مَنْ يخترق احتياطات للأمن بقنبلة بدائية، يُمكِنه، للأسف الشديد، أن يُفلت بقنابل متطورة وبمعدات أكثر فتكا! هذا المعنى الواضح يَنسف الأثرَ المستهدَف من التصريحات المتطابِقة من عموم المسؤولين، الذين تعمدوا جميعا إبداء الاستهانة بالعمليات الإرهابية التى شهدتها القاهرة صباح أمس الأول الأربعاء، تدفعهم الرغبة فى طمأنة الناس، حتى إذا كانت بمنطق تعوزه الحجة القوية، بما يثير الكثير من علامات الاستفهام والتعجب! كان من أحد عناصر هذا الخطاب الرسمى الإيحاء بفشل هذه العمليات الإرهابية بحساب قلة عدد المصابين وبأن إصاباتهم سطحية! والمؤكد، من بدائية القنابل المستَخدَمة، أن الإرهابيين المخطِطِين لم يكن يهمهم استهداف أكبر عدد من المصابين ولا فداحة الإصابة بقدر رغبتهم فى توصيل رسالة أننا لا نزال هنا، وأننا نستطيع أن نفعل ما نريد! وكل هذا مما يدعو، كخطوة أولى، إلى ضرورة إعادة النظر بجدية فى تغيير خطاب التهدئة المُعتمَد حتى الآن بعد كل حادث إرهابى، والذى يعيبه اعتبار الشعب مجموعة من القُصَّر محدودى التفكير والخيال الذين لا يصح إخبارهم بالحقيقة! وهو خطاب ينطوى على عدة معانٍ منها استبعاد أن يقوم الشعب بدور فعَال فى مواجهة الإرهاب، وهو ما لن يتحقق، بداهة، إلا إذا علم الشعب حقيقة الخطر الكامن. كما أن الحقيقة الأولى، والتى هى أجدر بتذكرها من هؤلاء المسؤولين، هى أن الشعب قرَّر، قبل إنقضاء عام على حكم الإخوان وحلفائهم، أن يطيح بهم من الرئاسة وأن يُلغى دستورَهم الذى فصَّلوه على مقاسهم، بعد الشواهد المؤكدة على فشلهم وعلى خطر استمرارهم على مصلحة البلاد، برغم التهديدات الواضحة بأنهم سيقومون بالاغتيالات، وقيل، علنا، بالسيارات المفخخة والروموت كونترول والقنابل الموقوتة، ولكن كل هذا لم يُثِرْ الفزعَ العام بل لعله كان من عوامل إصرار الشعب على اختياره! أى أن الشعب، وقبل إنفاذ إرادته بالخلاص من هذا الحُكم ومن رموزه، كان على دراية بالأخطار التى سوف تترتب على اختياره! ولم يحدث بعد ذلك أن أظهر أىَ مؤشرات عامة يُحتَمَل أن تنطوى على جزع من الإرهاب الأسود الذى شهدته البلاد بعد 30 يونيو فى سيناء وفى عواصم الدلتا والصعيد، وفى المذابح التى راح فيها خيرة أبناء الجيش والشرطة، وفى العدوان الهمجى على الكنائس. بل، على العكس، كان بسطاء المواطنين العزل يشاركون بأنفسهم فى أعمال بطولية، بإلقاء القبض على بعض الإرهابيين المسلحين وتسليمهم لأجهزة الأمن، ووسط دموع ذوى الضحايا كان الدعاء لهم أن يحتسبهم الله شهداء فى سبيل مصر، وكان التصريح التاريخى، الذى أدخل قداسة البابا تواضروس التاريخ كأحد رموز الحركة الوطنية، عندما قال إن الضرر أصاب طوبا وحجارة وإن المسيحيين يمكنهم أن يؤدوا صلواتهم فى الشارع. فكيف ياتى بعد هذا من يتعمد التخفيف من الحقيقة المرة، وهو يفترض أن المصارحة قد تؤتى بأثار سلبية! حسنا، القنابل بدائية! ولكننا إزاء مجموعة من التفجيرات الإرهابية المتزامنة، إضافة إلى نجاح الأمن فى اكتشاف عدد آخر من القنابل وإبطال مفعولها، هذا التزامن والتطابق فى تفاصيل السلاح وطريقة زرعه يقطع بأن كل هذه العمليات الإرهابية هى نتيجة غرفة تخطيط واحدة، وهذا يؤكد أنه، حتى بعد الضربات الشديدة التى أنزلتها قوات الجيش والشرطة بالإرهابيين فى سيناء وفى عموم المحافظات، فإنه لا يزال هنالك بعض الخلايا يمكنها أن تقوم بمثل ما حدث مؤخرا، وهذا مدعاة للانتباه إلى خطر الإرهاب اليائس من تحقيق أهدافه الأساسية. والنتيجة الأخرى، هى انتقال الإرهاب من داخل الجامعة ومحيطها إلى الميادين ومحطات المترو، مما يبدد التصريحات الأخرى السابقة التى كانت تَعِد، أو ربما كانت تأمل، فى توفير الأمن بعد منع عناصر الإرهاب من دخول الجامعة فى الصيف. بل ربما تكون الجرائم الأخيرة دافعا لحساب أن المسرح قد اتسع للإرهابيين بأكثر مما كان. والنتيجة الأخرى المهمة، أنهم قد تخطوا مراحل المداراة والتجميل بالكذب وإدعاء ما ليس فيهم، وقرروا توجيه الضربات الصريحة للشعب مباشرة، ولا يمكن لهم بعد ذلك أن يعودوا للكذب بأنهم يحرصون على أمن الشعب وبأنهم يكتفون بتوجيه السلاح لكبار المسؤولين! ولكن، وقبل الاستسهال فى مهاجمة الأمن وتوجيه الانتقاد لقصور الأداء، ينبغى إقرار نجاحه فى قطع سبل التواصل بين القائمين على مخازن السلاح المتطور وبين العناصر الأجرامية المنفذة لهذه العمليات، كما يجب التسليم بأن الدولة، وحتى الآن، لم تقم بتحقيق طلبات الأمن المتكررة بتوفير المعدات الحديثة، والتى من أهمها الكاميرات التى يتم تثبيتها، كمرحلة أولى، فى محطات المترو وفى الميادين العامة وعلى المنشآت المهمة، والتى يمكنها أن تردع المجرمين عندما يعلمون أنه يمكن لهذه الكاميرات أن توفر الأدلة التى تساعد على تعقبهم واستجوابهم واستخلاص الحقيقة وتوجيه الاتهام، ثم على حسم أمرهم أمام القضاء. وينبغى التسليم بأنه حتى بعد مشارَكة كل أطراف المجتمع، فإن أقصى نجاح فى الزمن المنظور هو تحجيم الإرهاب فى حده الأدنى، بما لا يتجاوز نجاحات الدول العظمى التى لا تنجو من جرائم الإرهاب من آن لآخر، ما دام أن خميرة الفكرة الإرهابية لا تزال تغرس الكراهية فى نفوس بعض الفئات وتوههمهم بأنهم الأفضل من كل الآخرين، حتى وهم ضد ثورة شعبية حقيقية!