أغلق باب الترشح للانتخابات الرئاسية المصرية، والتى سوف تجرى يومى السادس والعشرين والسابع والعشرين من مايو القادم، ولم يتقدم للترشح سوى المشير عبد الفتاح السيسى والسيد حمدين صباحى. الأول جمع قرابة نصف المليون توكيل، قدم للجنة أقل من نصفها، والثانى تمكن من استكمال التوكيلات فى بعض المحافظات فى توقيت متأخر، وقدم للجنة 31 ألف توكيل. وبذلك تجرى الانتخابات الرئاسية بين هذين المرشحين فقط واختفى مرشحون وهميون، منهم من كتب على الجدران وعلق لافتات تقول بأنه مرشح «رئيسًا لمصر» وهناك من أعلن نيته فى الترشح وسحب الأوراق وأجرى الكشف الطبى ولم يتمكن من جمع التوكيلات المطلوبة، وهى ظاهرة تكررت فى الانتخابات السابقة، وسوف تتكرر فى أى انتخابات تالية. عمومًا ستجرى الانتخابات بين السيسى وصباحى، ولكلٍّ منهما قطاع من المؤيدين، الأول اكتسب سمات الكاريزما بسبب دعمه وتأييده لثورة الثلاثين من يونيو وقدرته على مخاطبة المصريين بلغة عاطفية تلبى حاجة المصريين للشعور بالأمن والطمأنينة. والثانى صاحب سجل طويل فى العمل السياسى، الحزبى والبرلمانى، وسبق له خوض الانتخابات الرئاسية السابقة وحل فى المرتبة الثالثة بعد مرسى وشفيق حاصدًا قرابة خمسة ملايين صوت. له مؤيدوه من داخل التيار الناصرى، قطاعات كبيرة من اليسار وشريحة مهمة من الشباب، ويظل موقف تيار الإسلام السياسى غامضًا من حيث المشاركة فى التصويت، وإذا ما قرر ذلك فالمؤكد أن غالبية أصواته سوف تتجه لحمدين صباحى لاعتبارات تتعلق بعدم التناقض المبدئى بين الجانبين من ناحية، واعتبارات كراهية المرشح المنافس من ناحية ثانية. ذكرنا فى مقالات سابقة أن كتلة الناخبين تنقسم بالنسبة إلى المرشح لثلاث فئات، فئة الأنصار والمؤيدين، فئة مؤيدى المنافس والأصوات العائمة، أى التى لم تحدد موقفها بعد، وقلنا إن حملة المرشح ينبغى أن تركز بالترتيب على الحفاظ على تماسك فئة الأنصار والمؤيدين وعدم خسارة أى مكون منها، ثم تستهدف استقطاب أكبر نسبة ممكنة من الأصوات العائمة، تلك الأصوات التى لم تقرر بعد لمن سوف تصوت، تراقب المشهد وتتابع الحملات الانتخابية وتحاول تكوين رأى تجاه المرشحين، وربما تتأثر بطريقة أداء المرشح أو حملته الانتخابية، وأخيرًا يأتى هدف تفتيت كتلة المرشح المنافس ومحاولة استقطاب أى نسبة منها، وهى كما قلنا المهمة الأصعب. وفى تقديرى أن الخلط فى الترتيب يأتى عادة بنتائج عكسية، بمعنى أن البدء بهدف تفتيت كتلة المرشح المنافس يرتب ردود فعل عكسية، أولا هو يأتى على حساب الهدف الأول وهو كسب ناخبين جدد من كتلة الأصوات العائمة، كما أنه عادة ما يؤدى إلى نفور الكتلة الأخيرة (العائمة) من حملة المرشح الذى لا دور له سوى الهجوم على المرشح المنافس. ويبدو واضحًا أن الحملة التى تركز على مزايا مرشحها وبرنامجه الانتخابى عادة ما تنجح فى كسب القطاع الأكبر من الأصوات العائمة، كما أنها تكون أكثر قدرة على تمتين وتقوية كتلتها بسبب الثقة التى تبثها فى نفوس المؤيدين، هذا بعكس حملة المرشح التى لا همَّ لها سوى الهجوم على المرشح المنافس ومحاولة تشويهه، فهذا التوجه يعنى للرأى العام أن مرشحها لا يمتلك رؤية يقدمها للشعب، ولا مزايا نسبية لديه يركز عليها، وأن كل ما لدى حملة المرشح هو عملية هجوم مرتب على المرشح الآخر، وهنا تكون بداية الإقرار المبدئى بعدم القدرة على المنافسة والتسليم بالخسارة مبكرًا. لذلك نتمنى أن تركز حملة المرشحين، المشير السيسى والسيد صباحى على مرشحها وبرنامجه.. ما لديه ليقدمه للشعب من برامج ومشروعات، المزايا النسبية للمرشح، وأن ترسى أجواء من الاحترام المتبادل بين المرشحين والحملتين، فواحد منهما سوف يكسب ويصبح رئيسًا للجمهورية، والآخر سيظل يلعب دورًا سياسيًّا مهمًّا حتى من موقع المعارضة، وقد تقتضى مصالح البلاد التعاون بينهما فى مواقف معينة، وقد يستعين الرئيس بمنافسه الخاسر، ولذلك لا بد أن ترسى المبادئ من مرحلة مبكرة أى منذ بدء السباق الانتخابى.