* نجح عبدالناصر بحنكته السياسية التى دفعته لاتخاذ تلك الخطوة فى سحب البساط من تحت أقدام حسن الهضيبى، * عبد الناصر تحول إلى «شبح» أو «عفريت» طارد الإخوان المسلمين فى صحوهم ونومهم. هذه الأسئلة جميعها بسيطة، لكن الإجابة عنها غاية فى البساطة، وغاية فى العمق. إنها تلخص قصة حب خاصة جداً بين رجل «عبد الناصر» ووطن «مصر» وشعب «المصريين» .قصة حب ترويها الأيام وتثريها الأحداث، رغم رحيل عبد الناصر، لأن حبه تتوارثه الأجيال، من عاشوا أيامه، ومن لم يروه أو يولدوا فى عهده، أحبوه من حب آبائهم له . على النقيض من هذه العلاقة تماماً، هناك علاقة عداوة تحملها قلوب جماعة الإخوان المسلمين، تتوارثها جيلاً بعد جيل، نحو عبد الناصر، كراهية عبد الناصر تحولت إلى «عبادة» عند الإخوان المسلمين، لا تصح إخوانية الإخوانى بدونها. عبد الناصر تحول إلى «شبح» أو «عفريت» طارد الإخوان المسلمين فى صحوهم ونومهم، فى حياته وبعد مماته. فلا يمكن أن تنسى الجماعة وأبناؤها ما تعرضوا له من هزائم على يد جمال عبد الناصر، الذى تغلب عليهم وأذاقهم مرارة الهزيمة أكثر من مرة، سواء فى معركة «المخ» أى الحيلة والسياسة، أو فى معركة «العضلات» أى فى المواجهات والمصادمات التى نشبت بين الجانبين، كان هذا فى حياته، ولم تنقطع هزائم الإخوان على يد جمال عبد الناصر بعد رحيله، وآخر هذه الهزائم، الهزيمة التاريخية التى قضت على الجماعة وستجعلها «نسياً منسياً»، عندما وجه «الجيش المصرى» الضربة القاتلة لجماعة الإخوان المسلمين، وقاد الضربة الفريق أول عبد الفتاح السيسى ابن عبد الناصر البار وشارك معه فى المعركة، الشعب المصرى الذى لم ينس يوماً زعيمه الخالد جمال عبد الناصر. بداية المسلسل الطويل من الهزائم التى كالها عبد الناصر لجماعة الإخوان المسلمين، كانت بالحيلة عندما نجح البكباشى جمال عبد الناصر، قائد تنظيم الضباط الأحرار عام 1952 وقبله، فى الاستفادة من جماعة الإخوان المسلمين، وتسخيرها بجميع أعضائها وإمكانياتها لخدمة هدفه الوطنى، بالقيام بثورة يوليو التى خلصت مصر من استعمار الإنجليز والقصر . نجح عبد الناصر فى اقناع الجماعة بدعم وتأييد الثورة، وأوهمهم أنهم قادة فيها وأن لهم دوراً محورياً، فالرجل كان يرى أن الثورة القادمة تحتاج إلى كل القوى مهما كانت توجهاتها أو أيديولوجياتها، ولهذا فلابد من إشراك الإخوان المسلمين والاستفادة منهم . وبعد الثورة جاءت الضربة الثانية، والتى جلبها «الإخوان» لأنفسهم بأيديهم، كعادتهم دائماً، عندما غلب الطبع التطبع وأرادوا أن «يسرقوا» ثورة يوليو، ويستحوذوا على كل مكاسبها ويوجهوها كما يريدون، وأن يفرضوا وصايتهم على الثورة والثوار والشعب فى وقت واحد، عندها تصدى عبد الناصر لهم بكل قوة ومكر وحيلة، ووجه لهم الصفعة الثانية، أراد مرشد الجماعة حينذاك، المستشار حسن الهضيبى، أن يتحكم فى تشكيل الحكومة الجديدة، وأن يلبسها رداء الإخوان، مرشحاً عدداً من أعضاء الجماعة ليكونوا وزراء فيها، فجاء رد عبد الناصر بأن حرم الإخوان من كل شئ لأنهم أرادوا أن يأخذوا كل شىء، بل ونجح فى شق صف الجماعة، عندما انحاز الدكتور أحمد حسن الباقورى العضو البارز فى الجماعة إلى ثورة يوليو وانضم إلى فريق جمال عبد الناصر، موجهاً ضربة مؤلمة للجماعة . واستمرت معركة «الحيلة والدهاء» بين الطرفين «سياسياً» لكن الإخوان حولوها إلى معركة «دماء» . وحسبما يحكى المستشار الدمرداش العقالى: بدأ الهضيبى فى إعداد العدة، استعداداً للحظة الاشتباك، فأصدر أوامره بفصل جميع أعضاء الجهاز السرى من التنظيم الخاص، الذى كان بزعامة خصمه اللدود عبدالرحمن السندى، ثم راح يشكل جهازه السرى الخاص الذى عهد به إلى يوسف طلعت.. وهو الذى راح ينتقى العناصر الموالية للزعيم حسن الهضيبى، بصرف النظر عن كون تلك العناصر تتمتع بالسرية المطلوبة من قبل تلك التنظيمات، مما أعطى الانطباع بأن الهضيبى يسعى لتكوين ميليشيات خاصة لتدافع عنه، ويهاجم بها ولتحقيق بعض المآرب السياسية الخاصة وليس الغرض من تشكيلها خدمة الدعوة كما كان الأمر فى السابق حين فكر حسن البنا فى إنشاء ذلك الجهاز. كان التنظيم السرى الجديد الذى عمل الهضيبى على تشكيله أداة ل«الصدام» وليس أداة ل«الدعوة»، وقد فرضت الظروف المحيطة فى ذلك الوقت هذا الهدف على زعيم الإخوان فرضاً، فقد كانت ظروفاً صدامية تمتلئ بالصراعات والمشاكل.. سواء كانت بين الإخوان والإخوان، أو بين الإخوان وعبدالناصر. ويضيف العقالى: «وحينما علم عبدالناصر بمحاولة الهضيبى إعادة بناء الجهاز السرى ليكون أداته فى الصراع بين الثورة والإخوان، حاول من جانبه وأد تلك المحاولة بأن بدأ الاشتباك مبكراً قبل أن ينجح الهضيبى فى استكمال بناء جهازه السرى، ليقضى على تلك المحاولة فى مهدها. انتظر عبدالناصر الفرصة المناسبة لبدء الهجوم حتى جاءته يوم 12 يناير 1954، وهو اليوم الذى كان مقرراً لإقامة احتفال بجامعة القاهرة بذكرى الشهداء من طلاب الجامعة.. وفى هذا الاحتفال بدأ الطلاب المنتمون للجهاز السرى للإخوان فى الاشتباك مع الطلاب المنتمين لهيئة التحرير، وهى أولى التنظيمات السياسية التى أقامتها الثورة، وقام الطلبة الإخوان بحرق سيارة جيب عسكرية فى حرم الجامعة. أدرك عبدالناصر أن الهضيبى بدأ يستعرض قوته الجديدة، متعجلاً الاشتباك مع الثورة لإرهابها.. حتى لا تفكر فى التعرض للجهاز الجديد قبل أن ينجح فى بنائه كاملاً.. ولكن عبدالناصر الذى لم تكن ترهبه مثل تلك المحاولات قبل التحدى مقرراً حل جماعة الإخوان المسلمين. وفى أعقاب ذلك أراد عبدالناصر - الذى تفتقت عبقريته السياسية مبكراً - أن يشعر القيادات القديمة للإخوان المسلمين، والشارع السياسى المصرى بأنه فى صراع فقط مع قيادة الهضيبى، وليس مع الإسلام.. أى أن صراعه مع الإخوان صراع سياسى، وليس صراعاً دينياً، فتوجه بعد أيام من إصداره قرار حل جماعة الإخوان المسلمين إلى قبر حسن البنا، وبرفقته عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وفى مشهد تاريخى وقف عبدالناصر أمام القبر ليخطب مناشداً قواعد الإخوان، أنه لم يكن أبداً نقيضاً للإسلام، وليس لديه ما يدعو إليه غيره، وأنه جندى مخلص من كتائب الدعوة الإسلامية، والنهوض بأوطانه. وقد كان عبدالقادر عودة، القطب الإخوانى البارز، وعبدالرحمن البنا، شقيق حسن البنا فى استقبال عبدالناصر عند وصوله إلى القبر، وبعد أن ألقى عبدالناصر كلمته، رد عليه عبدالرحمن البنا قائلاً: إن مجيئك هنا يؤكد زعامتك لهذه الأمة وانتماءك الصحيح لدينها الحنيف، وإخلاصك غير المنقوص للدعوة إليه، وطلب عبدالرحمن البنا من جمال عبدالناصر أن يفرج عن الإخوان المعتقلين الذين كانت قد مضت أيام على اعتقالهم فى أحداث جامعة القاهرة. وقد نجح عبدالناصر بحنكته السياسية التى دفعته لاتخاذ تلك الخطوة فى سحب البساط من تحت أقدام خصمه حسن الهضيبى، فقد لاقت كلمته المؤثرة التى ألقاها على قبر البنا استحسان الكثيرين من قواعد الإخوان وقياداتهم، وخففت فى نفوسهم الأثر السيئ الذى أحدث قراره بحل الجماعة. وفى عام 1954 ارتكبت جماعة الإخوان الخطأ المميت بمحاولتها اغتيال جمال عبد الناصر، الذى نجا من المحاولة، وخرج منها أقوى مما كان ليكيل للجماعة الضربات، ويتم حل الجماعة والقبض على أعداد كبيرة من أعضائها تورطوا فى أعمال إرهابية، ولم يكن عبد الناصر يخوض هذه الحرب وحده بل كان فى ظهره ملايين المصريين، الذين أدركوا الوجه الحقيقى لجماعة الإخوان. نشر بعدد 684 بتاريخ 20/1/2014