مع ظهور هذا المقال تكون المرحلة الثالثة لانتخابات مجلس الشعب قد انتهت على خير بإذن الله، وغالبا تكون نتائجها قد ظهرت، أعتقد أن هذه الخطوة فى بناء الدولة شديدة الأهمية والإيجابية أيضا، مهما دار الهمس حولها، أو أثيرت الشكوك فى إجراءاتها. فضّلت أن أكتب هذا المقال قبل إعلان النتائج النهائية، لأننى لا أركز على تفاصيل الأرقام بقدر ما أركز على «طريقة قراءة» أية أرقام. أولا: علينا أن نقبل هذه النتائج مهما كانت ملاحظاتنا عليها، فهى أمر واقع، ومهما كان على هذا الأمر الواقع من تحفظات، ففى رأيى أنه لم تحدث تجاوزات يمكن أن تسمى تزويرا إلا نادرا، كما لم تحدث تجاوزات غير متوقعة للقواعد، حتى لو ثبت أن الشكاوى التى لاحظت مثل هذه التجاوزات، ورصدت تلك المخالفات صحيحة، فلن تغير إلا قليلا من حجم حقيقة الأغلبية الناتجة. ثانيا: أين كانت هذه الأغلبية بالذات فى الانتخابات السابقة مباشرة أو فى أية انتخابات قبلها على مدى ستين عاما مضت؟ هل كانت فى السجون؟ أم المعتقلات؟ أم البيوت المغلقة سترا أو خوفا؟ أم فى الخارج؟ أم كانت «ضميرا مستترا» تقديره «هم»؟!! ثالثا: علينا ونحن نحترم ما يسمى الديمقراطية (ولو مرغمين مثل حالاتى) أن نحسن قراءة النتائج، ولا نتوقف عند التفاخر بها، وتقديس آليتها، صحيح أن الديمقراطية بكل عيوبها هى التى أوصلتنا إلى هذه المرحلة، أملا فى بناء مؤسسة تشريعية رقابية قادرة، لكن علينا أن نحذر من المبالغة فى دلالة قدراتها، أو الانسياق وراء التصفيق لها حتى التقديس، لأنها ليست فصل الخطاب فى بناء دولة قادرة على الإسهام الحضارى، ناهيك بمحاربة قوى الانقراض عبر العالم (انظر بعد). رابعا: فى رأيى -كما كررت كثيرا- «... إن الديمقراطية -مع كل ميزاتها- لا تقيس إلا الرأى الظاهر، فهى لا تكشف إلا عن قشرة تَوَجُّه عامة الناس، وهى عاجزة عن قياس الوعى الجمعى الأعمق، أو قياس الحس البقائى اللازم لاستمرار حياة النوع البشرى (بدءا برعاية وإدارة شعب ما) إلى أفضل، كما أنها عاجزة عن أن تعرى مسيرة التدهور الأخبث التى يقودها حاليا الأغنى والأشرس عبر العالم بما يهدد نوعنا بالانقراض....»، إن هذا المستوى من الاختيار اضطرارا بهذه الديمقراطية لا يعلن إلا مدى تماثل الناخب مع من انتخبه، فى أمور بعضها ظاهر، وأغلبها باطن، فهذه الديمقراطية هكذا لا تستطيع أن تكتشف اتفاقهما (الناخِبُ والمنَتَخَبْ) على خطأ فادح، أو تماثلهما فى التعجيل بخراب قادم، أو تشابههما فى العمل على تمادى ظلم متفق عليه، أو فى زيادة اغتراب مدمر، أو تجميد فكر متفتح، (تماما مثلما أن كثيرا من الجوائز لا تدل إلا على تماثل أو تقارب مانِحيِها مع نائليها). ثم علينا أن ننتبه من البداية، ثم طوال الوقت، إلى مضاعفات ما يسمى «ديكتاتورية الأغلبية»، إذ إنها من أفسد وأخطر أنواع الديكتاتوريات، وتسمى أحيانا ب«غلبة توجه القطيع»، وحتى على مستوى قوانين بقاء الأحياء بفضل برامج منظومات الوعى الأدنى، فإن سلبياتها مسؤولة عن انقراض 99٫9% من الأحياء (لم يبق إلا واحد فى الألف ونوع الإنسان من بينها)، مع أن الانتقاء الطبيعى أقوى وأكثر موضوعية من الاختيار الديمقراطى الصناديقى آلاف المرات. قراءة ناقدة للنتائج الحالية حتى الآن. أولا: الذين حضروا الانتخاب، بعد كل ما جرى من التهديد والوعيد، والترهيب والترغيب، والتربيط والتظبيط، هم نحو نصف الذين لهم حق الانتخاب. ثانيا: الذين ليس لهم حق الانتخاب هم نحو نصف المصريين، فهل هناك شك أن من ليس له حق الانتخاب هو من الشعب المصرى؟! صحيح فيهم الأطفال والشباب الأصغر، لكن هؤلاء هم الذين أتعلم منهم أكثر: ماهية قوانين البقاء، مثلما أتعلم من مرضاى بكل جدية واحترام، إذن فهناك نحو أربعين مليون بنى آدم هم أيضا من الشعب المصرى، وسوف تترقى منهم نسبة معينة بمشيئة الرحمن يكون لهم حق الانتخاب بعد خمس سنوات، ليحل محلهم مواليد جدد، وسوف يكون من بينهم من يقومون بالثورة القادمة بإذن الله (خذ بالك). ثالثا: الأصوات الباطلة حتى المرحلة الثانية، (وأعتقد أن النسبة سوف تظل ثابتة فى المرحلة الثالثة) تقارب المليونين، وهذا فى حد ذاته له معان كثيرة تدل على نوعية هذه الفئة من الناخبين وقدراتهم المتواضعة التى لم تمكنهم من أن يستوعبوا التعليمات الشديدة البساطة، لتظل أصواتهم صحيحة حتى الفرز. رابعا: إن الشك فى قدرة أو نظافة آليات السياسات والمناهج المستوردة للاختيار والتوصيات، ومنها الديمقراطية والقرارات الدولية، والغطاءات الجوية، لا يبرر الاستغناء عنها إلى أن نبدع، نحن البشر، بدءا بأنفسنا، ما هو أكفأ منها، وهذا بعيد المنال عبر العالم حاليا رغم أن المحاولات بدأت فعلا. وبعد.. أكتفى بهذا القدر من القراءة المبدئية، لكن قبل أن أنتهى أود أن أختم مقالى بتذكرة الناجحين، أكثر من غيرهم، بالدنيا الواسعة، ثم بالآخرة الحاسمة، كالتالى: بعد اتساع دوائر تواصل الخير بين الشباب خاصة، وأيضا دوائر تواصل الشر ومؤامراته عبر العالم، فإن أى واحد يتصدى ليحمل مسؤولية قيادة شعبه، أو بعض شعبه، أو المشاركة فى ذلك، عليه أن يحسبها بحسابات عالمية طوال الوقت، فلم يعد بالإمكان فصل أى فصيل من البشر عن الكارثة التى تهدد البشرية جمعاء، فالمصائب تتوالى من الأقوى والأشرس فى كل الدنيا، مع أن الفناء لن يستثنيهم، فعلى حامل المسؤولية فى أى مكان أن يواجههم ويفيد وطنه أولا، لكن عليه أيضا أن يشارك فى وقف تمادى الكارثة عبر العالم، مطمئنا أن ذلك سوف يعود على وطنه حتما. وليتذكر جيدا كل من يتولى أمرنا بفضل الصناديق العمياء أن الحضارة والإبداع ورقى الأمم لا تضطرد بعدد أصوات الناخبين، وإنما بطفرات الإبداع النابعة من ثقافة إيجابية، ووعى جماعى خلاّق قادر على حفز البشر إلى ما يعدون بما خلقهم الله. ومن البديهى أن عدد أصوات الناخبين لن تؤخذ فى الاعتبار فى مقابل عدد ذرات الخير، فى ميزان دخول الجنة، كما لن تكون هناك دعاية ملتبسة... إلخ. توصية: يمكنك عزيزى القارئ الاطلاع على -أو تذكر- نبذة عن تاريخ الحضارات، أو تاريخ الحروب أو تاريخ اليهود، أو نظرية داروين بعد إنقاذها من الشجب وتحديثها، أو القرآن الكريم (وكل ما يعادله فى الأديان الأخرى)، وستفهم المقال أفضل!