هناك الكثير مما يحتاج إلى مراجعات جذرية، بمناسبة العيد الأول لثورة يناير، لتصويب اعوجاجات كثيرة فى الحياة العامة! من ذلك الطريقة التى جرى ويجرى التعامل بها مع السيدة سوزان ثابت قرينة الرئيس المقال، والأهمية ليست لشخصها وإنما لخطورة استمرار تمتعها باستثناءات تنال من أهم شعارات الثورة التى نادت بالمساوة وإعمال القانون على الجميع! فبعد أن اجتمعت الأدلة الثبوتية على إثرائها غير المشروع، وبعد أن عجزت عن إثبات مصادر رسمية لامتلاكها ملايين الدولارات، إذا بأخبار مفاجِئة تُذاع عن إجراء مصالحة معها ردّت فيها ما قيل إنها الأموال التى ثبتت فى حقها، ثم أسقط «البعض» عنها التهمة، وصارت بذلك حرة طليقة، مع أخبار تتسرب من وقت لآخر بأنه سُمح لها بالسفر حيث أنها ليست مطلوبة على ذمة تحقيقات!! ولم يُشر إلى الأموال الأخرى التى تُقدر بالمليارات والتى تتشارك فيها مع أسرتها والتى هى محل بحث واستقصاء ومفاوضات مع الدول الى أودِعت فى مصارفها، كما أنه لم يُوجَّه لها حتى الآن تهمة واحدة فيما يتعلق بجرائمها الأساسية التى كانت وقود إشعال الثورة، ولم يُعلن أن هناك نية لذلك!! وهذه سابقة خطيرة مُشجّعة لكل اللصوص أن يسرقوا وينهبوا ويحتالوا، ما دام أن أسوأ عاقبة هى أن يتنازلوا عن جزء من الأموال التى يثبت أنهم تحصلوا عليها ضد القانون، ثم ينعموا بعد ذلك بما فى خزائنهم مما لم ينجح أحد فى تعقبه، وليس هناك ما يمنع من أن يستمروا على نهجهم الآمن من أى عقاب! والحجة الجاهزة للقائمين بهذه المصالحات أنها تتم وفقا لقواعد موجودة، والرد أن هذه القواعد وأشباهها هى مما قامت الثورة لتغييره، لأن لصوصا وضعوها بأنفسهم لحماية أنفسهم ورفاقهم من اللصوص إذا كانوا عُرضة للعقاب! هذا التراخى، الذى سيُحاسَب من قاموا به آجلا أم عاجلا، يتوازى فى هارمونية عجيبة مع تشدد مصحوب بأخطاء فى القانون ومبادئ السياسة وقواعد الكياسة، بالطعن فى الذمة المالية لبعض رموز الثورة دون دليل جاد، وترك الأمر معلقا دون إجراءات محاكمة ولا إعتذار، بعد أن كان الاتهام مدويا فى وسائل الإعلام الجماهيرية! فمن هو، أو من هم، الذين منحوا أنفسهم حق أن يبتوا على النقيض فى أمر حسمه الشعب علنا وهو يطالب بمحاكمة العائلة التى دمرت البلاد عبر ثلاثة عقود، وأفسدت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية، وعبثت بالدستور، وبددت الثروات العامة ببيع الأصول بالبخس لمن يدفع المعلوم، وعَرّضت استقرار البلاد للخطر برعاية الفاسدين، واستهانت بحق الأجيال الصاعدة وتركتهم نهبا للبطالة والبؤس. وكانت المذكورة، بما عُرف عنها من جشع للسلطة والمال تخطط أن يبقى مُلْك مصر فى ولدها ومن نسلهم، ولا يهم أن يتحطم النظام الجمهورى، وأن يُداس الدستور والقانون، وأن يُقهر الشعب وتُهدر كرامته، وأن يُباع استقلال البلاد وينقلب الصديق عدوا والعدو حبيبا!! وانظر إلى ما ترتب على هذه الحظوة الخاصة التى تنالها السيدة سوزان ثابت، وصَدّق أو لا تُصَدّق، فقد أصدر، قبل أيام، توجيه عام المكتبات بوزارة التربية والتعليم بمحافظة أسيوط نشرة إلى مدارس المحافظة عن مسابقة بخصوص التجهيزات لاحتفال عيد الأسرة، وانظر إلى ما هو آتٍ، تحت رعاية واهتمام قرينة رئيس الجمهورية!! وتضمن المنشور التاريخى موضوعات المسابقة ومنها إعداد ألبوم صور ورسومات خاصة باهتمام السيدة قرينة رئيس الجمهورية بالأمومة من حيث التكريم والرعاية!! ولا يجوز الاكتفاء بإلقاء النكت على هذه الواقعة والمطالبة بمحاسبة المخطئ المباشر، وإنما ينبغى التمهل للنظر ومحاولة الفهم، لأننا أمام حادثة موحية بالكثير، لعل أقل عناصرها أهمية هو هذه العقلية الجامدة المجمدة التى تأبى الاجتهاد ولا تعمل إلا بأوامر صريحة لا يغيرها إلا أوامر أخرى صريحة! والتى تبرر لنفسها ما فعلت بأنه لم تأت تعليمات من الرؤساء بتغيير ما دأبوا عليه طوال السنوات الماضية. ثم إن هذا ليس خطأ فرديا من أحد الموظفين، اجتهد وجانبه الصواب، لأن هناك طابورا من الموظفين قبله وبعده وإلى جواره، مم راجعوا وأجازوا وطبعوا ووزعوا.. الخ، ومن علامات الخطر أن كل هؤلاء يسعون لرضا الكبار، ويظنون أنهم بعملهم هذا منضبطون على الخط، بل لعلهم كانوا يتوقعون مكافأة استثنائية على هذا الإنجاز! أخطر ما فى هذه الواقعة تلقائيتها! ثم إن أصحاب هذه الدعوة يشاهدون الاستثناءات التى تتمتع بها المذكورة، ويتابعون عصابة من يُسمون أنفسهم «أبناء مبارك» فى حماية رسمية يدعون إلى الإفراج عنه ويعتدون ماديا على أسر الشهداء، ولا أحد يُسائلهم! وعلى الناحية الأخرى، هناك هذه الاتهامات التى تصل إلى حد التطاول من مسؤولين كبار تلحق برموز الثورة، ويُلقى القبض على شباب الثورة بتهمة الدعوة لتنظيم تظاهرة فى ذكرى العيد الاول للثورة! وأن يُجرَّم هذا باعتباره محاولة لقلب نظام الحكم! وكأنه ليس هناك شعار يدوى منذ يناير الماضى بأن الشعب يريد إسقاط النظام، وليس الحكم فقط! وهناك أيضا، مع اقتراب عيد الثورة، تكرار لمشاهد الأيام الأولى للثورة، من عدوان دامٍ على المتظاهرين سلميا وصل إلى حد سقوط شهداء ووقوع إصابات بالغة بآخرين، إلى التشويش على قنوات فضائية تكشف بمتابعاتها هذه الجرائم، ومنع بث بعض القنوات الأخرى، والهجوم الغاشم على مكاتب منظمات حقوق الإنسان، وإغلاق بعضها ممن كان لها دور فاعل فى قضايا مهمة مثل جريمة الكشف على عذرية النساء المقبوض عليهن فى تظاهرات ضد حكم العسكر! هناك إذن من قرّر أن يُنهى الثورة عند هذا الحد وأن يُجرّم الدعوة للاحتفال بها وأن يُسيئ إلى سمعة الثوار!! فماذا يفعل الموظف البائس وصحبه الذين دأبوا على توجيه الدعوة السنوية باسم قرينة الرئيس المقال؟ العودة إلى أصل الحكاية باتت أمرا مُلِحا بمناسبة العيد الأول للثورة، وكان هذا لبّ الموضوع، ينبغى أن يؤكد الشعب حقه بأنه مصدر السلطات وأن ممثليه ونوابه يُعَبّرون عن إرادته فى التشريع والحكم والقضاء، وأن تتجلى أمارات كل ذلك يوميا، وينبغى التصدى لمن يسطو على حق الشعب فى القرار ويجعل نفسه فى وضعية من يقرر للشعب، ضد إرادة الشعب، ما يجوز وما لا يجوز، وإلا فنحن لم نتخط نظام مبارك بعد، وأن الثورة المضادة هى حتى الآن صاحبة اليد العليا، سواء بقرار من مبارك شخصيا أو ممن يعبر عن عقليته. وعلينا ألا ننزلق فى متاهات يُخطط لها بسوء نية، فالثورة لم تقم لمحاكمة من قاموا بقتل الثوار أثناء أحداث الثورة!! وإلا لتورطنا فى أعمال العبث!