فى مقال «حينما قالت السينما لآثار وصبحى والعلايلى: «حتى أنت يا بروتس»!» عاتبت بعض الفنانين على موقفهم ضد حرية الإبداع بتأييدهم قرار حكومة محلب وقف عرض فيلم «حلاوة روح»، وقد رد المخرج أحمد عاطف ونفى أنه ضد الفيلم، وهو شىء أسعدنى بعد قراءة أول سطرين، ثم عاد وحيرنى حينما اكتشفت من رده أنه ضد الفيلم تماما، بل إنه السبب الرئيسى فى وقف عرض «حلاوة روح» بما قدمه من معلومات وتحليل وتقييم لوزير الثقافة حول الاستغلال الجنسى للأطفال فى «حلاوة روح» حسب معايير الإعلان العالمى لحقوق الطفل، وحسب قوانين حماية الطفل فى مصر، أو حسب تفسيره هو لهذه القوانين، حيث نقل فيلم «حلاوة روح» من مجرد فيلم به مشاهد وإفيهات وحوار مبتذل وارد الاختلاف معها إلى أنه من أفلام الإثارة الجنسية! هكذا مرة واحدة! الحمد لله أن المخرج أحمد عاطف ليس رقيبا على السينما، وأتمنى أن لا يكون، لأن صناعة السينما مش ناقصة، وغريب أن يرد على مقال هو مذكور فيه بالإشارة وكمثال من ضمن أمثلة أخرى وقفت إلى جوار السلطة لمنع فيلم سينمائى. جميع الأمثلة التى وردت فى رد أحمد عاطف حول تقديم الجنس بالإيحاء فى «حلاوة روح» لا تخرج عن مبالغات ومزايدات ووجهة نظر شخصية يقارنها بنماذج أفلام أجنبية يدعى أنها منعت لأنها قدمت جنسا صريحا للأطفال مثل High School dxd وEvil Dead. هل «حلاوة روح» يحتوى على جنس صريح؟ ما دام لا يحتوى على جنس صريح لماذا نظلمه بالمقارنة بينه وأفلام تحتوى على جنس صريح؟ هل يجهل الأستاذ أحمد عاطف الفرق بين عدم منح فيلم تصنيف عمرى (Not Rated) كما فى أمثلته، وبين منعها تماما (Banned)؟ التصنيف العمرى فى الأصل استرشادى للآباء بغرض حماية الأطفال وليس قانونا. لا أريد الدخول فى جدل حول الأفلام العالمية التى تناولت موضوعات جنسية شائكة بها أطفال وعرضت للكبار فقط أو حُذفت لقطات منها، لأنه موضوع طويل، الأمثلة كثيرة كفيلم المخرج لوى مال «Pretty Baby»، الذى جسدت فيه بروك شيلدز دور طفلة عاهرة، وقدمت هند صبرى وهى طفلة فيلما آخر مثيرا للجدل هو «صمت القصور» للمخرجة مفيدة تلالى، وهو من أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما العربية. ولماذا نذهب بعيدا؟ ماذا فعلت القوانين العالمية التى يتحدث عنها أحمد عاطف مع فيلم «Malena» المقتبس عنه «حلاوة روح»؟ الفيلم يحتوى على عُرى صريح ومشاهد مشتركة بين الطفل والبطلة، فى كندا تم تصنيفه لسن 18 عاما فأكثر، وفى السويد لسن 11 عاما فأكثر. لنتأمل قليلا فيلم «الغابة» كمقياس للتعامل مع قضية حرية الرأى وليس بغرض المقارنة، الرقابة سمحت عام 2008 بعرضه رغم تناوله زنى المحارم ودعارة أطفال الشوارع والشذوذ للكبار فقط، نشرت صفحات الفن مقالات نقدية ترى مشاهد الفيلم فجة ومباشرة، من هؤلاء ناقد كتب قريبا أن «حلاوة روح» فيلم بورنو، هناك أيضا ناقدة وصفت «حلاوة روح» بفيلم راقٍ يصور قصة اغتصاب وطن، وأرى الرأيين متطرفين مع كامل الاحترام لصاحبيهما. أما مسألة انتهاك «حلاوة روح» حقوق الطفل بتقديم الجنس بالإيحاء فأعود وأسأل كيف قدم أحمد عاطف زنى المحارم ودعارة الأطفال والشذوذ فى «الغابة»؟ أليس بالإيحاء؟ ألم يستخدم أطفالا فى تنفيذ المشاهد؟ لم يقدم هو أو سامح عبد العزيز جنسا صريحا لأنهما لا يستطيعان، كلاهما تصرف فنيا فى إطار المسموح رقابيا، أما تقييم درجة الابتذال فى الفيلمين فهذه قضية نقدية لا رقابية، ورأى أحمد عاطف مجروح، حينما يقيم عمل زميله فى المهنة، خصوصا بهذا التعالى الواضح فى رده. إذا استمر العدوان على السينما تارة من جماعات متشددة، وتارة من محامى قضايا الحسبة، والآن من أهل المهنة أنفسهم سنصحو يوما على مصر بلا سينما سواء جادة أو هابطة. بدلا من منع الفيلم كان يمكن توجيه جهاز المصنفات الفنية ليمارس مهامه فى مراقبة تنفيذ دور العرض قرار الرقابة. ليبحث أحمد عاطف فى أرشيفه عن حواره مع صحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ 18 يونيو 2008، حيث قال عن الرقابة نصا: «طلبوا منى حذف مشاهد كثيرة من بينها مشهد زنى المحارم بين (مكنة) وأبيها، لكنى رفضت لأنى وقتها كنت قد طبعت الفيلم، وقلت لهم (اقطعوا من جسدى ولا تقطعوا من الفيلم)». ليبحث أحمد عاطف فى أرشيفه عن تصريحه لموقع «العربية نت» بتاريخ 1 يوليو 2008 بعد اتهامه المتكرر بالإساءة لسمعة مصر، حيث قال: «لا يعنينى كثيرا أن يحب الناس الفيلم أو يكرهوه، لأن الواقع الذى عايشته خلال التصوير بأطفاله الحقيقيين أشد إيلاما من حالة الجدل والمحاسبة التى يتبعها الناس اليوم مع الفيلم وتقييمهم له، فضمائرنا تحتاج فعلا إلى الإيقاظ». صدقت.. «ضمائرنا تحتاج فعلا إلى الإيقاظ»، خصوصا عندما نقف ونساند سلطة تنتهك عرض السينما، ونقدم لها مسوغات الانتهاك فى ملفات جاهزة، وكله بالقانون!