نسي المجلس العسكري الحاكم أنه وعد الناس بعرض التعديلات الدستورية ليتم تبادل الرأي حولها قبل الإستفتاء ...وربما إعتبر المجلس أن ما يقوم به المذيع في القناة الفضائية هو بمثابة مناقشة للتعديلات الدستورية . .بينما الحقيقة أن المناقشة الحقيقية للتعديلات الدستورية تقتضي أن يعرض الأمر علي أهل الخبرة والفن في هذا المجال..وللأسف فقد كاد علماء الفقه الدستوري علي أن يتفقوا علي رفض التعديلات الدستورية لأنها جزء من المطلوب بينما المطلوب هو تعديل الدستور كله ..ثم أنها قد أتت مواده بعيوب الصياغة فضلاً عن العيوب الموضوعية ..وقد إتفق الكثيرون علي هذا الرأي منهم المستشار هشام البسطويسي والأغلب الأعم من فقهاء القانون الدستوري..فضلاً عن شيخهم المستشار الدكتور إبراهيم درويش ..كما رفضها الدكتور البرادعي والدكتور عمرو موسي..والعديد من الكتاب والإعلاميين ..كل هذا رغم محاولة تسويق هذه التعديلات عن طريق بعض التكتلات السياسية والإغراء بالنص الخاص برئاسة الجمهورية التي أصبحت لا تتجدد إلا لمرة واحدة ..لكن من حق الشعب أن يعرف سر وجود هذه العيوب التشريعية التي نعرض منها: أولاً : إن عرض التعديلات للموافقة عليها جملة واحدة ..فيه مصادرة علي رأي المواطن..فهو إما يلتزم بالموافقة علي نص يرفضه في مقابل أن يحصل علي نص يوافق عليه وإما العكس فإن كنا نرفض تزوير الإنتخابات فنحن نرفض أيضاً قهر المواطن علي الإختيار ثانياً :أن النصوص المعدلة قد انتزعت إختصاص الفصل في الطعون الإنتخابية من محكمة النقض دون مبرر واضح ( تعديل المادة 93) ومنحه إلي المحكمة الدستورية ..أيضاً بدون مبرر واضح..بل إن العقل والمنطق يقتضيان الإبقاء علي إختصاص محكمة النقض علي الأقل لكثرة عدد القضاه فضلاً عن خبرتها السابقة في فحص الطعون ..والأهم من ذلك كله أن قضاة النقض هم الأقرب إلي الاستقلالية ..بينما قام الرئيس السابق بالتدخل في تعيين أعضاء المحكمة الدستورية متجاوزاً الترتيب والاعتبارات الأخري ..فإلي حين تحقيق الإستقلالية الكاملة للقضاء تظل محكمة النقض هي الأقرب إلي مباديء العدال ثالثاً : إن التعديلات تمنح اللجنة المشرفة علي الإنتخابات صلاحيات تبدأ من قبول أوراق المرشح وتنتهي بالفصل في الإعتراضات أثناء العملية الإنتخابية مع ذلك فقد حصنت قراراتها ضد الطعن أو التظلم أو اللجوء للقضاء بأي صورة .وهذا بالرغم من أن الدستور الحالي يمنع تحصين القرارات الإدارية من الطعن فيها ولما كانت قرارات لجنة الإشراف علي الإنتخابات هي قرارات إدارية حتي ولو كان تشكيلها قد أتي كاملاً من القضاة إلا أن قرارات لجان الإشراف تظل قرارات إدارية قابلة للطعن فيها أمام القضاة .. رابعاً :فإن معظم علماء وفقهاء القانون الدستوري قد أجمعوا علي عيوب الصياغة وعيوب النصوص وعيوب الإقتصار علي تعديل بعض نصوص الدستور ولا يجوز الإحتجاج بأن الإسراع من المجلس العسكري يأتي في سياق رغبته في إنهاء المهمة وتسليم الأمر إلي حكومة مدنية..فمن السهل علي المجلس العسكري أن يسلم الأمر إلي مجلس رئاسي مدني لعام أو لعامين مع الإبقاء علي حكومة تسيير الأعمال ..ذلك أن الحكم المدني هو الأكثر خبرة ..والأكثر سرعة ..والأكثر صحة من الناحية الدستورية وإلا فإننا نكون قد غيرنا من السيء إلي الأسوأ...وتسببنا تحت مبرر الإستعجال إلي أن نبقي علي السلطات المطلقة لمنصب رئيس الجمهورية ..ونبقي أيضاً علي كل العوار الذي إشتمله الدستور القديم... ونكون قد فعلنا مثل الفنان الراحل " حسن فايق " حينما أراد ن يغير اسمه من " سيد بنجر " إلي أي إسم آخر ..فعاد إلي أهله فرحاً مسروراً ويبشرهم بأنه غير اسمه من " سيد بنجر " إلي " علي بنجر " ... وعجبي مختار نوح