مفارقة داعية إلي السخرية المرة سجلها الكاتب البارز أستاذ الجامعة «حسن نافعة» في مقاله «جامعات الزمن الردئ» في جريدة «المصري اليوم» يوم الأثنين 5 أبريل. عندما حكي د.نافعة عن زيارة مع نفر من أساتذة الجامعة إلي مركز زراعة الكلي في جامعة المنصورة بدعوة من مؤسسه ورائد زراعة الكلي في مصر العالم د.محمد غنيم في يوم جمعة. وكان د.غنيم قد وجه الدعوة إلي د.محمد البرادعي نجم الضجة المصرية السياسية العامة حاليا مع المدعوين الأساتذة، أما المفارقة في الحكاية فتعود إلي أن د.حسن نافعة قد وصل إلي أبواب مركز د.غنيم وبرفقته أستاذ الطب الشهير محمد أبوالغار، وهو الرجل الذي نعلم جميعا أنه مؤسس حركة «9 مارس لاستقلال الجامعات» الداعية إلي اخلاء الجامعات من الحرس الجامعي ورجال مباحث أمن الدولة!، والحركة لها سنوات تعمل في هذا السبيل، ولكن د.أبوالغار لم يكن يعلم أن الحرس الجامعي يعمل يومياً علي مدار الساعة وفي أيام العطلات!، وهو ما أكده رئيس جامعة المنصورة عندما أرسل كوكبة من حرس الجامعة وعناصرمن مباحث أمن الدولة تسد الطريق علي زوار مركز د.غنيم، بتعليمات واضحة تنظم دخول د.البرادعي وبقية الزوار وضمنهم نافعة وأبو الغار!، وقد سجل د.نافعة ما جري بأمانة عندما ذكر: بدا المشهد بالغ الغرابة، كما بدا بالغ الحرج للدكتور غنيم، الذي بدا وقد حضر بنفسه إلي البوابة عاجزاً عن فعل أي شئ!، أمام سطوة الأجهزة الأمنية التي كان واضحاً أنها تحكم السيطرة علي الموقف، وقد سبق لي أن كتبت في مناسبات مختلفة عن أن الأجهزة الأمنية قد أحالت الجامعات في مصر إلي ما يشبه الثكنات العسكرية، ولفت الأنظار حينئذ إلي ان التدخل الأمني المبالغ فيه، والذي لا مبرر له علي الإطلاق يعد أحد أهم أسباب تخلف نظام التعليم الجامعي في مصر، لأنه يقضي تماماً علي كل مظاهر الحريات الأكاديمية، والتي يستحيل في غيابها حدوث أي تقدم علمي أو تكنولوجي حقيقي..!. وقد وضح من كلام د.نافعة أن رئيس جامعة المنصورة قد استشعر الخطر كل الخطر في زيارة البرادعي وغيره من المدعوين معه لمركز د.غنيم!، حتي لو كان من بين هؤلاء مؤسس حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات وإخراج الحرس الجامعي وعناصر أمن الدولة من الجامعات!، فقدم البينة علي أن هذا المطلب من المستحيلات طالما بقي علي رأس قيادات الجامعات من يسهرون علي مشاركة الأمن في كل صغيرة وكبيرة داخل جامعاتهم!، وقبل ذلك بأيام كان د. مصطفي كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قد كشف عن أن هناك تعليمات من إدارة جامعة القاهرة تقضي بأن يبلغ أساتذة كلية السياسة والاقتصاد إدارة الجامعة عن أسماء الأساتذة غير المصريين ممن يلتقونهم داخل الجامعة قبل الزيارة بأسبوعين!، وعدم إعطاء تصريحات صحفية قبل إخطار الإدارة بها ومعني ذلك ضرورة تقديم طلب إذا جاء أستاذ أجنبي لمقابلتي قبل الزيارة باسبوعين وكذا إخطار مكتب رئيس الجامعة في حال إصدار تصريحات صحفية قبلها بنفس المدة..!. فإذا نحينا جانبا مدي المهانة التي أصبح أي أستاذ جامعي يشعر بها، وهو لا يستطيع أن يرحب بزيارة نظير أجنبي له في مقر الجامعة!، فإن تعليمات رئيس جامعة القاهرة في هذا الأمر لا تخرج عن كونها تنظيماً في سياق هذه الصيغة الأمنية التي أصبحت تحيا بها الجامعات المصرية!، وهي الصيغة التي يحرص علي سيادتها وسيطرتها كل أعضاء فريق رجالات الجامعة ممن يختارونهم رئاسات للجامعات المختلفة!، فليس هناك رئيس جامعة واحد أتانا خبر عن اعتراضه علي هذه الصيغة الأمنية السائدة!، بل لم تكن مفاجأة أن تشارك وزارة التعليم العالي المهيمنة علي الجامعات وزارة الداخلية في الاعتراض قضائيا علي حكم المحكمة الإدارية العليا الذي قضي سابقا بإخلاء الجامعات من الحرس وعناصره من أمن الدولة!، ويبقي الكادر الجامعي وطلاب الجامعات والعملية التعليمية ذاتها تحت سيطرة أمنية من نوع غريب!، تؤكد يومياً لكل من داخل الجامعة أنهم أينما يكونوا يدركهم الحرس الجامعي!، في العواصم والأقاليم!، وحتي في أيام العطلات!، لا تنجو زيارة لأي مقر جامعي من سطوة الحرس!، يوم الزيارة وساعتها، وما يعقبها من تصريحات صحفية إن وجد!، أو قبلها بمدة كافية!.