ب«الرأسي والأفقي».. التضامن: ربط 2600 وحدة مميكنة ضمن منظومة الشكاوي لتقديم أفضل خدمة    بعد ارتفاعه.. سعر الريال السعودي اليوم الأربعاء 29-5-2024 مقابل الجنيه المصري في البنك الأهلي    «المشاط» تبحث مع وزير التنمية البريطاني التعاون بمجال الزراعة والأمن الغذائي    منها مبادرة الحزام والطريق.. السيسي ونظيره الصيني يشهدان توقيع اتفاقات تعاون    كريم فؤاد: كورونا سبب انضمامي للنادي الأهلي.. وهذه نصيحة معلول لي    «شمال سيناء الأزهرية» تستعد لاستقبال امتحانات الشهادة الثانوية    جمهور السينما يتجاهل أفلام بيومي فؤاد في دور العرض,, ما القصة؟    لماذا أسلم البروفيسور آرثر أليسون؟    محافظ الدقهلية يشهد استلام مليون و250 الف ذريعة سمكية من اسماك البلطي    بغداد بونجاح ينضم لصفوف الأهلي.. شوبير يكشف الحقيقة    ليكيب: مبابي لم يحصل على راتبه من باريس منذ شهر إبريل    لصرف معاشات شهر يونيو| بنك ناصر الاجتماعي يفتح أبوابه "استثنائيًا" السبت المقبل    مصرع شخص إثر حادث انقلاب موتوسيكل في الشرقية    تأجيل محاكمة 5 متهمين بخطف شاب في التجمع    "تعليم الجيزة" يكرم أعضاء المتابعة الفنية والتوجيهات وأعضاء القوافل المركزية    حريق يتسبب في تفحم محتويات شقة سكنية في منطقة الحوامدية    تحليل CNN: كشف المواقع والتفاصيل للغارة الإسرائيلية على مخيم النازحين الفلسطينيين    خبيرة فلك تبشر مواليد برج الدلو في 2024    جوتيريش يدين بشدة محاولة كوريا الشمالية إطلاق قمر صناعي عسكري    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    جيش مصر قادر    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    سؤال برلماني بشأن آلية الدولة لحل أزمة نقص الدواء    كأس مصر، موعد مباراة الجيش وبورفؤاد والقناة الناقلة    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    رئيس جهاز 6 أكتوبر يتابع سير العمل بمحطة مياه الشرب وتوسعاتها    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    ورش تدريب على ضوابط ترخيص البيوت الصغيرة لرعاية الأطفال في الدقهلية    رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    اليوم.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية    الجيش الإسرائيلي: مقتل 3 جنود وإصابة 10 في معارك رفح    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    السبت | «متحف الحضارة» يحتفي برحلة العائلة المقدسة    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات اليوم الأربعاء    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    60% للشركة و25% للصيدلية، شعبة الأدوية تكشف حجم الاستفادة من زيادة أسعار الدواء    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    مقترح إسرائيلي جديد لحماس لعقد صفقة تبادل أسرى    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    فيديو ترويجي لشخصية إياد نصار في مسلسل مفترق طرق    «شمتانين فيه عشان مش بيلعب في الأهلي أو الزمالك»..أحمد عيد تعليقا على أزمة رمضان صبحي    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما يكتشف المصريّون... تركيا ماذا يمكن للمصريين أن يستلهموا من التجربة التركية

قام صحافيان مصريان برحلة إلى تركيا، بحثاً عن نموذجها واستلهاماً لدروسٍ منها في مخاض الثورة المصريّة، الذي يبدو عسيراً بين المجلس العسكريّ والتيارات الإسلاميّة. رحلة استكشافيّة بين علمانيّة الدولة وإسلام العدالة والتنمية،
وبين الهويّة الأسطوريّة والدور الإقليمي، وبين التطلّع إلى أوروبا وسياسات التوسّع الاقتصادي. هل تشكّل تركيا إذاً نموذجاً لمآلات الربيع العربي، أم هي قوّة إقليميّة صاعدة تأخذ دورها في ظلّ التطوّرات المتسارعة في المنطقة؟
مساء 7 أيلول/سبتمبر وصلنا إلى مطار أتاتورك الدولي في الجزء الأوروبي من مدينة اسطنبول. قصدنا تركيا في حين تركنا خلفنا جدالاً واسعاً فى القاهرة تردّد صداه فى العواصم العربيّة المختلفة، حول زيارة "رجب طيّب إردوغان" رئيس الوزراء التركي لبلدان الربيع العربي، أو تلك التي شهدت ثورات وانتفاضات شعبية، باستثناء صنعاء في اليمن. ربما لم يودّ إردوغان أن يغضب من خلال اليمن المملكة العربيّة السعودية التي تتصدّر زعامة العالم الإسلامي، روحياً على الأقل، والتى ينافسها إردوغان على زعامته الماديّة، بعد أن كان الزعيم كمال أتاتورك قد تخلّى عن الخلافة الإسلامية في 1924، وفقدت تركيا تأثيرها المعنوي فيه. "رجب" [1]، وهو الاسم الأول لإردوغان، يحقّق الكثير من التقارب مع المسلمين؛ وقد نجح إردوغان في أن يعزّز هذا التقارب بمواقفه التصعيدية تجاه إسرائيل، حين أعلنت الحكومة التركية يوم 2 أيلول/سبتمبر الماضي طرد السفير الإسرائيلي وتخفيض تمثيلها الدبلوماسي في إسرائيل إلى مستوى السكرتير الثاني وتجميد الاتفاقيات العسكرية معها [2]. منذ تخلّي الرئيس المصرى السابق حسني مبارك عن الحكم فى 11 شباط/فبراير الماضي، وهناك محاولات للمقارنة بين الحالة المصرية والنموذج التركي، ومحاولات أخرى محمومة من قبل كثيرين تبحث فى فرص استلهام النموذج التركي الذى أسّس له حزب العدالة والتنمية منذ عام 2002 فى بناء النهضة المصرية الجديدة المرجوّة. على رغم أنّ تركيا تختلف فى تجربتها عن مصر في كثير من الجوانب، إلاّ أنّها بالتأكيد تتشابه معها فى جوانب أخرى: إذ ليست جسراً بين الشرق والغرب، كما يتصوّر العديد من المثقّفين العرب. حتّى نحن قبل أن نذهب إلى هناك، كنّا نتصوّر أن ذلك ربما يكون صحيحاً. لكنّ الواقع إنّها بلد يحتوي الشرق والغرب معاً، وهذا سحر تركيا الذى يرسم شخصيّتها دون تصنّع أو ادّعاء. والحقيقة أنّ هذا الواقع ليس أمنيات أو خيارات فكريّة، كما يجري في مصر، وتعكسه كتابات بعض المثقّفين عن الانتماء الأوروبي أو المتوسطي لمصر، إنّما هو واقع معاش لدولة ورثت إمبراطوريّة كبرى استمرت أكثر من أربعة قرون على جزءٍ واسع من الأراضي الأوروبيّة.
استقبل عددٌ من الإسلاميين رئيس الوزراء التركي عند وصوله مطار القاهرة، بشعار «الله أكبر ولله الحمد»، وهتفوا له باعتباره خليفاً جديداً للمسلمين. هكذا استقبال يدلّ على أنّ هؤلاء لا يعرفوا شيئاً عن التجربة التركية التي دخل فيها إردوغان السجن لأنّه ألقى فى مؤتمر سياسي قصائد دينيّة عن التراث العثماني، جاء فيها أنّ "المساجد هي ثكناتنا، والقباب خوذات لدينا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا...". وهو ما يتعارض تماماً مع مبدأ فصل الدين عن الدولة في تركيا [3]. لكنّ الصدمة كانت كبيرة في مصر، حينما أكّد إردوغان على علمانية الدولة التركية؛ فانقلب عليه المحتفون به، وحوّلوه من حامي حمى الإسلام إلى متدخّل في الشأن الداخلي المصري.
جسّد حفل العشاء الذي أقيم في أحد فنادق القاهرة على شرف الضيف التركي، وحضره سياسيون وشخصيات عامّة مصرية، والعديد من المثقّفين الفروق الكبيرة بين العرب والأتراك. أحد المشاركين كان الباحث السياسي الدكتور عمرو الشوبكي، يقول: "ما زال كثير من الإسلاميين يتذكّرون مؤتمراً عقد منذ عشر سنوات فى اسطنبول، وسئل فيه قادة أحزابٍ إسلامية عما يتمنّونه في المستقبل، فقال بعضهم تحرير فلسطين، وتحدّث البعض الآخر عن إسقاط النظم الكافرة، وتحدّث ثالث عن محاربة العلمانيّة والإلحاد، أما إردوغان الذي كان وقتها عمدة مدينة اسطنبول، فقال إنّه يأمل أن يزيل القمامة من مدينته ويحسّن خدماتها، فبدأ رحلته فيما لا نفكّر فيه ووصل إلى ما نحلم نحن به" [4].
هذا المشهد بالضبط ربما يمنح الإجابة الأساسيّة على سؤال كيف نجح إردوغان وأخفق العرب.
هذه الأنباء كانت تأتينا من القاهرة لتزيد حماسنا لمعرفة "النموذج التركي". "مصطفى أوزكان"، وهو أحد تلامذة فتح الله جولن أحد أبرز رموز التيار الإسلامي، يقول: النموذج التركي لا يصلح للتطبيق فى البلاد العربية، والتجارب العربية لا تصلح للأتراك، فكلّ بلدٍ له تجربته الخاصّة، التي تتشكّل عبر تاريخٍ طويلٍ ومعقّد".
تركيا لها مصالح استراتيجيّة
في لقاءٍ مع الصحفي التركي ورئيس تحرير مجلة "طرف" اليساريّة "روني مارغولياس" في أحد المحلاّت المطلّة على ميدان "تقسيم taksim" الشهير، كانت بداية المقابلة غير مشجّعة ولا تدعو للتفاؤل. بدت في كلامه نزعة قومية متشدّدة للوهلة الأولى، حيث استقبلنا بجملةٍ واحدة: "بلادنا احتلّت بلادكم خمسمائة سنة". بعد مرور بعض الوقت والنقاشات المحتدمة أحياناً والليّنة أحياناً أخرى، تأكّدنا أنّه لم يقصد أن يوّجه إلينا إهانةً أكثر من كونه حاول التأكيد على حقيقةٍ تاريخية. كما أراد الإصرار على ما سبق وسمعته من "أوزكان"، وهو أنّ تركيا لها مصالحها الاستراتيجية، صنعها أو بالأحرى أعاد صياغتها وبلورتها من جديد كمال أتاتورك، ويحافظ عليها إردوغان اليوم؛ ومن سيأتي بعده لا يستطيع أن يفعل غير ذلك.
جاءت تحوّلات التجربة التركية في سياق الاستمراريّة، وليس على أرضية القطيعة. إذ أنّ الجمهورية ظلّت مدنيّة علمانيّة أكثر من 85 عاماً، مما ساعد طرفي المعادلة السياسية - أي المؤسسة العسكرية والتيارات العلمانية الكماليّة من جانب (أي تلك المرتبطة بمصطفى كمال أتاتورك، مؤسّس الجمهورية والنظام العلماني فى تركيا)، والتنظيمات الإسلامية من جانب آخر - على إحداث توافقات يحكمها الدستور والقانون. ممّا أدّى في النهاية إلى أن يصل الإسلاميون، الذين واجههم مصطفى أتاتورك وحزبه بقوّة، إلى الحكم؛ وأصبح هناك قبل نهاية الألفية الثانية تيّار إسلامي ديمقراطي بقيادة الراحل نجم الدين أربكان. ومع بداية الألفية الثالثة، وصل إلى الحكم تيّار آخر، ذو ثقافة إسلاميّة ويعرف نفسه بأنّه تيار محافظ ديمقراطي يتبنى العلمانية بمعنييها الديمقراطي والإنساني، ويقوده رئيس الوزراء الحالي رجب طيب أردوغان [5].
تقودنا الشواهد والتجارب هنا فى تركيا إلى نتائج واضحة لا لبس فيها. يوم الجمعة، اصطحبني أصدقاء أتراك للصلاة فى أحد المساجد التي تتميّز بها اسطنبول. كانت خطبة الجمعة باللغة التركية، وفي كل مرّة تواجه مشكلة اجتماعية، وغير مسموح لمن يلقيها بالتطرّق إلى القضايا السياسية. هذا فصل واضح بين الدين والدولة، يؤمن به الجميع هنا لطالما صوتوا لصالح "العدالة والتنمية" بعد تأكدهم من أنّه سيلتزم قواعد الديمقراطية أكثر من أي حزبٍ آخر؛ وهو الأمر الذى ساعد إردوغان على أن يضع قادة الجيش الذين كانوا يدبّرون لانقلابٍ عسكريّ فى السجن. وهذا ما أكد عليه "مارغولياس"، في معرض الإجابة على آخر سؤال وجهناه إليه.
وفى إطار اللقاءات المنظّمة وحملة الدعاية التي صحبت زيارة إردوغان لدول الربيع العربي، قال مسؤول العلاقات الخارجية فى حزب العدالة والتنمية عمر فاروق قلايجى:" صحيحٌ أنّ المؤسّسة العسكرية لها قيمها ومكانتها فى نفوس كل الأتراك، لكنّ الديمقراطية لها ثمن. ومن أجل تحقيق المزيد من الحريات في مجال حقوق الإنسان، والمزيد من الاستقرار السياسى الداعم للنموّ الاقتصادي، كان علينا إفساح الطريق شيئاً فشيئاً للدولة المدنية. وهو ما تمّ بتأييد الشعب التركي، الذي أيّد التعديلات الدستورية عام 2010 ، وينتظر دستوراً جديداً نخطو به خطوات واسعة نحو مزيد من التقدم" [6].
بعد انتهاء اللقاء دعتنا صديقة تركية، وهى أستاذة مساعدة للأدب والتاريخ العثماني القديم فى إحدى جامعات اسطنبول، اسمها "ديدم"، لزيارة معرض الكتب والصحف والصور القديمة. كان مثيراً بالنسبة لنا أن نرى الصحف التركية القديمة وقد كتبت بحروفٍ عربية فى زمن الخلافة العثمانية. مثل جريدة اسمها "وقت" كانت تصدر من القسم الآسيوي. شاهدنا فى هذا المعرض صوراً فوتوغرافية قديمة لأسر وعائلاتٍ تركية-عربية مشتركة، عاشت هنا وفي القاهرة وفى رام الله وبيت لحم ودمشق وغيرها من العواصم والمدن العربية التي كانت تخضع لولاية العثمانيين. وعلى مسافة خطوات من هذا المعرض، هناك فى شارع "استقلال" الشهير عمارة أنيقة تشبه عمارة لوبون الواقعة فى حي وسط البلد بالقاهرة، وهي عمارة بناها أحد أمراء الأسرة المالكة فى مصر حتّى 1952 هو عباس حليم باشا. كلّ ذلك من شواهد التاريخ المشترك، بيننا وبين الأتراك. لكن الأتراك لا يتوقّفوا عند هذا التاريخ طويلاً، إلاّ من باب الفلكلور والاستمتاع بمناظر الماضي الذى كان عظيماً بالنسبة لهم كأمبراطورية، والمفترض أنّه كان تعيساً بالنسبة لنا كمحتلّين كما قال مارغولياس. لأنّ بلاده تطمح وتنظر دائماً نحو المستقبل، فيما يتشعلق العرب بماضيهم (!).
العرب وإردوغان
"نحن في النهاية إخوة. رئيس وزرائنا هو رئيس وزرائكم. لذا من فضلكم لا تتردّدوا في استعارته، ورجاءاً لا تشعروا بالتزامٍ بضرورة إعادته إلينا قريباً. لم يكن المسلمون يوماً جشعين. هم يعرفون جيداً تقاسم ما لديهم من نفائس. أعلم أنّكم تتوقون إلى زعيمٍ مثل جمال عبد الناصر، وأعلم أيضاً أنّكم مررتم بأربعة عقودٍ غير سعيدة. لكن لحسن الحظ أنّه أفضل من ناصر، فرئيس وزرائنا «أكثر إسلاماً» من الراحل عبد الناصر. ربما يكون غير عربيّ، لكنه يحاول جاهداً أن يكون عربياً. النبأ السار هو أنّه لدينا عرضٌ خاصّ لكم أيّها الإخوة: إذا استعرتم رئيس وزرائنا، فسوف نعيركم وزير الخارجية أيضاً. فما نفع الإخوة إذن إن لم نفعل ذلك؟
إنّ إخوتكم الأتراك يدركون جيداً مدى الإهانة والصدمة الجماعية التي تعانون منها بسبب حروب 1948 و1956 و1967 و1973 و1982. إنّه صلاح الدين الأيوبي الجديد الذي يعدكم بالأرض التي تعتقدون أنّها لكم، الأرض التي أنتم مستعدون للقتال من أجلها والموت دونها". هذه مقتطفات نشرتها جريدة "حرية" التركية، ضمن مقال فيه الكثير من السخرية للكاتب والصحافي "بوراك بيكديل" [7].
هناك صورة ضبابية يرسمها الأتراك عن العرب ويرسمها العرب عن الأتراك. صحيح أنّ المسافة من القاهرة لاسطنبول ساعتان بالطائرة، وأنّ هناك علاقات قديمة وحدود مشتركة مع دول عربية؛ إلاّ أن الصورة مشوّشة لدى الجانبين.
فى لقاءٍ مع رئيس محطة "زمان يولو" التلفزيونية - تعني باللغة العربية المجرّة الكونية- أكّد "مظهر أرسلان أوغلو" على أنّ المشاهد التركي لم يكن يهتمّ بما يحدث هناك على الجانب الآخر من شاطئ البحر المتوسط، باستثناء إسرائيل، ولا بما يجري في البلاد العربية إلاّ بعد اندلاع الثورات هناك. لكنّهم كمحطة تلفزيونية كانوا ينقلون الأخبار عن المحطات والوكالات الأوروبية والأمريكية.
لا شك أن تركيا حاضرة هنا فى العالم العربي، أو كما يقول الرئيس عبدالله غول عندما التقى بعض الشباب العرب الذين قادوا الثورات فى بلادهم: "تركيا أصبحت دولة ملهمة للشعوب العربية، لأنّها استطاعت أن تواجه صعوبات كبيرة وتجتازها بنجاح". لكن بالمقابل، العالم العربي غير حاضرٍ هنا، ولم يكن أحد ليهتمّ به هنا في اسطنبول أو أنقرة، العاصمة السياسية، لولا الانتفاضات الشعبية والثورات التي اندلعت. لولا ذلك لما كان أبدى أحد اهتماماً بشيءٍ اسمه العالم العربي. إلاّ أنّ ما زاد هذا الاهتمام، خصوصاً في الأوساط الرسمية أو الثقافية، هو التطلّعات التركية للعب دورٍ أكبر في الشرق الأوسط. كي تتحقّق من ورائه مكاسب اقتصادية جمّة، قد يكون من بينها الغاز الموجود في حوض المتوسط، وكذلك بعضاً من التوازن الاستراتيجيّ، خصوصاً أن تركيا لديها مشكلات عديدة مع اليونان على سبيل المثال؛ فإذا كانت المشكلة مع اليونان ورقة في يد إسرائيل، فلا مانع أن تصبح العواصم العربية ورقةً في يد أنقرة تساوم عليها إسرائيل.
في تركيا، هناك عشرات اللقاءات التي عليك كصحافي أن تجريها، وهناك عشرات وعشرات من الأشخاص الذين يجب أن تستمع لآرائهم وأفكارهم حول العرب وسياسة بلادهم الخارجية والداخلية، وطموحات الانضمام للاتحاد الأوروبي تلك التي لم يعد لها بريق الماضي... عندما تجلس إلى أحدهم تستمع لخليطٍ من الإحساس بالتميّز والفخر الوطني والنقد الذاتي ومراجعة النفس في آنٍ واحد، والتوق والقلق والطموح المحفوف بالمخاطر فى آن واحد أيضاً. تكمن أكبر المخاوف لدى الأتراك في أن الناجح يخشى اقترانه بالفاشل، ويظلّ السؤال: "ما الذي يجعلنا نربط مستقبلنا بالعرب؟" هكذا سألني أحد الصحافيين في جريدة "زمان"، أكبر الصحف التركية انتشاراً والمقرّبة من الحكومة وحزبها.
بالطبع من يحقق نجاحاً يخشى ضياعه؛ والشخصية التركية حسّاسة جدّاً تجاه ذلك. لذا يتحدّثون عن مواطن القوة فى بلادهم، وكذلك عن مواطن الضعف، بالصوت العالي أحياناً، وهمسا أحياناً أخرى. كلّ ذلك يمكن أن تلحظه، إذ أنّ الأتراك مشغولون بأنفسهم بدرجة كبيرة. وفي حين ارتفع عدد السائحين إلى مايزيد عن 32 مليوناً سنوياً، فإنّ ذلك لا يؤشّر على قدرة الأتراك على التواصل مع الآخرين؛ وهذه أبرز نقاط الضعف لديهم.
كان لدينا موعد، ويفترض أن نغادر أسطنبول متوجهين إلى أنقرة. المسافة بينهما 5 ساعات على الأقل، لكن ما أن وصلنا إلى نهاية الجانب الآخر الآسيوي من اسطنبول، حتّى تمّ إلغاء الموعد لأجلٍ غير مسمى. ليس هذا فحسب، بل فقدنا دليلنا التركيّ. وهنا إذا فقدت دليلك، عليك ان تواجه معاناة شديدة فى التواصل مع المواطن التركي الذى لا يعرف غير اللغة التركية. ليست هناك لافتات بالإنجليزية أو العربية مثلاً (في حين هناك 93 في المائة من المسلمين، واللغة العربية هي لغة القرآن). وفجأةً تجد نفسك كطفلٍ صغير عاجزٍ عن التواصل مع من حولك، وتائهٍ فى مدينة كبيرة تنام مبكراً. والمواصلات التى تنقلك من مكانٍ لمكان، خصوصاً إذا أردت العبور من القسم الآسيوي إلى القسم الأوروبي هي أمر في غاية الصعوبة.
وجدنا نفسنا إلى جوار سائق تاكسي، نتعامل معاً بالإشارات. لم تكن هناك كلمة واحدة مشتركة بيننا، سوى تقسيم Taksim، أسم أشهر ميادين اسطنبول الذى يمتدّ منه شارع "استقلال". قلايجى مسؤول العلاقات الخارجية في حزب العدالة والتنمية يقول: "نحن أمّة تحرص على تعليم أبنائها لغتها بشكلٍ جيّد ومتقن، لأنّ تلك لغتنا الأم، وإن لم تفعل ذلك سيكون لديك مشكلة فى الهويّة والأنتماء. لكن فى الوقت نفسه، نعترف بأن لدينا مشكلة في عدم القدرة على تعلّم اللغات الأجنبية بطريقة صحيحة. إذ أنّ نظام التعليم لا يسمح بتعلم اللغات الأجنبية" [8]في تركيا هناك إذاً حالة من الفخر الزائد باللغة الوطنية، كجزءٍ من الإحساس القومي. مثلها في ذلك مثل الأمم التي لها ماضٍ استعماري. لم تكن الخطة التي أعلن عنها وزير التعليم التركي في وقتٍ سابق من هذا العام لتفعيل دراسة اللغة الأنجليزية فى المدارس إلاّ لنشوء حاجة لذلك تتعلّق بالسياحة وبمشروعٍ أكبر وهو أن تصبح تركيا ضمن قائمة أفضل 10 دول فى العالم سنة 2023، على حسب قول قلايجى.
التوجّهات الجديدة للسياسة الخارجية التركيّة
تبدو تركيا وكأنّها تغير من اتجاهاتها فى السياسة الخارجية للتوجّه شرقاً نحو آسيا الوسطى والدول التي استقلّت ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، وكذلك نحو الدول العربية ما بعد الربيع العربي. ولكن هذا لا يعني أنّها نسيت أهميّة أوروبا الإستراتيجية تماماً. ففي رسالة على موقع وزارة الخارجية التركيّة بتاريخ كانون/الأوّل ديسمبر 2009، بمناسبة "اليوم الأوروبي"، يقول "أحمد داود اوغلو"، وزير الخارجية، "إنّ مشروع الاتحاد الأوروبي هو أنجح مشروعٍ في التاريخ الأوروبيّ. وهو مثالٌ حيّ على التوافق وحلّ الخلافات بطريق الحوار والتفاهم، وتحويلها إلى أرضية من التفاهم والسلام والاستقرار... إنّ الشعب التركي يرى في الاتحاد الأوروبيّ مظلة للتطلّعات التي يرنو إليها، ومركزاً للحضارة والرفاه الذين يتطلّع إليهما. وقد أصبحت تركيا في ماضيها التاريخي جزءاً من مرحلة التكامل، وتدلّ الإصلاحات التي تحققت في الفترة الأخيرة في بلدنا على عزمٍ ثابت في هذا الاتجاه".
إذن أيّ تحليلٍ دقيق لسياسات تركيا الخارجية "التحوّلية" نحو العالم العربي على أيدي السيّد "داود أوغلو"، مهندس هذا التحوّل، يجب أن يُفهم على أن تلك العلاقات "جزءٌ" من أبعاد استراتجية مفيدة للمصالح الوطنية الكبرى لتركيا. ولذلك ما يجب إدراكه هو أنّ هذا التوجه "إضافة إلى"، وليس "طرحاً أو انتقاصاً من" اتجاه تركيا نحو الغرب، الذي هو جزء أصيل من هويّة الجمهورية التركية منذ 1923؛ كدولة استقلّت وفقاً "للإسطورة الوطني " التى تميّز كل دولة قوميّة حديثة، المبنية على: فكرة حرب الاستقلال، الدستور العلماني المانح لحريات المواطنين، الدولة ذات القوة العسكريّة. هذه المكونات، إذا ما قورنت بدولٍ أخرى، نجدها أقرب لدولة مثل فرنسا، الدولة الغربية ذات الأغلبية الكاثوليكية من السكان والمحافظة على علمانية الدولة، منها إلى أيّ دولة عربية ذات أغلبية مسلمة أخرى مثلاً. إذن تركيا دولة ذات أغلبيّة مسلمة، ولكنّها ليست دولة إسلامية. وهناك فرقٌ كبيرٌ بين الوصفين. في هذا الإطار، من المنطقيّ أن ترى تركيا نفسها وقد صنعت تاريخاً معاصراً يجعلها تشعر بندّية واستحقاق للانضمام للاتحاد الأوروبي، الذي تنظر إليه نظرة الإحترام والتقدير والرغبة في الإلتحاق به "كنادي حصريّ" لمن نجح وتفوّق اقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً. أمرٌ مختلف عن نظرة البلدان العربية نحو الدول الأوروبية التى احتلّتها، والتى تتميّز العلاقات بينهما بتاريخٍ معقّد وغير متكافئ.
إذا استوعبت العلاقة "الاستراتيجية" بين تركيا والغرب جيداً، فإن التوجّه التركي نحو العالم العربي يجب أن يُفهم كخطوة "تكتيكية" على طريق تقرّب أكثر تكافؤاً نحو أوروبا والغرب بصفة عامة. حيث إنّ اختبار تركيا لذاتها فى المحيط الإقليمي يعطيها ثقةً وثقلاً، يُمكنها من إقامة علاقات دولية أكثر استقلالاً ونديّة مع الغرب. إذن، مع نفوذها المتصاعد فى العالم العربي تتمكّن تركيا من لعب دورٍ استراتيجيّ فى المنطقة، وذلك ليس فى تعارض مع مصالحها القويّة مع الغرب، بل في تقاطعٍ معها.
لذلك فى محاولة بناء تركيا لشبكة علاقات دولية تجمع ما بين الغرب والشرق، يقول "سنان أولجن" الباحث السياسي ومدير "مركز دراسات الاقتصاد والسياسة الخارجية" في اسطنبول EDAM: "أنّ تركيا تقوم بترتيب أولويات سياساتها الخارجية من كونها "جزء" من الغرب فقط، إلى جعل نفسها قوّة إقليمية ذات نفوذ". ويعرض سنان دوافع هذا التغير على أنّه مبنى على ثلاثة محاور إرتكاز [9]:
• أولاً، الهويّة: عقب انتصار حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في عام 2002 ، بدأت تظر بشكل أكبر هويّة تركيا كبلدٍ متعدّد الثقافات من الإسلامية والعربية والآسيوية والغربيّة إلى البلقان، في حين كانت الهوية الغربية في الماضي هي فقط الهوية المفضّلة من قبل الحكومات التركية السابقة. ويقول أولجن "أن هذه الهويّة الجديدة المبنيّة على تعدّد الثقافات قد مكنّت تركيا من التواصل مع عددٍ أكبر من الشركاء الإقليميين غير التقليديين مثل دول آسيا الوسطى وإيران أو الدول العربية. وهذا يعني أيضاً من ناحية المفاهيم أنّ الغرب قد خسر موقعه المميّز بين شركاء تركيا في السياسة الخارجية". ولكن هذا لا يعني بالضرورة أنّه تمّ إحلال الغرب بالشركاء الجدد. فما تمّ فقط هو إفساح المجال لشركاء آخرين. 
 • ثانياً، تقليل التركيز على الأمن: في الماضي، كان يُنظر إلى سياسة أنقرة الخارجيّة كأداة لتحقيق أهداف سياسات الأمن القومي التى اعتمدت فيها تركيا على الغرب لتأمين نفسها أثناء الحرب الباردة. ولكن مع إنتهاء تلك الحقبة، يشير أولجن إلى الفكرة المستحدثة التى ترى أن السياسة الخارجية المتطوّرة يجب ان تفعل المزيد. "على سبيل المثال، برز الضغط السياسي الذى دفع الحكومة نحو اعتمادٍ أكبر على السياسة الخارجية من أجل تحقيق أهداف اقتصاديّة، خصوصاً في تشكيل شراكات جديدة مع شركاءٍ غير تقليدين في الشرق الأوسط". تعتمد هذه السياسة الخارجية-الاقتصادية على فتح أسواق بلادٍ جديدة. والوصفة التركية المستخدمة هي واحدة، سواء مع إيران أو إسرائيل، مع مصر أو البرازيل: يزور رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان تلك الدول مع ما يقرب من 250 رجل أعمال فى مجالات عدّة، فتكون النتيجة عقود وصفقات بحجم تبادلٍ تجاري يصل لمليارات الدولارات لصالح تركيا. 
 • ثالثاً، النموّ الاقتصادي: بما أن تركيا شهدت نمواً استثنائياً خلال العقد الماضي، متمثلاً فى معدّل نموّ وصل إلى 7 في المائة، ضاعف ثلاث مرّات فى نصيب دخل الفرد، يشير أولجن إلى أن هذه النجاحات هي التى تجتذب المزيد من الاستثمارات الدولية، بما في ذلك أموالاً من الدول المجاورة في الشرق الأوسط؛ ممّا يوطد العلاقات الإستراتيجية مع تلك الدول.
من أجل سياساتها الخارجية الجديدة كقوّة صاعدة ذات ثقل، تحاول تركيا أن تبني كوادر دبلوماسية تستطيع أن تسدّ الحاجة في لعب دور الوسيط بين الشرق والغرب، ما كان سابقاً وفي المجمل مُعطى لمصر كدولة عربية إقليمية محوريّة. ولكن مع ظروف مصر والدول العربية كلّها من عدم استقرار ما بعد الثورات، التي لم تُحسم نتائجها كلياً بعد، من المنطقي جداً أن تتقدّم تركيا فى هذا الإتجاه لعدّة أسباب: أولاً، لتطرح نفسها كقوّة قادرة على أن تسدّ فجوة فى ميزان العلاقات الإقليمية؛ وثانياً لتلقن إسرائيل، منافستها، درساً حول أهمية تركيا كلاعبٍ سياسيّ إقليميّ أساسيّ، وليس ثانوياً؛ وثالثاً لتُحد من شعبية ونفوذ النموذج الإيراني الذى كان قد بدأ فى الهيمنة مؤخراً عن طريق دعم نظام الأسد السوري، المهدّد حالياً بالانهيار، المباشر لحزب الله فى لبنان.
أمّا فيما يخصّ العلاقة مع إسرائيل تحديداً، فيجب معرفة أن بعد أوّل زيارة لإردوغان لإسرائيل عام 2005 وصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 3,5 مليار دولار؛ ومتوقّع أن يزداد حتّى 4,5 مليار هذا العام، رغم ما يبدو من توتّر بين البلدين. هكذا كانت الحكومة التركية الحاليّة مثلاً حريصة على طمأنة رجال الأعمال الأتراك، أنّه ليس مطلوباً منهم على الإطلاق تغيير أيّاً من عقود تجارتهم مع إسرائيل، بل الاستمرار والتوسّع؛ رغم أن الدولة ككيانٍ رسمي قد قرّرت سحب السفير التركي العام الماضي فى أعقاب أحداث الإعتداء الإسرائيلى على سفينة "مافى مرمرة"، وطردت السفير الإسرائيلي فى أعقاب تسريب تقرير الأمم المتحدة الذى لم يلزم إسرائيل الاعتذار الرسمي وتعويض أسر الضحايا؛ كما جمّدت بعض الاتفاقيات الرسميّة بين الدولتين، وخاصّة التعاون العسكري. ولكن مثل هذا التوتّر في العلاقات قد ينظر إليه على إنّه إمّا شيء مؤقت قد يُستبدل فيما بعد، أو أن تركيا بالفعل قد انتفعت بما يكفي من علاقتها بإسرائيل في العقود السابقة، خاصّة بالإمداد بتكنولوجيا عسكرية؛ وتريد الآن تنويع مصادر الحصول على المعدّات العسكرية من بلادٍ أخرى كنوعٍ من ممارسة الإستقلال في إتخاذ قرارات اقتصادية بشأن التسليح العسكري. هذا أمرٌ مشروع بين دولٍ تتعامل على مبدأ المصالح، وليس من نظرة إيديولوجية بحتة. بالتالي كان إردوغان واضحاً في أول خطاباته بعد أحداث الإعتداء على سفينة "مافى مرمرة"، حين أكّد وصرح "كانت لدينا دائماً علاقات صداقة وتعاون تاريخيّة مع شعب إسرائيل واليهود... هذه ليست مشكلة بين تركيا وإسرائيل... ولكنّها مشكلتنا مع هذه الحكومة الإسرائيلية" [10]، أي أن تركيا لديها مشكلة مع حكومة نتانياهو تحديداً.
هذا الضغط السياسي التى تمارسه تركيا على إسرائيل هو نوعٌ من التمرين على إملاء الشروط وكسب المنافع. فهي تختبر نفسها فى الفضاء الإقليمي الشرق أوسطي الحالي وتجرّب. قد تخطيء أو تصيب في استيعابها لمدى قدرتها على ممارسة الضغوط وبسط النفوذ الاقتصادي والسياسي. فإن أصابت استمرّت، وإن أخطأت أصلحت مسارها. والواقع هو أنّ تركيا، الآن وفي هذه اللحظة في وضعٍ تنافسيّ أقوى من دولٍ إقليمية عدّة؛ ومن ثمّ فهي تحاول استغلال هذا الموقع التنافسي لمصالحها؛ تماماً كما ينبغي لأيّ دولة أن تفعل. من هذا المنطلق مثلاً يمكن اعتبار إردوغان تماماً مثل أتاتورك [11]، هدفه توطيد دولة حديثة مستقلّة قوية ذات نفوذ تراعي مصالحها الوطنية. لكن كل منهما ينتبه لمعطيات الظرف التاريخي والإقليمي الذى جاء فيه إلى السلطة.
يجب على العرب أن ينظروا إلى السياسة الخارجية التركية في حقيقتها البراغماتية العملانيّة، المبنيّة على رؤية واقعيّة سياسيّة بحتة، لا بالضرورة على أسسٍ إيديولوجية تستحضر فكرٍ إسلاميّ أو خلافي أو ما شابه ذلك؛ مع ما يخلق ذلك من سلبيّة وشك. وربّما تفتح هكذا نظرة إلى العلاقات الدولية المعاصرة عيون العرب على ماهية الفكر الاستراتيجي الذى تقام عليه العلاقات الدولية المبنيّة على المصالح، وعلى تلك المصالح فقط.

* صحفي في جريدة المصري اليوم
* باحثة دكتوراه في جامعة واشنطن في ولاية سياتل.
[1] "رجب" هو اسم أحد الأشهر العربية التي لها منزلة خاصة فى نفوس المسلمين، حيث ذكر في القرآن ضمن الأشهر الأربعة التى حرّم القتال خلالها.
[2] [3] [-http://news.bbc.co.uk/2/hi/europe/2270642.stm" class="spip_url"http://www.bbc.co.uk/middleest/2011... الاثنين 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2002
[4] جريدة الأهرام (القاهرة) 26 أيلول/سبتمبر 2011 .
[5] عمرو الشوبكي: "إسلاميون وديمقراطيون"، كتاب صادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، (القاهرة)، ط1، كانون الأوّل/ديسمبر 2004.
[6] جريدة المصري اليوم (القاهرة)، 26 أيلول/سبتمبر 2011.
[7] جريدة الشرق الأوسط (لندن)، 18 أيلول/سبتمبر 2011.
[8] جريدة المصرى اليوم، مرجع سابق.
[9] http://carnegieeurope.eu/events/?fa=3136
[10] http://eng.akparti.org.tr/english/g...
[11] Hadar, Leon. Turkish Foreign Policy: What would Ataturk do? Huffington post. 16/9/2011 http://www.huffingtonpost.com/leon-...
حقوق الطبع محفوظة لكافة البلدان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.