في 22 مايو عام 1986 تركنا الأستاذ عمر التلمساني، المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين إلي رحمة الله...و كنت أسمع عن عمالقة مصر وأجلس معهم وأعرف أن لكل منهم مفتاحاً لشخصيته ..تقرأ من خلال هذا المفتاح كل أعماقه .. و يتحكم المفتاح في كل تصرفاته..و كان مفتاح شخصية عمر التلمساني من وجهة نظري...هو التواضع.. وذلك التواضع الذي تلقاه في بيته و في أثاث منزله و في تعامله مع الآخر ... وقد جذبت إليه هذه الصفة الآلاف من الأحباب فكان الميلاد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين علي يديه ...زرته مع وفد من حكومة السودان الشقيق..و قد جاء الوفد طالباً تسليم الرئيس "النميري" إلي حكومة ثورة السودان في ذلك الوقت ..ولما أرادوا الإلتقاء بذلك الرجل الذي نجح في إعادة بناء جماعة الإخوان المسلمين وواجه السادات مخوفاً إياه بربه ونجح في تدشين رؤية عصرية لجماعة الإخوان المسلمين وذلك للاسترشاد برأيه..قابلهم فور أن طلبوا.وصعدنا نحن السبعة حتي الدور الثالث في البيت القديم الذي كان في عطفة مسدودة متفرعة من شارع متواضع في حي الضاهر... فلما طرقنا الباب و كان الاستهداء بمصباح صغير علي باب شقته..فتح لنا عمر التلمساني بنفسه..و استقبل الوفد بحفاوة بدأت تثير ذهولهم..و ما أن هدأت الأنفاس و جاء دور تحية الضيف ..فلم يقدم لهم " كوب الشاي" أحد إلا عمر التلمساني نفسه ..وكانت أكواب بسيطة الثمن ..بل إن كل ما تقع عليه عينيك في المكان هو بسيط الثمن ..و خرج الوفد في صمت و ذهول ..إلي أن قال لي أحد أعضاء الوفد- وقد كان صديقاً قبطياً بالمناسبة -عبارة لن أنساها و كان نصها " هكذا تكون حياة الأنبياء و الصالحين"... وفي يوم من أيام صيف 1986 أراد الأستاذ أحمد الخواجة المحامي و نقيب النقباء رحمه الله أن يكرم زعماء الأمة من المحامين ولو بزيادة معاشهم...فطلب ملف المحامي ..عمر التلمساني...ووقع بزيادة المعاش ولك أن تعلم أن معاش الأستاذ عمر التلمساني لم يزد علي بضع و خمسين جنيهاً...لاتزيد ولاتنقص حتي وفاته..فلما حملت البشري إليه رحمه الله ..و قد كنت عضواً في مجلس نقابة المحامين وقتئذ ..فنظر إلي معاتباً إن كان الاستثناء هو أول إنجازاتي النقابية ..فتحولت سعادتي بالقرار إلي ألم مازال يراودني كلما هممت بخطأ الاستثناء أو المحسوبية ..و أعدت الملف إلي النقابة ومازال الملف يتردد بين يدي الرافضة للاستثناء و يد النقيب أحمد الخواجة رحمه الله حتي انتهت حياة الملف بنهاية حياة صاحبه .. وها أنا الآن بعد كل هذه السنوات استحضر روح المؤسس الثاني وأطلب من كل من يتحدث باسم الدعوة أن يعود لدراسة سيرة التلمساني و كيف كان يتحدث مع الآخر و يعلي من شأنه فلم يكن يتهكم علي أحد أو يتوعده من أجل ذلك أجمع عليه الناس و ساروا خلفه في الحياة ..كما ساروا خلفه في جنازة مهيبة حضرها حشد يصعب حصره وشارك في وداعه شيخ الأزهر و رئيس الوزراء المصري و رئيس مجلس الشعب وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية و الوفود الدولية و المنظمات العالمية ..كما شاركت الكنيسة المصرية بوفد كامل وكان هذا في زمن المحنة أما الآن ونحن في زمن المنحة وفيض الله الكريم ..فكثير منا الآن لا يجيد حديث المتواضعين...فبرجاء من محب لدعوته و حريص عليها أن يتم تدريس مادة "تواضع الخطاب" للتلمساني و أن ندرس في مدرسة الدعوة من جديد سيرة الأستاذ التلمساني رحمه الله..والذي مات في 13 رمضان من عام 1406.. مختار نوح