«واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون».. هكذا تحدث القرآن وأمر الناس بسؤال رجال الدين في حالة جهلهم ببعض الأمور.. وفي الإنجيل قدم المسيح بنفسه رسالة أظهرت مدي أهمية الرد علي أسئلة الشاكين والمشككين معًا.. عندما وافق المسيح علي سماع أسئلة الشيطان بل والإجابة عليها.. ف«السؤال والشك» هما أول خطوات «الإيمان» الذي يقف في طريقه رجال الدين برفضهم الإجابة علي كثير من الأسئلة.. وترسيخهم لمبدأ «لا تسألوا» الذي وهبهم «السلطة المطلقة» والتي امتلكها المجتمع أيضًا بعد استخدامه لنفس المبدأ.. فأصبح الجميع يحرمون ويرفضون ما أقرته عقائدهم. "إن الدين عقيدة راسخة في كيان الإنسان لا إكراه عليها ولا تباع ولا تشتري، لأنها مرتبطة بالقلب، وبالذات الانسانية ،وما كان كذلك لا سلطان للقوي الخارجية عليه" .. هكذا كتب الشيخ "علي عبد الرازق" في كتابه الشهير "الإسلام وأصول الحكم" وهو الكلام الذي يؤكد أن الدين والاعتقاد لابد وأن يعتنق عن اقتناع تام من الشخص ،أي كان هذا الدين. ولكن يبدو أن كلمات الشيخ الجليل ليس لها قيمة في مصر ولا يعيرها المصريون جميعاً أي اهتمام ،حيث أعماهم التعصب والجهل، فأصبح مجرد الحديث عن تغيير الدين سبب قوي يقف وراء الفتن الطائفية، فلا يقبل المسلمون أن يترك مسلم دينه ويذهب لدين آخر وهو نفس حال المسيحيون عندنا. وقد ينكر علينا أحد ما ذكرناه في السطور القليلة السابقة ،فيقول مسلم "إن الدين هو الذي أمر بقتل المرتد وليس تعصب المسلمين" ،وفي المقابل يقف مسيحي يردد كلاما من نوعية: "أن الدولة تسمح وترحب وتحمي المسيحي الذي يريد الدخول في الاسلام ،وأن المسلمين والدولة يتكاتفون أمام المسلم الذي يرغب في تغيير دينه ،لدرجة إهدار دمه وقتله"، والحقيقة أن كلام المسلمين حول حد الردة وكلام المسيحيين حول تعصب الدولة والمسلمين ضدهم مردود عليه من واقع سجل يوميات بلدنا مصر المسجل علي صفحات الجرائد والتقارير الحقوقية والدليل علي أن رفض المصريين لمبدأ تغيير الشخص لدينه نابع من تعصب وجهل بالأديان ، هو ما يحدث من فتن طائفية بين أبناء أمة واحدة وأتباع دينين مختلفين ،في حالة تغيير شخص لدينه ،وهو ما حدث ويحدث وسوف يحدث طالما تحكم فينا الجهل والتعصب ،أضف إلي الأمور التي تدفع بشدة لاستخدام العنف مع الراغبين في تغيير دينهم ربط ترك الدين بمفهوم العار ،العار الذي يلاحق أسرة أو عائلة وربما بلدة بأكملها لأن أحد أفرادها ترك دينه ،وهو ما يجعل الاسرة مطالبة أمام المجتمع بغسل عارهم (وهو مصطلح يعرفه جميع المصريين سواء رفضوه أو قبلوه.) سبب آخر يساعد وبشدة في اشعال الفتن بين المسلمين والمسيحيين في حالة انتقال أي مسلم أو مسيحي إلي الفريق الآخر لو صح تعبير فريق وهي حالة المعايرة التي يستخدمها أتباع أحد الدينين تجاه أتباع الدين الآخر في حالة دخول أحدهم إلي دينه ،وخاصة أن كليهما ينظر إلي الموضوع باعتباره مبارة كرة لابد أن تأتي نهايتها وأحدهم فائز علي الآخر ،علي أساس أن الفائز في المبارة سيكون صاحب الدين الصحيح والحق ،بينما المهزوم هو صاحب الدين الأضعف و المحرف ولكن لابد هنا أن نذكر الجميع أن ما يفعلونه لا يرضي الله الذي قال بحسب ما جاء في القرأن: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيكْفُر" (سورة الكهف)، كما قال: "وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمن مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّي يكُونُواْ مُؤْمِنينِ" (سورة يونس) أما في الانجيل فيقول المسيح: "هاآندا واقف علي الباب وأقرع.ان سمع احد صوتي وفتح الباب أدخل اليه وأتعشي معه وهو معي" (رؤيا يوحنا 3) فالمسيح قال لو سمع ولم يقل أن الناس لازم تسمع وتفتح الباب (والمقصود بالباب هنا هو القلب). ولكن يبدو أن كلام الله وكلام المسيح (وهو الإله في المسيحية) لا يعجب المصريين من أتباع الديانتين ،فتجد الأصوات المطالبة بقتل المرتد عن الاسلام أعلي من الأصوات المطالبة بترسيخ مبدأ حرية الاعتقاد ،أما المسيحيون المتعصبون فيلعبون بتكتيك مختلف حتي لا يسئ تعصبهم للمسيحية فيتحول لدين عنف علي أيديهم، فيخرج المتعصبون مرددين بأن لا مانع لديهم في ترسيخ حرية الاعتقاد ولكن بشرط أن يتقبل المسلمون ترك المسلم لدينه، والحقيقة أن هذا الشرط (الذي يعلم المسيحيون أنه شبه مستحيل) يقوم بدور الغطاء لتعصب أصحابه ،مثله مثل حد الردة الذي يختفي خلفه تعصب غالبية المسلمين ،وهنا يجب الإشارة إلي ما قاله الشيخ يوسف البدري (أحد المشايخ المطالبين بتطبيق حد الردة) في إحدي الفضائيات أثناء الأزمة التي أثيرت في مصر بعد أن رفع المتنصر محمد حجازي أول دعوي قضائية في تاريخ مصر مطالباً فيها بتغيير دينه من الاسلام إلي المسيحية ،وكان وقتها قد أهدر العديد من رجال الدين بل وسيداته أيضاً دم حجازي وأجازوا قتله ،أما "البدري" فأضاف أن تطبيق حد الردة في الإسلام يجب أن يكون من خلال القائمين علي الحكم وليس من حق الأشخاص العاديين القيام بتطبيق الحدود ،وأضاف أيضاً أنه في حالة عدم تطبيق الحد فسوف يتحمل رجال الدولة وزر ذلك أمام الله ،وهو ما يعني أنه ليس للأشخاص الحق في قتل شخص ترك دينه (حتي لو كان في نظرهم مرتدا) وهو ما قاله «البدري» صراحة.