هذه مقالة تحريضية بالدرجة الأولى ضد أطراف بعينها والبادى أظلم. بهدوء مصرى يراه الكثيرون «لكاعة»، أكد الماسونيون والشيوعيون والليبراليون والمندسون والشهداء والملحدون والباعة الجائلون والديمقراطيون أن مصر تشهد الآن أعظم لحظة فى تاريخها القديم والمعاصر والحديث. ترتسم فيها لوحة متعددة الألوان والمشاهد. بينما يؤكد العسكر والإخوان والسلفيون ومجموعات قطاع الطرق أن هذا الكلام فارغ ومحض اختلاقات، وأن اللوحة لم تتغير ولن تتغير، لأن العسكر جاؤوا إلى السلطة وفقا للشرعية الثورية وخفافيش الظلام أتوا من صناديق الاقتراع وقطاع الطرق هم من يحكمون مصر فى واقع الأمر. المعادلة واضحة ومحددة: صراع إرادات. كيف يمكن لصناديق الاقتراع أن تصبح مؤشرا على الديمقراطية والأمية الأبجدية بين الناخبين تصل إلى 60%، بينما الأمية السياسية تصل إلى 90%؟ كيف يمكن أن يأتى نظام عسكرى- فاشى إلى السلطة عن طريق الشرعية الثورية وهو يحافظ على النظام السابق بكل أركانه؟ تساؤلات ساذجة لا تدعو إطلاقا إلى تعليق عملية الدمقرطة، ولكنها ترمى إلى أبعد من ذلك. فاللوحة الآن بقدر وضوحها وبروز اصطفافاتها السياسية والعقائدية، مضببة للغاية ومليئة بالمنعطفات الخطيرة التى يفسرها كل طرف حسب مصالحه، وليس إطلاقا وفقا لقناعاته أو رؤيته الفكرية. ولكن إذا نظرنا إلى الأمور بصدر أرحب وبأمل أكبر، سنجد فى دروس الثورتين الفرنسية والروسية مؤشرات واضحة وحاسمة من حيث العامل الزمنى وعمليات الكر والفر وخسارة معركة هنا أو هناك. حتى عندما انهار الاتحاد السوفيتى لم تكن هناك إراقة دماء بالمعنى المتعارف عليه فى أثناء التحولات والمنعطفات التاريخية بقدر طول الفترة الزمنية (10 سنوات كاملة) لضبط الأمور. إن انهيار التجربة السوفيتية عام 1991 أدى إلى قيام حربين داخليتين، وانهيار اقتصادى شبه كامل. وبصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف حول انهيار التجربة السوفيتية، فقد تمكن الروس بعد 10 سنوات كاملة من استرداد عافيتهم. ما يحدث فى مصر الآن لا يساوى عشر ما حدث فى روسيا. فالأجهزة الأمنية عاثت فسادا فى تلك الدولة المترامية الأطراف والغنية. وكان قطاع كبير من العاملين فى أجهزة الشرطة يرتدون زيهم الرسمى نهارا، ويستبدلون ثياب اللصوص به ليلا. وكان القتل يتم فى عز الظهر وفى أى مكان فى موسكو والمدن الأخرى. اخترعوا لروسيا أيضا مشكلة المسيحيين والمسلمين، فكانت حرب الشيشان، وما سمعنا عنه وشاهدناه من أحداث مأساوية للأطفال والنساء فى المدارس والمسارح. لا شك أن الموضوعين الطائفى والعرقى لهما امتدادات داخلية وخارجية. الأولى تتمثل فى التيارات والقوى الفاشية والعنصرية، والأحزاب والجماعات السياسية التى تعتاش على ذلك وتطمح لاستخدام هذين الملفين للوصول إلى السلطة أو العودة إليها. والثانية جيوسياسية لإضعاف الدولة اقتصاديا وعسكريا وأمنيا وضرب منظومة عاداتها وتقاليدها ومنظومتها القيمية، ومن ثم تحويلها إلى إما سوق مفتوحة للمركز الأورو-أمريكى أو مصدر للمواد الخام والقوى البشرية الرخيصة. إن الطرف الخاسر سيراهن على قصر نفس الطرف الآخر أو سيخشى من قصر نفسه هو شخصيا. المسألة أكثر صعوبة وتعقيدا، فمَنْ يحتاجون عادة إلى الثورة يخافونها ويفرون منها، بل وأحيانا يعادونها. هنا لا ينبغى إطلاقا التعويل كليا على المتغيرات، بل أخذها فى الحسبان وفى حجمها الطبيعى والتركيز على المطالب الأساسية التى تتزامن مع إطلاق الدعوة للعصيان المدنى كإحدى الوسائل المتحضرة تفاديا للصدام المسلح. علما بأن الطرف الآخر مدجج بالسلاح والمقاتلين الرسميين، وغير الرسميين (بلطجية وعناصر مسلحة ومدربة لأحزاب وجماعات محظورة وعناصر عادية يخدعها خطاب الجنة والنار). وستكون هناك محاولة لكسر العصيان المدنى عن طريق القوات المسلحة والإخوان والسلفيين بدفع العناصر التابعة لهم جميعا، سواء لإفشال الدعوة أو التحرش المسلح بالطرف الآخر. إضافة إلى الحملات الأمنية والإعلامية والتكفيرية. وبالتالى فالاستعجال ليس له أى محل من الإعراب. كما أن الوقوع فى فخ استخدام تناقضات شكلية بين العسكر والإخوان أو المجلس الاستشارى وتيار الإسلام السياسى، أو حكومة الإنقاذ-الجنزورية ومجلس الشعب الإخوانى-السلفى يعد ضربا من ضروب تبديد الطاقة وتشتيت الجهود. كل ما فى الأمر هو تحويل كل يوم فى عام 2012 إلى 25 يناير.