عيار 21 الآن: سعر الذهب اليوم السبت 11 مايو 2024    أسعار الأسماك اليوم السبت 11-5-2024 في الدقهلية    أسعار الأسمنت في الأسواق المحلية في 11-5-2024    وزيرة البيئة تعلن مشاركة مصر في الاحتفال باليوم العالمي للطيور المهاجرة 2024    ماذا قالت الخارجية الأمريكية في تقريرها عن انتهاك إسرائيل للقانون الدولي؟    الليلة.. الأهلي يحل ضيفا ثقيلا على بلدية المحلة في الدوري    سفيان رحيمي يقود تشكيل العين لمواجهة يوكوهاما بنهائي أبطال آسيا    حبس المتهمين بحيازة 6 آلاف قرص تامول و23 كيلو حشيش وأفيون في الإسكندرية    "خلاص قرب حضر الأضحية".. موعد عيد في الأضحى 2024 في الجزائر    16 نصيحة لطلاب الثانوية العامة 2024 للإجابة عن الأسئلة المقالية في الامتحانات    تعرف على إيرادات فيلم "السرب" منذ طرحه في السينمات    لهذا السبب.. بسمة بوسيل تتصدر تريند "جوجل"    شروط وأحكام حج الغير وفقًا لدار الإفتاء المصرية    صحة أسيوط: إحالة 7 أطباء ورئيسة تمريض للتحقيقات العاجلة    مصرع شخص صدمته سيارة طائشة على طريق الكورنيش في بني سويف    وصول المتهم بقتل 3 مصريين في قطر لمحكمة جنايات القاهرة    توريد 164 ألف طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    وزير الأوقاف: بناء جيل جديد من الأئمة المثقفين أكثر وعيًا بقضايا العصر    "الوزراء" يكشف 5 مفاجآت جديدة للزائرين بالمتحف المصري الكبير (فيديو)    "لا يتمتع بأي صفة شرعية".. الإمارات تهاجم نتنياهو بسبب تصريحاته الأخيرة    وزير الإسكان يتابع تعظيم الاستفادة من الموارد المائية المتاحة    وزير الصحة: توفير البروتوكولات العلاجية الأكثر تقدما بالعالم لمرضى الأورام    رئيس الرعاية الصحية يتفقد مستشفى الكرنك الدولي    «الصحة»: نتعاون مع معهد جوستاف روسي الفرنسي لإحداث ثورة في علاج السرطان    مواجهة القمة والقاع| الهلال يلتقي الحزم للتتويج بلقب الدوري السعودي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم السبت    بعد قطع العلاقات الدبلوماسية.. رئيس كولومبيا يدعو «الجنائية الدولية» لإصدار مذكرة توقيف بحق نتنياهو    لعدم الانضباط .. إحالة طاقم النوبتجية بمركز طب الأسرة ب«الروافع» في سوهاج للتحقيق    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحاضر في ندوة بجامعة سوهاج    مدرب الزمالك يكشف التشكيل المثالي أمام نهضة بركان    غدا.. "الشيوخ" يناقش خطط التوسع بمراكز التنمية الشبابية ودور السياسات المالية لتحقيق التنمية الاقتصادية    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مصرع سيدة سقطت من شرفة منزلها أثناء نشر الغسيل لجرجا سوهاج    الشيبي يهدد لجنة الانضباط: هضرب الشحات قلمين الماتش الجاي    تعليق صادم من جاياردو بعد خماسية الاتفاق    شاروخان يصور فيلمه الجديد في مصر (تفاصيل)    عمال الجيزة: أنشأنا فندقًا بالاتحاد لتعظيم استثمارات الأصول | خاص    التعليم العالي تعلن فتح برامج المبادرة المصرية اليابانية للتعليم EJEP    إبراهيم سعيد ل محمد الشناوي:" مش عيب أنك تكون على دكة الاحتياطي"    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    كرم جبر: أمريكا دولة متخبطة ولم تذرف دمعة واحدة للمذابح التي يقوم بها نتنياهو    الغرفة التجارية: توقعات بانخفاض أسعار الدواجن والبيض الفترة المقبلة    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    الهلال ضد الحزم.. أكثر 5 أندية تتويجا بلقب الدوري السعودي    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    بلينكن يقدم تقريرا مثيرا للجدل.. هل ارتكبت إسرائيل جرائم حرب في غزة؟    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس تونس

فرّ الديكتاتور إلى المجهول، وكان الواهمون يعتقدون أنه سيموت جالسا على عرشه. قبل فراره بساعات وقف «بن على» كسيراً يستعطف شعبه، ولولا خوفه من الشماتة لبكى أمام الكاميرا، لكنه ربما فعلها قبل التصوير وبعده، أو وهو يجلس تائها على مقعده الوثير مأخوذا إلى المنفى، وقبلها بساعات لا شك أنه قد بكى وهو يطالع خبرا متداولا يقول: «مروحيتان جاهزتان لتهريبه إلى مالطة».
يستجمع الرئيس الهارب ما بقى له من قوة ويقول: «لا رئاسة إلى الأبد»، فيأتيه الرد: ارحل فورا أيها الظالم الجائر، ثم يبث شباب تونس العظيم رسائله على الإنترنت: «لا تدعوا بن على يفلت» .. «نشم رائحة النصر .. إنها نهاية الديكتاتور ... تشجعوا»، وترفع شابة حسناء تقف وسط حشد ساخط فى شارع وسيع لافتة مكتوباً عليها: «بن على ... كفاية»، ويصرخ الناس فى الشوارع: «ارحل يا جلاد الشعب».
فوق أى توقعات، وعلى غير ما توهم الحاكم المستبد وبطانته الفاسدة، انطلقت البداية بمدينة صغيرة اسمها «سيدى بوزيد» حين أحرق محمد البوعزيزى نفسه غبنا من بطالته المزمنة وكرامته الجريحة، فانطلقت من جسده المشوى شرارات سقطت فى كل مدن تونس، فخرج الناس يصرخون: «لنا العمل يا عصابة اللصوص».
قبل شهرين كان بن على يعتقد أنه باق فى منصبه لن يزحزحه عنه إلا عزرائيل، ولم يلق بالاً للجدران الشاهقة التى تقوم بينه وبين شعبه. كان الرئيس العجوز فى منتجعه ينعم بالهدوء، وأفراد أسرته يدسون أنوفهم فى تسيير البلاد ويكنزون ثروات طائلة، وزوجته تعين وزراء وتفسح الطريق لذويها ليضعوا أياديهم على كل شىء، ورئيس وزرائه يتباهى بمعدل نمو كبير يذهب لجيوب رجال النظام، وشباب تونس تأكله الحسرة من ضيق الرزق وانسداد الأفق، وسفير الولايات المتحدة السابق فى تونس يكتب برقية لإدارته تلخص حالة بن على: «لقد فقد هو ونظامه التواصل مع الشعب، الفساد فى الدائرة المحيطة به يتزايد، والمواطنون يدركون هذا، وصوتهم يعلو بشكوى مُرّة».
قبل شهرين، كانت تونس تعيش فى الظلام، هامش حرية التفكير والتعبير والتدبير ضاق حتى تلاشى، الأحزاب أُلحقت بالسلطة وماتت السياسة. الحزب الوحيد الذى كان يعارض أسقطوه بالتزوير فلم يعد له تمثيل فى البرلمان، والنقابات والمجتمع المدنى يرسفان تحت أغلال قوانين حديدية جائرة، والسجون مفتوحة على مصاريعها لكل من يقول لا ولو فى سره الدفين، والتليفزيون الرسمى يسبّح صباح مساء باسم الرئيس، ويقول: «كل شىء يجرى بفضل توجيهاته الحكيمة»، ثم يهاجم حركة «النهضة الإسلامية» وينعتها على الدوام بأنها «المحظورة» ويقدمها «فزاعة» للغرب فيرضى عن «بن على» ويشد على يديه ويغض الطرف عن انتهاكاته.
كل هذا كان يسمعه ويتابعه البوعزيزى، خريج الجامعة، حين يعود متعبا فى المساء بعد أن يقضى ساعات طويلة واقفا إلى جانب عربة صغيرة عليها أقفاص متهالكة مملوءة بالخضار والفاكهة ليبيع للفقراء بعض بضاعته ويدس فى جيبه ربحا بسيطا يبقيه على قيد الحياة عند حد الكفاف. أمثال البوعزيزى كانوا جالسين على المقاهى، ومتسكعين على الأرصفة، ومحجوزين خلف أسوار السجون، وفجأة انتفضوا فاهتز عرش المستبد، فراح يهذى: «إنهم قلة مندسة» «المتطرفون يريدون الاستيلاء على الحكم»، ثم يطلق رجاله ينهبون ويضربون ليشوه حركة الاحتجاج العظيمة ويقول: «نواجه عصابات ملثمة، إنهم إرهابيون»، قاصداً بهذا أن يستنهض حلفاءه فى الغرب لينقذوه، وكيف لا وهو «صديقهم الحميم» والرجل الذى يفعل فى بلاده ما يحلو لهم، ويتعاون معهم فى كل شىء على حساب خصوصيات تونس الثقافية ومصالحها الوطنية، ليحتفظ بعرشه.لم يجلس «بن على» مع نفسه ساعة واحدة ليراجع ما تصنعه يداه على مدار ثلاثة وعشرين عاما حكم خلالها تونس بالحديد والنار،
ولم يصدق أبدا الشاعر التونسى العظيم أبوالقاسم الشابى حين نظم: «إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلابد أن يستجيب القدر»، ولم ينصت إلى أى صوت قال له: «الدولة البوليسية لا قرار لها»، و«جمهورية الخوف لا تعيش طويلا»، و«قتل المؤسسات المستقلة يفتح باب الفوضى»، و«الجوع كافر»، و«الخصخصة لا تعنى إفقار الأغلبية»، ولاشك أن الندم كاد يفترسه وهو يرى ضباط الشرطة وجنودها يلقون شاراتهم أمام شعب أصر على الحرية، ويرفع بعضهم أصبعيه بعلامة النصر تضامنا مع ناس كانوا يركلونهم ويطلقون النار على صدورهم قبل ساعات. ولاشك أن الندم كاد يرديه صريعا وهو يتذكر وعوده التى أطلقها حين جاء إلى الحكم: «التغيير ضرورة»، و«التحول المبارك»، و«العهد الجديد»، و«لا للفساد»، و«لا للمحسوبية»، و«لا للرئاسة مدى الحياة»، لكنه تنكر لكل هذا تباعا، وقبض على كل شىء، وصنع لكفنه آلاف الجيوب.
أمثال «بن على» لا يجلسون مع أنفسهم أبدا، ولا يطربون إلا لسماع أصوات المنافقين الذين يقولون لهم: «فى عهدك تحقق لبلادنا أعلى معدلات الأمان الاقتصادى»، فإن سألوهم عن الشعب قالوا: «يرفلون فى نعيم مقيم ويقدمون فروض الولاء والطاعة»، فإن تشككوا وأعادوا السؤال على بطانتهم: «هل يمكن أن نلحق ب(بن على) يوما؟»، ستأتيهم الإجابة: «أبدا، كل شىء على ما يرام، الشعب غافل نائم خائف راض، والشرطة يقظة والعسس يجوبون الشوارع والحوارى وأبواق الإعلام تطلق ما نريد، فمن أين يأتى الخطر؟»، فإن زادت الشكوك وتساءلوا: «لكن كل هذا كان فى قبضة (بن على) وراح كل شىء منه فى ساعات»، سيرد المنافقون: «شعبنا مختلف، تجربتنا مغايرة، نظامنا أذكى». هؤلاء المنافقون فئران السفينة الآكلون على كل الموائد، يضعون أياديهم على قلوبهم حين يختلون بأنفسهم وينظرون فى المرايا ويقولون دون أن يسمعهم أحد: «كل شىء وارد».
المصرى اليوم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.