ضحك بلال. ضرب الكرة إلى الجانب الأيمن أمام بيته فى حى الصفا (رفح). أعادها إليه زميله فى الفريق، فصوب ناحية الحائط (الشبكة). اخترقت الكرة حارس المرمى، الذى كان يقف وسط حجرين عريضين. جوووول. أحرز بلال الهدف الأول. كان الجو باردا. شمال سيناء جوها متطرف فى الجغرافيا، والتاريخ. وهذا دفع بلال، المطمئن لواحد مقابل صفر، لأن يقترح على أقرانه فى الصف الرابع الابتدائى أن تُختتم المباراة، خلال ربع ساعة، على أن تستكمل غدا (30 يناير 2011). اقتراح مقبول. لنبدأ الربع ساعة! نزلت الكرة على الأرض. ضرب أحد لاعبى الفريق المنافس الكرة، فتصدى لها الحارس. أوصلها إلى بلال، الذى غازل اللاعبين، ثم ضربها لزميله، أحسن ضربة، فأحرز الهدف الثانى. باقٍ خمس دقائق، ويبدأ سريان اتفاقية بلال. سقطت الاتفاقية. صرخ الأطفال. ضربهم الهلع: الحرب. الحرب. يختبر الأطفال فى رفح معنى الحرب يوميا، لكن المعنى كان مختلفا هذه المرة. بقى بلال وحده. لم تتلاش فرحته بالهدفين. العينان لامعتان، والصدر يقبض على الكرة، فى شجاعة. وقعت الكرة على الأرض. قتلتها الحرب. لم يهرب هو. ظل واقفا، يراقب، ويضحك. كانت فرحته أسمى من جهل القتلة الذين هجموا عليه برشاش آلى عيار 250 مل (29 يناير). إلى هذا الحد، تبدأ قصة بلال، فانتهت، إلا أننى لم أصل إلى حاجز ال600 كلمة اللازم لعمود «قلم كل يوم». قلت فى بالى لو أننى هنأت الطفل أحمد سالم عيسى «بلال»، ابن العشر سنوات، بالعام الجديد، سأنجز، لكننى تراجعت، خصوصا بعد أحكام البراءة، لضباط سفكوا دماء شهداء فى الثورة. أقّله مثلا أقول لبلال إن دمك لن يذهب هدرا، وإن الثورة ستحاكم كذا...، والثورة كذا..... كل هذا الكلام المُرّتب الجميل. قابلت الزميل محمد توفيق، فى اليوم التالى (2 يناير)، «المقال سيكون عندك هذه المساء. هذا أكيد». حل المساء، ولم أكتب. كتبت، وحذفت، خمس أو ست مرات، دون جدوى. سألتنى: أأكتب لبلال أن مبارك الذى أعطى ضوء إعلان الحرب على الشعب على وشك البراءة؟ أقول له إن أطفالا وصبية كثيرين، استشهدوا فى حروب مجلس الوزراء، ومحمد محمود؟ أنبئه أن جماعة الإخوان، التى دان لها البرلمان على جثث الشهداء، تتفاوض مع قتلة الشهداء على خروج آمن. لا. فروح بلال ستُحبط. وهى محبطة لأنه مُنع من الاحتفال بعيد ميلاده العاشر، الذى وافق الثامن من نوفمبر الماضى. حُرم من تقبل معايدة الوالديّن الطيبّين. لم يقفز فى الهواء، سعيدا بالهدايا. هذه نقطة مؤثرة يجب أن أركز عليها. لكنى تراجعت مجددا لأننى أتوقع جدا أن يكون الطفل «بلال»، قد تشغله أسئلة أبسط. أعقد فى الإجابة عنها. أسئلة حول سبب حرمانه من دخول امتحان نهاية العام الماضى، وكذا عدم تمكينه من استكمال المباراة التى فاز فى شوطها الأول. وقلت إننى لا أملك إجابة ترضيه. وقلت أيضا إن الاستمرار فى هذا الضغط العصبى يجب أن يتوقف الآن. توقفت فعلا. وكتبت على ورقة بيضاء: إلى بلال، أصغر شهداء الثورة. لا تصدق كل القصص الوهمية عن إفلات قاتليك من عدالة الثورة. لا تصدق كل من يروجون أن الثورة تتراجع. راقب مهارات الثوار فى الشوط الثانى. راقب. ركز يا بلال لكن عّدل من ياقة الجاكت قليلا، ثم اضحك، لأن الثورة تضحك لك.