* الولاية علي مدينة «أون» تائهة بين الأوقاف «المالكة» والداخلية «المستأجرة» والآثار صاحبة «الفيتو» شخصيات غامضة تعاين الأرض وتمول عمليات «تستيف» الأوراق التنقيب عن الآثار يجري علي قدم وساق ويشتبه في وجود أنفاق تحت الأرض لو أن وقائع هذه القضية جرت في أي بلد آخر، لاشتعل برلمانه بالغضب.. وقلب نوابه الدنيا رأساً علي عقب في وجه الحكومة، مصرين علي إقالتها، ومحاكمة وزرائها حسب مسئولية كل منهم في جريمة الصمت علي نهب الثروات القومية وتسهيل الاستيلاء علي المناطق الأثرية بطرق مريبة، لكن البرلمان في بلادنا لا يملك رفاهية الإعلان عن الغضب، أو مجرد التلويح بإقالة الحكومة، أما الحكومة فمشغولة بتأدية دورها كنادل في بارات وأندية رجال البيزنس طمعاً في رضائهم وتقرباً لنيل بركاتهم.. ففي قلب القاهرة وليس في الأطراف البعيدة عن العيون، تجري علناً وبصورة تحيط بها ألغاز كثيرة، محاولات اختطاف 54 فدانا، قيمتها حسب الأسعار المتداولة تبلغ نحو 3 مليارات جنيه، باعتبار أن سعر المتر الواحد 12 ألف جنيه فقط، لكن ماذا يحدث لو علمنا أن هذه الأرض، لا تقدر بأي ثمن، حيث تقبع تحت تربتها مدينة أثرية قديمة، اسمها مدينة «أون» التاريخية، وأن العبث بهذه الأرض وما تحويه من كنوز تاريخية، جريمة في حق هذا البلد، جريمة في حق تاريخه وثرواته ومستقبل أجياله. هذه الجريمة كافية لأن نصرخ جميعاً في وجه الحكومة، وبالتأكيد سيلحق بنا كل من سيدرك حجم وبشاعة الكارثة التي تحدث علناً وبلا حياء، فالأرض التي تتوسط منطقة «المسلة» التي تقع بين المطرية وعين شمس، صارت هذه الأيام قبلة تتوجه إليها شخصيات غامضة، وإن كانت تستخدم أسماء لأطراف نافذة ومؤثرة في دوائر صناعة القرار، يزعمون بأنهم بصدد إنهاء صفقة شراء هذه الأرض من الحكومة، لإقامة مشروعات استثمارية في مجال العقارات، لكن المحيطين بهذه المنطقة يتداولون فيما بينهم أحاديث، تستدعي تدخلا عاجلا من أجهزة الدولة المعنية بحماية ممتلكات البلد وثرواته، والكشف عن المتورطين الذين تتناولهم هذه الأحاديث، التي تتراوح ما بين تمويل عمليات التنقيب عن الآثار، وأن هذه الأرض تمر تحتها سراديب وأنفاق، تم حفرها أسفل المنازل الملاصقة لها، وكذلك تمويل المغامرين من محترفي استخراج الأوراق المضروبة والحصول بمقتضاها علي أحكام قضائية بملكيتها، لكن ما بين هذا وذاك تحولت هذه المساحة الشاسعة من الأراضي إلي وكر يرتاده كل الخارجين عن القانون، وقد لا تكون هناك أي مبالغة، إذا ما تحدثنا عنها كوكر لتجارة وتعاطي المخدرات من كل نوع وصنف، ولعب القمار وممارسة كل أنواع الرذيلة «الدعارة الشذوذ»، ناهيك عن تحويلها إلي مقلب زبالة، بالإضافة إلي التعديات المستمرة عليها واستقطاع مساحات كبيرة، بيعت من تجار الأراضي لبناء مساكن ومنازل، ونحن هنا نحاول اختراق الصمت والغموض اللذين يحيطان بهذه الأرض، خاصة أن هناك تفاصيل ظلت بعيدة عن التناول، مثلما ظلت الأرض بعيدة عن حماية جهات الدولة، وعلي رأسها وزارة الداخلية التي تورطت بطريقة مريبة. فهذه الأرض لا تبعد سوي أمتار قليلة عن كنيسة شجرة مريم أحد معالم مسار العائلة المقدسة، وتملكها وزارة الأوقاف، ومنذ سنوات بعيدة أعطت الأوقاف لوزارة الداخلية، حق الانتفاع بهذه الأرض لزراعتها لصالح مصلحة السجون، التي قامت بوضع أسلاك شائكة حولها، وزراعتها بمعرفة المساجين المؤهلين للخروج لانقضاء عقوبتهم، كنوع من التأهيل للاندماج مع المجتمع، وظل هذا الوضع قائما حتي سنوات قليلة مضت، وبدأ اهمال الأرض ونزع الأسلاك الشائكة وألغيت الزراعة،منذ سنوات قليلة وتم التبوير، وفجأة ظهر الحديث عن وجود منطقة أثرية، بجوار مزار «المسلة» الفرعونية الذي يحتل مساحة فدانا في مقدمة هذه الأرض، بعدها ظهرت لافتة علي الأرض، تشير إلي أنها ملك ورثة خليل أغا وأن ورثة خليل أغا لديهم الحجج الشرعية الصادرة من وزارة الأوقاف،وأحكام قيل إنها نهائية وقبل أن يتلاشي صدي هذه القصة ظهر آخرون بحوزتهم أوراق وأحكام قضائية، أخري طلبات شراء من الأوقاف لمساحات من الأرض، فقام الأهالي ممن يقيمون بجوار هذه الأرض بنزع اللافتات، وطرد المغامرين الذين زعموا شراءها من الأوقاف، وبعدها صارت قضية أرض مزرعة السجن كما هو متعارف عليه في المسلة، ورقة سياسية يتم استخدامها في اللعبة الانتخابية لكسب تعاطف الناخبين المتطلعين لاستخدام هذه المساحة في الأغراض العامة التي تفتقدها المنطقة. كل هذه الفوضي التي تجري تراها الحكومة، وتسمع تفاصيلها، ولا تحرك ساكنا، وكأن هذه الأرض في بلد آخر وتتبع حكومة أخري غير حكومتنا التي تصدع رؤوسنا بالحديث عن الشفافية وخلافه، فالأوراق التي يستخدمها المغامرون والآخرون الذين يزعمون أنهم ورثة المالك، يتم التلويح بها فقط، ويرفض كل منهم منحها لأي أحد، حتي لا يتم الطعن فيها، أو استخدامها في اتجاهات مضادة، ولذلك تظل هذه الأوراق محل شك وخاصة بعد ظهور أن هذا المكان منطقة تاريخية، فقد أشار النائب السابق عاطف الأشموني إلي أن هذه الأرض كانت محوراً لمناقشات في مجلس الشعب الدورة الماضية، وأنه طالب بتخصيصها مناطق خضراء حتي تتم حمايتها من استقطاع أجزاء نتيجة الإهمال وعدم الرقابة فأخطرته أجهزة الدولة بأنها منطقة أثرية، ولا يمكن تحويلها إلي منطقة خضراء إلا بعد خروج الآثار الموجودة في باطنها، ولأن هذه الأرض أصبحت الشغل الشاغل لكل المهتمين بالعمل العام، أفاد نائب الوطني ميمي العمدة، بأن الأمر تمت مناقشته في لجنة الثقافة في المجلس، وتشكلت لجنة لمعاينة المنطقة لبحث مصيرها، فأفادت الأوقاف بأن هناك قراراً صدر عام 1996 من رئيس مجلس الوزراء، باعتبار أن الأرض محمية أثرية، وأن الآثار أقامت حولها سوراً وبدأت في التنقيب، وتوصلت إلي سور مدينة «أون» التاريخية، وسيتم استغلالها للخدمات العامة بعد توفير الاعتمادات اللازمة لاستخراج الآثار الموجودة في باطنها، وقد تحركت عدة لجان متخصصة لمعاينة الأرض علي الطبيعة، إلا أن النائب الإخواني محمود مجاهد نفي وجود منطقة أثرية مؤكداً عدم وجود تقارير أو وثائق تتبع وزارة الثقافة تفيد بأنها منطقة أثرية، وأنه من خلال موقعه مديراً بهيئة الأوقاف اطلع علي الأوراق التي تفيد أنها وقف خيري من خليل أغا للانفاق علي الأيتام والأرامل، وأن الأرض مؤجرة لوزارة الداخلية، أما الدكتور ربيع أبوالخير الأستاذ بجامعة طنطا فيقول إنها وقف أهلي وليس خيريا، وأنه من ورثة خليل أغا، ولديه أحكاماً نهائية بأحقيته بالأرض، لأنها جزء من وقف مساحته 1500 فدان موزعة علي المحافظات المختلفة، وفي الأيام القادمة سيقوم بتنفيذ الأحكام بالقوة الجبرية. الجدل المثار والأحاديث المتداولة، لا يملك أي من أطرافها أوراقاً تفيد بالحقيقة كاملة، لكن الحقيقة الثابتة أن هذه الأرض تتعرض للنهب، وما يقال عن الأوراق الموجودة يظل مشكوكا فيه، خاصة أن هيئة الآثار عثرت بالفعل منذ عدة شهور علي تماثيل، وقامت بنقلها إلي ميت رهينة تحت حراسة الشرطة، وهوما يؤكد حقيقة أنها منطقة أثرية وتحتاج إلي تدخل عاجل من أعلي السلطات في الدولة لحمايتها من العبث والفوضي، حتي لا يتمكن المغامرون من الاستيلاء عليها بالطرق الملتوية ميدان كونكورد . المثير للدهشة، أن عمليات تمويل استخراج هذه الأوراق تتم من خلال تجار الأراضي، وبمعاونة من بعض موظفي الأوقاف الذين يجيدون استخراج البيانات والخرائط، لكن الأغراب أن وزارة الداخلية تركت الأرض في توقيت ظهور مافيا الأراضي، واكتفت فقط بوجود جنديين في أحد أطرافها كحراس وهو ما أدي إلي تبويرها وتحويلها إلي موقع خصب لارتكاب كل الجرائم، والزحف التدريجي من الاستيلاء علي مساحات في المنطقة الشمالية والغربية منها. فالأوقاف التي تملك، متورطة في إعطاء بيانات مغلوطة عنها من خلال الافادات الشفوية التي تشير إلي وجود قرارات بتحويلها إلي محمية أثرية، وهذا عكس ما يقوله أحد المسئولين فيها «محمود مجاهد» والآثار تقول إنه ليس لديها المبالغ التي تكفي للتنقيب وتركها بعد ذلك، حسبما يفيد نائب الوطني ميمي العمدة، ووزارة البيئة تشير إلي ملكيتها للآثار حسبما أفاد به النائب السابق «الأشموني» والداخلية، وهنا لابد وأن نقف قليلاً، لأن ما فعلته يثير الشكوك في تصرفاتها فهي قامت بتبويرها، لأسباب تبدو غير معلومة، وغير مبررة، فتبوير هذه الأرض، كان دافعاً لظهور مافيا الاستيلاء علي أراضي الدولة، قصة التبوير وإن كانت منذ سنوات، باعتبار أنها منطقة أثرية، إلا أن بقاء الحراسة يثير الكثير من الشكوك، حول تورطها مع وزارتي الثقافة والأوقاف، لأن النتيجة ستصب في النهاية لمصلحة بعض المغامرين، ومن يمولهم من رجال الأعمال المشبوهين. فهذه الأرض تعددت عليها الاختصاصات، وتاهت معها الحقائق، وذلك في ظل وجود نزاع بين الأوقاف وورثة خليل أغا، دون أن ينتبه أحد إلي أن هذه الأرض هي ثروة قومية، وفي باطنها جزء من تاريخ هذه الأمة.