يوم 30 مايو ومنذ يومين فقط أصدرت محكمة عابدين الجزئية العديد من الأحكام لصالح عدد من المواطنين الذين تعرضوا للاعتقال الظالم وتعرضوا أيضا لأبشع ألوان القهر والتعذيب وبمختلف درجاته بدءا من التنكيل والتعدي بالضرب المبرح والإرهاب بالكلاب البوليسية وتوجيه الألفاظ النابية وتركهم مقيدي اليدين والقدمين والصعق بالكهرباء والحرمان من المأكل والمشرب لفترات طويلة بل ومنع الملابس والأغطية ومنع المياه اللازمة للنظافة الشخصية! كان يوما مشهودا لمواطنين أبرياء ذاقوا مرارة التعذيب وبلا رحمة وبكوا وهتفوا بعد استعراض هيئة محكمة عابدين الجزئية لوقائع وتفاصيل ما تعرضوا له من انتهاكات قاسية ومؤلمة وأذكر كلا من «عبدالنبي السيد أحمد» و«عبدالقوي أحمد مدكور» و«حسني حسين أحمد» و«سمير حسانين هريدي» و«بهاء الدين خلف عبدالرحيم» و«أحمد لطفي عبدالرحمن» و«عبد الصالحين أبوضيف» و«أشرف عزت محمد عرفة» و«سيد عيد هاشم».. هؤلاء جميعا عانوا العذاب علي يد الفاسدين من الجلادين ومن سفراء جهنم في الدنيا ولم يكن هناك سوي صدور أحكام الإدانة ضد رئيس الزبانية «حبيب العادلي» الذي يقبع الآن في سجن ليمان مزرعة طرة جزاء ما ارتكبه وما أصدره وصدق عليه من قرارات اعتقال باطشة وبعكس ما يخالف أمانة الضمير وبخلاف جرائم أخري لا تعد ولا تحصي!! ولم يكن غريباً أن يصدر ويفند مؤخرا المستشار «شريف إسماعيل» رئيس محكمة عابدين الجزئية أحكامه التي ألزم فيها حبيب العادلي بدفع قيمة التعويضات المالية لهؤلاء الذي كانوا من المعذبين داخل سجون «العادلي»! والأمر المحير في مضمون هذه الدعاوي القضائية والتي صدرت الأحكام بشأنها أن المعتقلين سبق ولجأوا إلي لجنة توفيق المنازعات بوزارة الداخلية وقدموا أوراق الإدانة ضد المسئول الأول بالوزارة.. ثم تكون المفاجأة برفض الاستجابة لحقوقهم مع أن هذه اللجنة تضم «قضاة» وهذه هي المأساة خصوصا أن مثل تلك اللجان يترأسها قضاة «قدامي» سبق وجلسوا علي منصة العدل فكيف يتم ذبح حقائق العدل!! ألم يتحرك ضمير هؤلاء القضاة عندما طالعوا مثلا ما تعرض له المواطن «أشرف عزت محمد عرفة» المقيم بشارع الامام النووي بجرجا بسوهاج في أوائل عام 1999 وبينما كان ينام نوما هادئا وسط أفراد أسرته وإذا بزوار الفجر التابعين لحبيب العادلي يطرقون باب منزله طرقا عنيفا ومفزعا فقام من نومه فزعا مذهولا فاتحا الباب وإذا بزوار افجر يندفعون إلي الداخل ويمسكون به ويكتفونه ويكبلونه بالحديد ويقلبون البيت رأسا علي عقب فلم يجدوا شيئا! ثم ينهالون عليه ركلا وضربا وصفعا وسط بكاء ونحيب أفراد أسرته ثم يقتاد مكبلا بالاغلال الحديدية إلي أحد سجون العادلي ويظل بها إلي أن يتم الافراج عنه دون محاكمة أو توجيه اتهام وبعد أن لاقي أبشع أنواع التعذيب والظلم وانتهاك كرامته علي أيدي الضباط والجنود ويتم ضربة بالعصي والكرابيج وتعليقه كالذبيحة علي باب زنزانته بل ويتم صعقه بالكهرباء والتهديد المستمر بهتك عرضه وحبسه في زنزانة ضيقة مع العديد من زملائه بعد اغراقها بالمياه والسماح له بكوب واحد من المياه ورغيف وقطعه من الجبن وعدم السماح له باستعمال دورة المياه سوي مرة واحدة كل يوم ولمدة لاتزيد عن خمس دقائق.. ثم هل يعلم «حبيب» المحبوس بأن هذا السجين المظلوم فقد إنسانيته طوال فترة اعتقاله واجباره علي أن يتسمي باسم «انثي» ينادي به بين زملائه فيحس بالظلم والقهر دون ذنب جناه أو إثم ارتكبه مما أصابه بأمراض نفسية ومنها الاكتئاب النفسي وشعوره الدائم بالقلق المستمر نتيجة الاستدعاء الدائم أيضا له من قبل المأسوف علي شبابها مباحث قهر مواطني الدولة!! نفس الحال ينطبق علي الآخرين من المعتقلين.. ولذلك سطر المستشار شريف إسماعيل رئيس محكمة عابدين الجزئية في حيثيات الأحكام التي أصدرها مؤخرا واستنادا إلي أحكام محكمة النقض بأن كل ضرر يؤذي الإنسان في شرفه واعتباره أو يعيب عاطفته وإحساسه ومشاعره أن يكون محلا للتعويض وهو لا يمثل خسارة مالية ولا يمضي ولا يزول ولكن يحق بالتعويض أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من الضرر الأدبي وقضت المحكمة بإلزام حبيب العادلي بدفع التعويضات لمن أقاموا الدعاوي ضده وبلغت جملتها الآلاف من الجنيهات.. هذا بالنسبة لعدد «تسعة» من المعتقلين فكم ستبلغ مبالغ التعويضات للآلاف ممن سبق اعتقالهم.. طبعا سيكون الإجمالي بالملايين ضد من ارتكبوا الجرائم التي تخالف الشرع والدين.