت وحشية مقاتليه وعدم كفاءته في الحكم في تنفير الكثير من السنة، وأدى ذلك لظهور حركة الصحوة التي قامت بمحو الجهاديين تقريبا، وفي النهاية يمكن ل« داعش»، أن يسرق أو ينهب ويبيع النفط في السوق السوداء، لكنه لا يملك المؤهلات التي تمكنه من إدارة دولة ذات كفاء. الأمر الثالث أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هو العدو اللدوء ل« داعش»، في الوقت الذى يٍدعي الأسد أنه في حرب مع الإرهابيين، بينما يتحدث داعش عن نفسه باعتباره حامي السنة في سوريا ضد نظام الأسد "المرتد"، لكن كلا من الأسد وداعش يحاربان المعارضة السورية المعتدلة، ومن خلال عملهما على إضعاف المعتدلين في سوريا، فإن الأسد يكون قد نجح في القضاء على أخطر تهديد لحكمه. كما أن الأسد امتنع في بعض الأوقات عن شن عمليات عسكرية ضد مناطق يسيطر عليها داعش، بينما استخدام سلاح الجو لقصف المعارضة المعتدلة التي تقاتل داعش. يقول بايمان، الخبير الأمريكي، إنه لو لم يكن هناك داعش، لكان الأسد قد اخترعها، ويبدو أنه فعل ذلك فعلا، لكن مع تقدم داعش في العراق، فإن التحالف التكتيكي بين الاثنين ربما ينتهي، فالأسد ربما يكون لديه الآن سبب للقلق من أن تزداد قوة داعش، وعلى أي حال، فإن حكومة المالكي كانت حليفة للأسد، وخسارتها السيطرة على النقاط الحدودية لصالح داعش سيمنع وصول الإمدادت والمقاتلين إلى النظام السوري عن طريق العراق، بالإضافة إلى أن داعش أصبحت قوة واحدة متماسكة، وأن نجاح الدولة الإسلامية المذهل في العراق يشير إلى تمتعها بتنظيم عسكري قوي، وحقيقة الأمر أن داعش لا تملك أكثر من 10 آلاف مقاتل، واجتياحها لمدن كالموصل تم بأعداد قليلة من المقاتلين، أو أكثر من ألف مقاتل بقليل. وتعكس انتصارات داعش ضعف الجيش العراقي والسياسات الكارثية لرئيس الوزراء نوري المالكي، وقد أنفقت الولايات المتحدة على الجيش العراقي مليارات الدولارات، لكن هذا الجيش تبخر في مواجهة داعش. الخبير الأمريكي يقول إن مربط الفرس أن المالكي عين الموالين له، وليس القادة الأكفاء في المواقع القيادية الكبرى، كما أن تمييز نظام المالكي ضد السنة قوض عزيمة الجنود السنة، الذين لم يريدوا أن يقاتلوا لمصلحة حكومة يكرهونها. في الوقت ذاته داعش تريد قتال الولايات المتحدة، عندما تم الإفراج عنه في سجن في العراق في 2009، قال البغدادي لمحتجزيه الأمريكيين "نراكم في نيويورك" وهي عبارة يتذكرها البعض من الأمريكيين الآن بشيء من الخوف. في مايو الماضي نفذ منير محمد، وهو أمريكي أطلق على نفسه أبو هريرة الأمريكي، هجومًا إنتحاريًا في سوريا. ويضم داعش في صفوفه بضع ألاف من المقاتلين الأوروبيين، الذين تمنحهم جوازات سفرهم القدرة على دخول الولايات المتحدة بسهولة، وربما يود البعض من حوالي 100 أمريكي في سوريا، تنفيذ عمليات إرهابية في الولايات المتحدة لدى عودتهم، ومع هذا فالتنظيم لا يبدو أنه يركز على الولايات المتحدة أو يضع أولوية للصراع ضد الغرب، بل إن هذا يعد سببا من أسباب انفصاله على القاعدة، وربما كانت عبارة البغدادي مجرد مزحة أو أسيء تفسيرها، فالكثير من حراسه كانوا من سكان نيويورك، كما أن الأهم هو أن عمليات داعش حتى الآن تشير إلى أنه يريد تجنيد مقاتلين غربيين كوقود لحربه الإقليمية، وهو يضع الاولوية الآن لتأسيس واستمرار دولة الخلافة وقتال من يصفهم بالمرتدين.