الصراع الأبدي بين القوة والقانون هو المحور الأساسي لمسرحية «السلطان الحائر» رائعة الكاتب الكبير توفيق الحكيم والتي تعرض علي مسرح ميامي بطولة محمد رياض وحنان مطاوع ومفيد عاشور ومحمود عبد الغفار.. و «السلطان الحائر» طرحها المخرج عاصم نجاتي في قالب يختلف ظاهريا بعض الشيء مع ما كتبه الحكيم ولكن مضمون ما قدمه نجاتي يتسق تماما مع الرواية الأصلية مع ملاحظة ضغط الفصلين الثاني والثالث في فصل واحد ليصبح العرض المسرحي فصلين بدلا من ثلاثة .. ولكن طرح العمل في إطار فانتازيا الحكايات الشعبية أو الأساطير القديمة الممزوجة بروح العصر أعطي وأضفي علي العرض وهجا خاصا ورغم كتابة هذا النص في ستينات القرن الماضي إلا أن تناول طرحها يصلح للعرض في سنوات كثيرة مقبلة.. حيث يمكن تحليلها ورؤيتها من أكثر من منظور كما أنها تصلح للطرح في عصور وأزمنة مختلفة - وتبدأ أحداث المسرحية في إطار الفانتازيا كما أشرنا، طرح من خلالها عصر المماليك حيث نجد أن رجلا يمتهن مهنة النخاس يطلق في المدينة حكاية تحمل ما يعتبره الجميع جريمة لذا نجد السياف يكبل وثاقه ويستعد لقطع رقبته عند آذان الفجر والسبب في هذا هو أن النخاس صرح بسر خطير في المدينة يخص وضعية السلطان «محمد رياض» القانونية لحكم البلاد وأنه مازال عبدا لم يحصل علي وثيقة العتق من السلطان الراحل للبلاد قبل وفاته وهي قصة حقيقية حينما يعلمها الوزير «محمود عبد الغفار» يأمر بقطع رقبة النخاس والحكم عليه بالسيف ظنا أنه بذلك يحمي السلطان والبلاد المهم أن النخاس يهرب عن الجلاد بمساعد امرأة سيئة السمعة ويعلم الجميع أنها تدير منزلها للدعارة «حنان مطاوع» حيث يتم تأجيل الحكم لآذان الفجر ولكن المؤذن يتواطأ ويبيع دينه من إغراءات العاهرة وفي الصباح تصل مظلمة النخاس للسلطان «محمد رياض» فيأتي للتحقيق فيها ومن حوله حاشيته من ضمنها الوزير الفاسد وقاضي القضاة «مفيد عاشور» الذي يبدي رأيه القانوني بعد سماع المظلمة ويؤكد بعدها للسلطان أن القانون ليس معه وما هو إلا مجرد عبد رقيق يجب بيعه ووضع ثمنه في بيت المال وهنا نري القاضي يصر علي رأيه بضرورة تنفيذ السلطان للقانون ويواجهه الوزير الفاسد بضرورة مواجهة الأمر بالسيف وهنا يقع السلطان في حيرة شديدة بين الحكم بالسيف وقطع رقبة النخاس حتي تكبر الفضيحة أو الحكم بالقانون ونزوله للبيع كعبد رقيق وهو هنا طرح لإحدي مشاكل الديمقراطية وفساد البعض من حاشية الحاكم ويتحكم السلطان بعد الحيرة إلي القانون حيث يباع في المزاد بشكل ساخر إلي أن يستقر المزاد علي السيدة صاحبة منزل الدعارة التي يحاول الوزير وقاضي القضاة إنقاذ السلطان من بين أيديها بالحيلة حيث يريدون استرداد الملك وبعد جدل بين السيدة الداعرة والقاضي تطلب أن تستضيف الملك ليلة واحدة في بيتها مقابل عتقه عند آذان الفجر ليعود لحكم البلاد ويوافق الملك نزولا للقانون ولكن ما هي إلا عدة دقائق ويؤذن الفجر في غير موعده بالتهديد والوعيد من القاضي الذي كان يقف في صف القانون للمؤذن ويكتشف الملك الحيلة التي صنعها الوزير والقاضي ويأمرها بالتزام كل منهم في داره في إشارة لاعفائهم من المسئولية ويعود الملك للعرش بانتصار الديمقراطية. من أهم المشاهد هو مشهد المزاد حيث نجد أهل المدينة يزايدون علي السلطان وفجأة يظهر رجل ذو صبغة غريبة يرتدي بدلة وقبعة ويريد شراء السلطان بأي ثمن ولكنه يتلقي مكالمة من موبايله بأن هناك زعيما آخر للبيع وهو اسقاط واضح بالطبع .. اشعار مصطفي سليم جاءت ساخنة ساخرة للغاية وموقفه جيد من قبل المخرج عاصم نجاتي الذي عرفته ممثلا مسرحيا أقوي منه مخرجا بكثير وديكور وملابس محمود سامي جاءت مناسبة تماما للفترة الزمنية المطروحة.. وبعيدا عن دور كل منهم فإن خشبة المسرح شهدت مبارزة فنية شديدة الرقي بين أداء البطلين محمد رياض وحنان مطاوع والحقيقة أن محمد رياض فاجأني بأدائه لدور السلطان بشكل هاديء ورقيق بعيدا عن أي مبالغة في الاداء نراها منه كثيرا في المسلسلات الدرامية.. أما الفنانة حنان مطاوع فكان وجودها علي خشبة المسرح يشعرك بأنها كتلة من الوهج تشتعل وتستفز أداء كل من بجوارها علي خشبة المسرح وتذكرت في نهاية المسرحية أنها لابد أن تكون كذلك لأنها ابنة الراحل كرم مطاوع والقديرة سهير المرشدي ولكن عليها أن تتخلص من بعض الغرور الذي ينتابها أحياناً.