بسبب الخوف من بطش بشار الأسد لم يحضر مخرج وأبطال فيلم «دمشق مع حبى» إلى مهرجان وهران رغم تأكيدهم قبل إقامة بداية الفاعليات تلبية الدعوة.. كانت الجزائر منذ قيام الثورة السورية هى الأقرب رسميا إلى النظام، فهى مع لبنان يتحفظان على قرارات جامعة الدول العربية، ومن الممكن تفهُّم الموقف اللبنانى بالطبع الذى تتغلغل فيه القبضة السورية، ولكن كان الانصياع الجزائرى هو الذى يدعو إلى الدهشة.. الجزائر مؤخرا قللت درجات التحفظ وعلى الفور جاءت التعليمات الشفهية للفنانين بالمقاطعة.. لا يوجد ورق معتمَد من وزارة الثقافة مثلا يشير إلى ذلك ولم يتعود لا الأسد الأب ولا الابن على إصدار قرارات مماثلة، إلا أن وسائل الإعلام السورية تبدأ بعد ذلك فى الترويج على أساس أن الفنان من واقع التزامه الوطنى هو الذى رفض السفر. سوف تلاحظ أن أغلب المهرجانات الخليجية مثلا لم يحضرها النجوم الذين تعودنا رؤيتهم، حيث إن هناك دائما ضوءا أخضر ينبغى الحصول عليه.. القوة الناعمة السورية لا أتصور أنهم يذوبون عشقا فى بشار الأسد، ولكنه الخوف.. هل من الممكن أن تجد فنانا يعشق الديكتاتور ويهيم حبا بكبت الحريات.. إنه الخوف من قسوة العقاب الذى يهيمن على الجميع! حضرَت إلى وهران السورية جومانة مراد وتحدثت فى ندوة فيلم «كف القمر» باللهجة المصرية، فهى تريد أن توصل رسالة إلى السلطة هناك بأنها حضرت هذه المرة لأنها إحدى بطلات الفيلم المصرى.. شىء من هذا من الممكن أن تجده فى موقف كندة علوش التى شاركت قبلها فى دبى فى الفيلم المصرى «واحد صحيح» باعتبارها أيضا واحدة من الوفد المصرى.. النظام السورى من الممكن أن يتسامح على مضض ولكنه لا يتحمل مواقف أخرى أكثر مباشرة مثل المخرجين نبيل المالح ومحمد ملص وأسامة محمد الذين يهاجمون مباشرة النظام السورى.. ملص لا تزال إقامته فى سوريا يسافر ويعود ويدلى برأيه ضد النظام والقمع ولكن المالح وأسامة إقامتهما صارت خارج سوريا.. الفنانة مى سكاف تشارك فى مظاهرات الثوار وتتحدى بطش الأسد داخل معقله فى دمشق بينما اختار عدد من الفنانين السوريين الصمت مثل جمال سليمان فهو لم يستطع لا إرضاء النظام ولا الثوار، ورغم ذلك تعرض للتوبيخ عندما سافر إلى مهرجان الدوحة ولم يتحدث إلى أى فضائية خوفا من أن تفلت كلمة هنا أو هناك، وأشاعوا أنه أجرى حوارا ل«الجزيرة»، العدو رقم واحد للنظام السورى، وأنكر واعتبر أن المقصود بتلك الشائعة هو التعريض به، والمؤكَّد أن جمال يعلم أن الخطأ الذى ارتكبه هو أنه لم يلتزم بقرار المقاطعة الذى تختلط فيه السياسة بالثقافة، تلك هى شريعة الدول العربية حيث تطل دائما السياسة لتهيمن على المشهد الثقافى.. تستطيع مثلا أن تكتشف لو تابعت مهرجان دمشق السينمائى أنه يمنح جوائزه بمؤشر سياسى.. مصر تحصل على جوائز عندما يصبح الخط السياسى فى أحسن حالاته.. مصر تُحرَم منها عندما تتعارض الرؤية أو تتباين المواقف، حتى الدعوات للفنانين تخضع لتلك الرؤية! الفنان السورى تم تدجينه، أتحدث بالطبع عن الأغلبية التى تخشى بطش الأسد وتَربَّت من أيام حافظ الأسد على الولاء والطاعة العمياء خصوصا أن الأسد ونظامه يملكون مفاتيح تشغيل الفنانين أو تجميدهم.. وهكذا من الممكن أن تجد مثلا أن الفنان السورى الذى يعمل بمصر لديه مساحة ما من الحرية غير متوفرة لزميله الذى لا يشارك فى أعمال فنية خارج الحدود! النظام السورى صار متوترا لا يستطيع أن يتحمل أى نقد يطوله ولهذا أضاف إلى خطوط دفاعه الفنان المغلوب على أمره الذى يتحرك وفقا لريموت كنترول السلطة، فهو إذا سافر خارج الحدود ولم يلتزم بقرار الأسد الشفهى قد يجد نفسه غير قادر على العودة إلى وطنه تخوفا من المطاردة الأمنية له ولأسرته وكل من يمتّ إليه بصلة قربى أو نَسَب.. هذه هى الأسلحة التى لا تزال بحوزة الأسد، إنها القوة الناعمة التى أصبحت بعد الثورة السورية القوة المدجَّنة.. لست أدرى هل أشفق على الفنان السورى الذى أصبح مهيض الجناح أم أعتب عليه لأنه صار ملتزما بتعليمات الريموت كنترول!