اعرف طريقة الاستعلام عن معاش تكافل وكرامة لشهر مايو 2024    20 لاعبًا بقائمة الاتحاد السكندري لمواجهة بلدية المحلة اليوم في الدوري    مصرع أكثر من 29 شخصا وفقد 60 آخرين في فيضانات البرازيل (فيديو)    ارتفاع عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على منزلًا شمال رفح الفلسطينية إلى 6 شهداء    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    سعر الريال السعودي اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك وبداية موسم الحج    الخضري: البنك الأهلي لم يتعرض للظلم أمام الزمالك.. وإمام عاشور صنع الفارق مع الأهلي    جمال علام: "مفيش أي مشاكل بين حسام حسن وأي لاعب في المنتخب"    "منافسات أوروبية ودوري مصري".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    10 أيام في العناية.. وفاة عروس "حادث يوم الزفاف" بكفر الشيخ    كاتبة: تعامل المصريين مع الوباء خالف الواقع.. ورواية "أولاد الناس" تنبأت به    اليونسكو تمنح الصحفيين الفلسطينيين في غزة جائزة حرية الصحافة لعام 2024    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    العثور على جثة سيدة مسنة بأرض زراعية في الفيوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: القصف في يونيو 1967 دمر واجهات المستشفى القبطي    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    بركات ينتقد تصرفات لاعب الإسماعيلي والبنك الأهلي    مصطفى كامل ينشر صورا لعقد قران ابنته فرح: اللهم أنعم عليهما بالذرية الصالحة    مصطفى شوبير يتلقى عرضًا مغريًا من الدوري السعودي.. محمد عبدالمنصف يكشف التفاصيل    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    محمد هاني الناظر: «شُفت أبويا في المنام وقال لي أنا في مكان كويس»    قتل.. ذبح.. تعذيب..«إبليس» يدير «الدارك ويب» وكر لأبشع الجرائم    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    عز يعود للارتفاع.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    انخفاض جديد مفاجئ.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024 بالبورصة والأسواق    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    الأرصاد تكشف أهم الظواهر المتوقعة على جميع أنحاء الجمهورية    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    معهد التغذية ينصح بوضع الرنجة والأسماك المملحة في الفريزر قبل الأكل، ما السبب؟    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    الحمار «جاك» يفوز بمسابقة الحمير بإحدى قرى الفيوم    أول ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    اليوم.. الأوقاف تفتتح 19 مسجداً بالمحافظات    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    جامعة فرنسية تغلق فرعها الرئيسي في باريس تضامناً مع فلسطين    الغانم : البيان المصري الكويتي المشترك وضع أسسا للتعاون المستقبلي بين البلدين    مجلس الوزراء: الأيام القادمة ستشهد مزيد من الانخفاض في الأسعار    هالة زايد مدافعة عن حسام موافي بعد مشهد تقبيل الأيادي: كفوا أيديكم عن الأستاذ الجليل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كلمات الله التي لم يقرأها البشر!!
حكايات فنية يكتبها: طارق الشناوي
نشر في صوت الأمة يوم 13 - 02 - 2010

· حضور البحر هو تعبير عن القوة التي تلملم العالم وتسيطر عليه ولهذا فإن البطل يمارس مهنة الصيد لأنه الرزق الذي يمنحه لنا الله
· العلاقة مع الموسيقي مثل الحرية ولهذا جاء في الصورة التي يقدمها «داود» حضور دائم للفيلا التي تنبعث منها أصوات الموسيقي وحرص "داود" علي ألا نشاهد شيئاً ولا يتبقي غير صوت الموسيقي
الرسالة التي نراها في بداية الفيلم داخل زجاجة ثم يلتقطها صياد يخشي منها ويقذفها بعيداً عنه لتطفو مرة أخري عبر الأمواج حتي تأتي إلي الشاطئ يلتقطها بعد أن يستيقظ من إغفاءة.بطل الفيلم "يحيي" الذي أدي دوره "آسر ياسين" قبلها بلحظات كانت أمواج البحر تهدر وتثور وترتطم بالصخور وتصل إليه وهو يسأل الله أين الرزق جاءت له التقطها أخذها معه إلي بيته إلي أرضه؟!
هل توقفت رسائل الله إلي البشر مع انتهاء رسائل السماء التي اكتملت مع نزول القرآن.. التواصل بين الله وعباده لم يتوقف دائماً ما يرسل الله شفرات لكي نقرأها هذه واحدة منها لا يهم كلماتها ولكنها لو تأملناها أكثر لاكتشفنا الرسالة وفهمناها كما يريدها الله. ومعني الرسالة هو تحديداً ما قدمه داود عبدالسيد في فيلمه «رسائل البحر»
رسالة الله هي أن نقبل الآخر أن نتقبل الجميع كما خلقهم لا كما نريدهم أن يكونوا عليه.. ولهذا كان "داود عبد السيد" يملك عمقاً فكرياً وهو يذهب بهذه الرسالة داخل أحداث الفيلم إلي العديد من مختلفي الجنسيات وبكل اللغات من أجل أن يفك شفرتها ولم يتمكن أحد لأنها لا هي إنجليزية أو إسبانية ولا روسية وبالطبع ولا هي عربية.. إنها لغة أخري رسالة الله مثل الإيمان بالله ينبع من داخلنا نؤمن به ونعبده ونتوجه إليه غير قائم بالضرورة علي منطق عقلي في كل ذلك.. ما الذي أراده "داود عبد السيد" بهذا الفيلم وتلك الرؤية.. بطل الفيلم لديه مشكلة في التواصل مع المجتمع عبر عنها مباشرة بهذا التلعثم فهو يعرف نفسه جيداً ولهذا في حواره الداخلي ينطلق ولكن جسور التواصل مع الآخر تظل هي التي تشكل المأزق الأكبر في حياته.. العالم من حوله يبدو وكأنه يرفضه لخطأ هو ليس مسئولاً عنه.. ولد الإنسان وبداخله كل عوامل المقاومة لكي يتواصل مع الحياة مهما بلغت عوامل الطرد فهو يبحث عن قنوات اتصال.. كان البطل يقطن في فيلا بالقاهرة إنها بيت الأسرة يقيم فيها بعد رحيل الجميع يأتي أخوه من أمريكا للعزاء وأيضاً لتفقد أحوال الأخ كان عليه أن يترك هذه الفيلا المترامية الأطراف لينتقل إلي شقة أصغر في الإسكندرية.. هذا الملمح قدمه "داود عبد السيد" بإحساس سينمائي مليء بالإيحاء الفني لقطة نري فيها شباك الفيلا المطل علي الحديقة يغلق اللقطة التالية شباك الشقة المطلة علي البحر يفتح إنه ينتقل بسلاسة من حياة إلي أخري انطلاقة بها لا نهائية أمواج البحر!!
حضور البحر هو حضور للقوة التي تلملم العالم وتسيطر عليه ولهذا فإن البطل يمارس مهنة تبدو غير منطقية مع تركيبته فهو خريج كلية الطب لكنه يعمل بالصيد يصطاد يومياً بالسنارة هكذا أراد المخرج لكي يؤكد أنه الرزق الذي يمنحه لنا الله.. ولهذا فإن قانون المقايضة وهو أول القوانين الاقتصادية في العالم كله - قبل اختراع الفلوس - تعطي شيء تحصل علي مقابل آخر وهكذا في كل جوانب حياته يلجأ للمقايضة حتي المرأة "نورا" التي أدت دورها "بسمة" كان يعتقد أنها امرأة داعرة يتعامل معها بنفس القانون يمنحها عشرة جنيهات والباقي سمك.. ثم نراه مع صديقه البودي جارد الذي أدي دوره "محمد لطفي" عندما أراد أن يكافئه علي إنقاذه له بعد أن احتسي الخمر ولم يدرك كيف يعود إلي منزله منحه "لفة سمك".. دائماً رزقه علي البحر والله هو مانح الرزق ولهذا يصبح عتابه الموجه إلي البحر هو عتاب أيضاً إلي الله الذي منحه الكثير حتي وهو ليس في احتياج إليه ولكنه لحكمة إلهية تخفي دائماً علي البشر في لحظات لا يرسل له رزقه ولهذا يسأل تمنحني الكثير وأنا غير محتاج وتضن علي وأنا أتضور جوعاً.. إنه صراع داخلي بين العبد وربه منحه "داود عبد السيد" حضوراً لأنه صعد به من الداخل إلي الخارج.. تبدو أيضاً العلاقة مع الموسيقي هي علاقة مطلقة مثل الحرية ولهذا جاء في الصورة التي يقدمها "داود" حضور دائم للفيلا التي تنبعث منها أصوات الموسيقي حرص "داود" علي ألا نري شيئاً منها لا نري العازف أو العازفة.. "يحيي" اسم البطل هو في المسيحية "يوحنا المعمدان" وهو نبي في الإسلام.. أي أنه يحمل أيضاً رسالة للبشر أجمعين.. الموسيقي تبدو وكأنها رسالة سماوية في العالم كله لأنها اللغة الوحيدة التي لا يشترط إجادتها لتفك شفرتها الإلمام بمفردات ما ولكنك قد تحبها أو ترفضها ولا تدري لماذا.. قد تحركك أو تسعدك بلا أي كلمات مباشرة.. الشباك داخل الفيلا تضئ أنواره ويفتح لكننا لا نري شيئاً بداخله سوي موسيقي تنبعث منه ينسج "داود" حالة الفيلم الكونية لتلك الرؤية في إطار واقعي حيث إنه عندما تستبد به النشوة لا يملك سوي أن يقتحم الفيلا يتسلق الأسوار ويلقي القبض عليه ويأتي العفو من تلك الشخصية المبهمة.. هي نفسها الشخصية التي تقدمت بشكوي ضده.. الموسيقي هي المعادل للحرية والحرية ترفض القيود التي يضعها البشر في صياغة قانونية أو أخلاقية ولكنها في كثير من الأحيان تنتهك معني الحرية.. وهكذا نكتشف أن بطل الفيلم لا يحب أن يقتني الموسيقي لا راديو أو تليفزيون لديه في المنزل يعتقل فيه الموسيقي التي يحبها ولا كاسيت أو اسطوانة.. فهو يتعامل معها مثل تعامله تماماً مع الرزق يأتي وفيراً أو قليلاً أو لا يأتي هكذا الموسيقي إذا اقتنيتها في البيت فأنت تضمن مستوي واحداً رفيعاً بلا أخطاء ولكنك ينبغي أن تذهب إليها حيث تعزف وتنتظر النتيجة تأتي لك أم عليك.. العلاقات تتجسد في الفيلم مع البشر هكذا بلا مواربة.. الجارة العجوز التي أدت دورها "نبيهة لطفي" إيطالية عاشت في الإسكندرية لكنها أمام إصرار الحاج صاحب العمارة الجديد الذي أدي دوره "صلاح عبد الله" تقرر أن تعود إلي بلدها.. الحقيقة أنه ليس قراراً بقدر ما هو إجبار حيث إنها تجد نفسها مجبرة علي أن تغادر الإسكندرية المدينة - الكوزموبوليتان - متعددة الأماكن والشخصيات والأديان والأعراق التي انصهر فيها الجميع لكنها لم تعد كذلك في السنوات الأخيرة صارت ترفض المختلف ربما لم يطرح السيناريو هذا البعد الفكري بوضوح ومباشرة في علاقة السيدة الإيطالية مع المجتمع باستثناء صاحب البيت الذي يريد طردها ولكنك من الممكن أن تلمحه في ردود أفعالها وهي تطلب بإلحاح من "آسر ياسين" أن يحصل علي ما يريده من محتويات الشقة لأنها سوف تتركها كذلك في وداعها أكثر من مرة لآسر ياسين فهي مجبرة علي الرحيل.. في الصورة التي يقدمها "داود" تجد أنه عندما يحكي البطل أو يتحدث مع نفسه نري الكاميرا تنتقل إلي الجدران لتحكي التاريخ تنضح من خلال الرسومات بما يختزنه الزمن الذي عاشته إنها ليست تجاعيد السنين كما تبدو علي الوجوه ولكنها ملامح الزمن التي تتحدي ضراوة وقسوة الزمن.
في حياة البطل امرأتان الأولي.. بنت الجيران التي أدت دورها "سامية أسعد" وهي أجنبية لديها «أتيليه» تعمل به وبرغم أن الجاهز صار هو المسيطر علي الحياة إلا أنها تري أننا لا ينبغي أن نقع جميعاً تحت إطار الجاهز إن التفصيل يعني برؤية ما تعبيراً عن الاختلاف بين البشر علي مستوي الملامح الخارجية وبالتالي القناعات الداخلية وهكذا يبدو احتفاظها بالأتيليه أقرب إلي أنه تنويعة علي مبدأ الخصوصية.. هي لم تدرك حتي الآن طبيعة ميولها تكتشف أنها تميل إلي المثلية الجنسية وهكذا في اللحظة التي ترتبط فيها ببطل الفيلم تبدأ علاقتها مع زبونة لها أدت دورها "دعاء حجازي" وتختارها دعاء.. ويكتشف "آسر" ذلك ولكنه يكتفي بالاكتشاف والتعايش مع الموقف إنه لا يفرض قناعاته ولا مشاعره علي أحد.. المرأة الأخري الأكثر تأثيراً في حياته هي "بسمة" من خلالها يناقش المخرج قضية الالتزام الشكلي للدين - كل الأديان وليس بالطبع الإسلامي فقط - تعتبر أن الإطار الشرعي هو الزواج ولكن هل فقط الشرعية في الارتباط أم أنه الحب.. لم أر في الفيلم تناولاً للزوجة الثانية في الشريعة الإسلامية بقدر ما كانت المواقف تدعو إلي مناقشة الإطار الرسمي والحقيقة الداخلية التي يشعر بها الإنسان عندما يرضي المجتمع والأهل بعلاقة ولكن بداخله يخونها.. هكذا "بسمة" متزوجة من "أحمد كمال" ولكنها مجرد امرأة للمتعة هي لا تشعر سوي بأن هذا الزوج يحميها مادياً وأيضاً شرعياً ولهذا تقيم علاقة مع "آسر ياسين" هي التي تبدأ وهي التي تلاحقه وتشعر بسعادة عندما تصل إليه المعلومة بأنها داعرة هي نفسها كنوع من الإدانة الداخلية تؤكد لديه بالكثير من ممارساتها هذا الإحساس هي تري أن مشاعرها الداخلية بالضبط ومرآتها التي تشاهد فيها نفسها ليس في حياتها رجال ولا تبيع نفسها لأحد لكنها تشعر بأنها تحصل علي الثمن في إطار رسمي ولهذا توافق علي هذه الزيجة وترفضها أيضاً داخلياً في نفس الوقت.. علي الجانب الآخر يقبلها "آسر" كما هي بماضيها ولهذا في جملة حوار تقول له "نبيهة لطفي" اقبلها كما هي أو ارفضها.. إذاً لماذا تشتري الترام طالما تستطيع أن تقطع تذكرة.. لا يترك السيناريو لنا أن نشاهد مرحلة الاعتراف بين "بسمة" و "آسر" ولكننا نشاهدهما في نهاية الفيلم داخل البحر بينما نستمع إلي صوت انفجار الديناميت ونري المركب في وسط البحر تحوطه الأسماك النافقة بعد أن قتلها جشع صاحب البيت وهو يحصد علي حد قوله 20 كيلو سمك يومياً باستخدام الديناميت بينما بطل الفيلم لا يحمل سوي السنارة يصطاد بها سمكة أو بضع سمكات أو لا يحصل علي شيء علي الإطلاق.
الكاميرا ترتفع لأعلي وتبتعد عن بطلي الفيلم لكي نري هذا المشهد الذي يتحول في أعماقنا إلي لقطة ثابتة الموت يحيط بالمركب لكنهم لا يزالون متمسكين بالبحر بعد أن طردوا من الأرض.. البواب رأي أن ما يفعلونه هو الحرام فطردهم من أرضهم!
"قابيل" يؤدي دوره "محمد لطفي" إنه "قابيل" شقيق "هابيل" وقاتله.. أراد "داود" أن يقدم سؤالاً ماذا لو امتدت الأيام مع هذا القاتل في أول جريمة عرفتها الإنسانية وظهر "قابيل" الآن كيف سنراه وما هي مشاعره "داود" يري "قابيل" هذا الزمن نادم علي فعلته تلك ولهذا قرر "قابيل" أن يكتفي فقط بعمله بودي جارد الذي يخيف الناس بملامحه لكنه لن يقتل أحد ويجد نفسه أمام ورم في المخ لا حل له سوي إجراء جراحة قد تفقده مع الزمن قدرته علي التذكر ولكنه يخشي أن ينسي ولهذا يختار أن يتمسك بالحياة ويجري الجراحة ويترك الزمن الماضي ولهذا رفض في البداية إجراء الجراحة حتي وجد الحل في ذاكرة حبيبته "مي كساب" ما مر به من أحداث وشخصيات وكأنه يسجل الزمن حتي عندا بدأ حياة جديدة يظل التاريخ حي يرزق شاهد علي كل ما مر بنا لا تمحوه الأيام!!
قدرة "داود" علي أن يضع نجومه في مناطق إبداعية ووهج وألق خاص هكذا رأيت "آسر ياسين" لم تكن المرة الأولي له في البطولة سبق أن لعبها في "الوعد" إخراج "محمد يس هذه المرة أري درجة حميمية عالية جداً مع الكاميرا تنقل إلينا قدرة علي التلوين الحركي والنفسي في أداء درامي لواحدة من أدق الشخصيات درامياً في تاريخنا إنه محتفظ بالبراءة التي لم تلوثها قسوة الزمن.. "بسمة" أمسكت بمفردات الشخصية.. اقتصاد وتكثيف هي ليست داعرة ولكنها تمثل ذلك أمام "آسر" وهكذا صار عليها أن تمثل أنها تمثل والتعبير عن الاحتياج العاطفي أكثر مما هو احتياج جنسي وتلك هي المعضلة الرئيسية في الفيلم وهو ما نجحت "بسمة" في اجتيازه والتعبير عنه بألق وحضور.. "نبيهة لطفي" اختيار زكي جداً من "داود" إنها مخرجة بل هي واحدة من أهم مخرجات الفيلم التسجيلي في عالمنا العربي إلا أن "داود" أجاد توظيف ملامحها في الدور وهي أيضاً تعايشت بحضور خاص مع السيدة الإيطالية و "سامية أسعد" الوجه الجديد الذي يقدمها لأول مرة علي الكاميرا كانت مفاجأة بكل ما تحمله من طزاجة في التعبير.. "دعاء حجازي" إنها تؤدي دور المرأة المثلية جنسياً لكنك لا يمكن أن تستشعر أي ابتذال بحركة أو نظرة. ثم هذا الممثل العبقري أحمد كمال الذي يترك دائما بصمة رغم مشاهده القليلة. أما «مي كساب فإن مفتاح أدائها هو التلقائية وكأنها من فرط الصدق تبدو أمامنا لا تمثل بل تعيش دورها.
كذلك قدم "داود" درساً سينمائياً لا أقول أخلاقياً هو كيف للمخرج أن يعبر عن موقف جنسي بدون إثارة أو ابتذال تجاري.. وهكذا استمعنا إلي حوار "دعاء" و "سامية" من حجرة بيت "آسر" بعد أن صعدا إلي هناك.. رأينا الكاميرا وهي تأخذ وجهة نظر عين "آسر" نشاهد حركة في الحجرة بإضاءة خافتة وهي تسير بجوار باب الغرفة ثم تنتقل إلي السرير وهما يستكملان الحوار بلا ابتذال المعني الذي أراده المخرج منحه عمقه الفكري باختيار لقطاته.
أما "محمد لطفي" فإنه الممثل العملاق الذي قدم أجمل وأروع أدواره وواحداً من أفضل ما رأيناه علي الشاشة شخصيته علي الورق مكتوبة بألق وأيضاً بتفهم وذكاء من "لطفي" لكل تفاصيلها.. مدير التصوير "أحمد المرسي" الذي شاهدناه من قبل في "ملك وكتابة" لكاملة أبو ذكري.. كان عميقاً وهو يعبر عن رؤية المخرج من أبدع ما قدم تلك الإضاءة للفيلا التي تنبعث منها الموسيقي وكأنها تحمل رسالة روحية.. أيضاً «أنسي أبو سيف» في ديكور وعينه التي تختار مواقع التصوير لتجمع في لحظات بين الزمن واللحظة وربما لهذا السبب حرص المخرج علي تحرير الزمن فأنت لا تري مثلاً تليفوناً محمولاً طوال أحداث الفيلم حتي يظل الزمن قابلاً للحركة للأمام وللخلف! وقدمت فنانة المونتاج مني ربيع ذروة ابداعية في ضبط الإيقاع ومساحات التأمل.
المخرج يقدم رسالة من الله ولكن من قال أن البشر يدركون دائماً رسائل الله!!
*********
مجدي مهنا حي «يكتب» بيننا!
كان "سقراط" يقول لتلميذه تكلم حتي أراك.. الكلمة هي التي ترسم لنا ملامح من يتكلم وكان صديقي وكاتبي المفضل "مجدي مهنا" يكتب يومياً بابه "في الممنوع" ونراه بيننا حتي الذين لا يعرفونه كانوا يرسمون له صورة في وجدانهم وغاب "مجدي مهنا" أكثر من عامين ولا نزال أيضاً نراه.. كانت هذه هي كلمتي عن "مجدي مهنا" في الندوة التي أقامها اتحاد الأطباء العرب تكريماً له في ذكراه.. قلت إن "مجدي" نراه ولا يزال بيننا لا أتحدث عن برامجه التليفزيونية التي نشاهدها أحياناً ليست هذه هي الرؤية التي سوف أحدثكم عنها ولا هذه هي المساحة الحقيقية التي يعيش فيها "مجدي مهنا" الآن.. غاب "مجدي مهنا" ورأيناه أكثر ألقاً وجمالاً وتأثيراً.. فهو تجاوز فكرة الكاتب اللامع صاحب الأسلوب الجذاب ليصبح جزءاً معبراً عن معني الشرف والقيم والمبادئ والاحترام.. كان لا يكتب إلا ما هو مقتنع به وليس لديه خصومة ولا صداقة مع أحد من المسئولين.. الكبار منهم تحديداً كانوا كثيراً ما يطلبون وده لكنه كان ينسحب بأدب وابتسامة دافئة.. عرفت "مجدي مهنا" قبل 30 عاماً تزاملنا في كلية الإعلام هو من قرية سيمنتاي بمحافظة الدقهلية وأنا قاهري ولأن جذوري الأسرية من نفس المحافظة فكنت أشعر أن "مجدي" امتداد لي وذهبنا إلي مجلة "روز اليوسف" معاً بدون أن نتفق بل وكان بيننا أكثر من تحقيق صحفي مشترك وانتقل "مجدي" للعديد من الصحف.. مشوار مجدي هو مؤشر علي هامش الحرية المتاح فلقد كانت "روز اليوسف" هي قلعة الحرية بالقياس للجرائد والمجلات القومية فذهب إليها ثم ضاقت بما يكتبه فاتجه إلي "الأهالي" ثم كانت الانطلاقة الكبري له علي صفحات "الوفد" وبدأ يكتب بابه "في الممنوع" وهو أول كاتب في جيلنا يكتب "عموداً ثابتاً وقفز إلي موقع مدير التحرير ثم رئيس التحرير وبسبب رهانه علي حريته خسر موقع رئيس التحرير.. "مجدي" كان علي استعداد للتضحية بكل شيء إلا الحرية وعلي أن يكون نفسه.. خط الحرية كان يحدد من خلاله فقط مواقفه واختياراته.. مرت أيام وسوف تمر أخري وتتعاقب الشهور والسنوات ونشعر باحتياج دائم إلي قلم "مجدي" لكنه ترك فينا ما هو أبقي وأروع وأقوي تأثيراً من عموده اليومي علي الصفحة الأخيرة من "المصري اليوم" ترك لنا رمزاً يحتذي وقيمة تزداد مع الأيام.. كل من يفكر في أن يبيع سوف يري أمامه نموذجاً حياً لكاتب رفض البيع.. كل من يحاول أن يمسك العصا من المنتصف سوف يجد أمامه كاتباً لا يؤمن بالحلول الوسط.. كل من يضع عين علي الحكومة وعين علي المعارضة سوف يدرك أن "الحول" السياسي يدمر شبكية الرؤية.. وهكذا غاب قلم "مجدي" لكن عاش بيننا ما هو أبعد وأبقي من كل ذلك إنه فكر "مجدي مهنا" الذي لا يزال حي "يكتب" بيننا فأنا أراه الآن في كل قلم شريف أقرأ له!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.