من الممكن أن يذهب مرشح فى حزب إلى جماعة الإخوان المسلمين للحصول على البركة وضمان الأصوات فى الانتخابات (فعلها بالمناسبة أغلب مرشحى الرئاسة) إلا أن السؤال: ما الهدف من ذهاب نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور إلى المرشد؟ هل أيضا من أجل البركة أم أنه يعلن أن الفن سوف يأخذ شرعيته من موافقة الجماعة الإسلامية على معالمه أولا؟! لقد ذهب نقيب الممثلين إلى المرشد بناء على طلب من النقيب حتى دون أن يرجع إلى أعضاء مجلس النقابة ولا إلى أعضاء الجمعية العمومية الذين اختاروه نقيبا.. لماذا لم يكتف بتلك الزيارات التى أطلقوا عليها تطمينية بدأت بمبادرات من عضوى جماعة الإخوان إلى الفنانين حيث بادر كل من سيد درويش مسؤول اللجنة الفنية، ومحمد النجار مسؤول الدراما بالجماعة، بفتح قنوات الاتصال مع النقابات الفنية، ورغم ذلك فلا يمكن لأى منهما أن يعلن رأيا من دون الرجوع إلى القيادات العليا فى الجماعة وهما فى العادة ليست لديهما رحابة فى تقبل أى عمل فنى يتعارض ظاهريا مع قيمة أخلاقية حتى ولو كان فى عمقه لا يتناقض معها. قرأت مؤخرا آراء تهاجم نجيب محفوظ، ليس فقط السلفى عبد المنعم الشحات، ولكن أيضا هناك قناعة لدى المسؤول عن الدراما فى الجماعة أعلنها بأن نجيب محفوظ احتل هذه المكانة لأنه كان متجاوزا على المستوى الأخلاقى فى تقديم أعماله الروائية. لا أتصور أن المسافة بعيدة بين السلفيين والإخوان فى رؤيتهم للفن. إنه فقط خلاف فى الدرجة لا النظرة. المفروض أنه لا عداوة بين الفن والإيمان أو بين الفن ورجال الدين. أغلب الموسيقيين القدامى كانوا يحملون لقب «شيخ»: سلامة حجازى، سيد درويش، أبو العلا محمد، زكريا أحمد، سيد مكاوى.. لقب «شيخ» حصلوا عليه لدراستهم الدينية أو لحفظهم القرآن، حتى من لم يحمل من الجيل القديم لقب «شيخ» كانت له جذوره الدينية أو الأزهرية مثل: محمد عبد الوهاب، ومحمد القصبجى. الثقافة الدينية وحفظ القرآن من ضرورات الفن الغنائى، مثلا الملحن داوود حسنى اليهودى الديانة صاحب الأدوار الشهيرة مثل «قمر له ليالى يطلع لم يبالى» كان يقول إنه لا خوف على الموسيقى الشرقية ما دام القرآن موجودا! العلاقة بين القرآن والفن، وبخاصة الموسيقى تبدو حتمية، ورغم ذلك فإن المرجعية الدينية ستظل تشكل مأزقا لكل الأطراف، ما الذى من الممكن أن يقوله رجل الدين فى الأغانى العاطفية؟ لن تجد ترحيبا. كان مثلا الشيخ الإمام محمد الغزالى يقول إنه يستمع إلى امرأة تقول «أنا الشعب أنا الشعب» يقصد أم كلثوم ولكنه لا يستمع إلى رجل يغنى «ليلنا خمر» يقصد عبد الوهاب. التحريم واضح لا لبس فيه، فهو يضرب مثلا بأغنية وطنية ترددها امرأة ليؤكد أن صوت المرأة ليس عورة والغناء لا يساوى الرجل، ولكن ما الذى تغنيه هذا هو الفيصل. هل استمعت مرة إلى رجل دين يجهر بأنه يستمع إلى الغناء العاطفى؟ أشك فى ذلك لأن الانطباع العام هو أن الغناء العاطفى يتعارض مع الدين ومع الوقار الذى ينبغى أن يتحلى به رجل الدين رغم أنه فى حياته الشخصية بالتأكيد يستمع إلى الغناء العاطفى. ما الذى من الممكن أن يحققه أشرف عبد الغفور بعد لقائه مرشد الجماعة محمد بديع؟ لا شىء سوى أنه سوف يؤكد له أن الجماعة تريد فنا هادفا.. وهل من الممكن أن يختلف أحد على ذلك؟ إلا أن اللغم كامن تحت هذه الكلمة «هادف»، ستظل هى نقطة الاتفاق وهى أيضا نقطة الخلاف لأن تقديم سلبيات المجتمع فى العمل الفنى يقابَل عادة برفض من المتزمتين دينيا ويعتبرونه فنا غير هادف يستحق الشجب بل والرجم أيضا. لماذا قابل أشرف عبد الغفور المرشد ولم يطلب مثلا لقاء البابا شنودة إذا كان المقصود هو عقد تقارب بين الرؤية الدينية؟ ثم لماذا لم يلتق شيخ الأزهر أو المفتى اللذين يمثلان المؤسسة الدينية الرسمية؟! إنها زيارة تدل على التخبط الذى تحياه واحدة من أهم النقابات فى مصر.. النقيب يقدم نموذجا صارخا للخوف من المجهول!