· قيام «الموكل» بالتصرف بالبيع للشيء محل التوكيل واسترداده من الموكل إليه ليس سرقة.. التوكيل لا ينقل الملكية إلا إذا استخدم في ذلك والملكية لا تنتقل إلا بالتسجيل · صاحب البلاغ ادعي بأنه اشتري سيارة مرسيدس ب720 ألف جنيه من صاحب السيارة الأصلي وكشفته المحكمة! غالبا ما نستخدم التوكيلات التي يتم تحريرها من الموكل إلي الموكل إليه لإنهاء الاجراءات الخاصة باثبات الملكية وبدون أية مشاكل أو اعتراضات مادام قد تم التراضي أثناء عمليات البيع أو الشراء لعقار أو شقة أو سيارة أو قطعة أرض زراعية أو سكنية ومؤخرا أصدرت محكمة جنح مستأنف الدقي برئاسة المستشار شريف إسماعيل حكما هاما وخطيرا يتعلق «بالتوكيل» الذي يحرره ويسطره «الموكل» للموكل إليه وجاء الحكم ليعيد تصحيح العديد من الأوضاع التعاملية والقانونية وكانت مفاجأة هذا الحكم أن احدي حيثياته الهامة تضمنت التحذير من التعامل بالتوكيل مالم يتم تسجيله وعليه فالتوكيل وحده وبدون تسجيل لا يعد دليلا كافيا علي نقل الملكية فاذا ما تصرف «الموكل» بالبيع للشئ محل هذا التوكيل واسترده من الموكل فإنه لايعتبر «لصا» أو سارقا وعليه فالملكية لاتنتقل إلا بالتسجيل.. وقصة هذا الحكم غريبة وطريفة بعد أن استعرضت هيئة المحكمة كل تفاصيلها وملابساتها بدقة تامة ومنذ أن قام أحد المواطنين بالابلاغ عن سرقة سيارة مرسيدس ثمنها الأصلي نصف مليون جنيه وهذا المواطن يدعي «رامي عادل سيد» وكان معه توكيل يفيد الملكية وبرقم 628ح لسنة 2008 حتي أنه كان ايضا معه عقد بيع هذه السيارة والذي ارفقه في اوراق بلاغه الذي حرره الملازم أول «شريف السقا» بقسم شرطة الدقي.. في هذا المحضر اتهم «رامي» «حسن محمد فوزي فؤاد» بأنه استولي علي السيارة دون علمه وطالبه بمبالغ مالية أخري رغم سبق قيامه بسداد ثمن السيارة بالكامل وحصوله علي توكيل منه ببيع هذه السيارة! وبالطبع كان لابد من عرض الأمر علي النيابة وتم استدعاء المشكو في حقه فقال أمام المحقق أن الشاكي صديق له منذ زمن بعيد وانه بالفعل سلمه السيارة محل البلاغ ليقوم بدوره ببيعها لحسابه مقابل حصوله علي «سمسرة» أو عمولة وأنه اصدر له بالفعل توكيلا بالبيع لنفسه أو للغير إذ أنه كان ينوي شراؤها لنفسه وتم الاتفاق علي أن المطلوب هو مبلغ نصف مليون جنيه سواء اشتراها لنفسه أو باعها للغير وأن المبالغ الزائدة علي ذلك تكون حقا له وأنه اصدر التوكيل لتسهيل نقل ملكيتها ولكن صاحبه فشل في بيعها وعلم أنه يخرج بها في رحلات مع اصدقائه وأماكن أخري للنزهة فضلا عن تعرض السيارة لعدة مصادمات مما أدي إلي اتلافها فقرر سحبها منه وأبلغه بذلك وأبلغه هاتفيا بسحبه للسيارة وبأن التوكيل الذي بيده يعد لاغيا.. واستمعت النيابة إلي الشهود فجاءت شهاداتهم مطابقة لما قاله المشكو في حقه والمتهم بسرقة السيارة وبالدرجة أن الشاكي أدعي بأنه سدد مبلغ 720 ألف جنيه ثمنا لها!! المهم انتقلت أوراق القضية إلي محكمة جنح الدقي واستعرضت الوقائع واصدرت حكما بحبس المشكو في حقه ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ والزمته ايضا بسداد مبلغ عشرة آلاف جنيه علي سبيل التعويض المدني المؤقت والزمته كذلك بمصاريف الدعوي.. طبعا المشكو في حقه لم يرتض بهذا الحكم وطعن عليه بالاستئناف وتحددت جلسة المحاكمة أمام محكمة جنح مستأنف الدقي وحضر المتهم ودخل قفص الاتهام «محبوسا» وكان معه محاميه الذي قدم رزمة من الأوراق والمستندات ليؤكد سلامة موقف موكله المحبوس وليبرهن للمحكمة بأن موكله مظلوم ولايستحق الحبس ودلل علي ذلك بالادلة والبراهين. واستمتعت هيئة المحكمة لدفاع المتهم ليقدم كل ماعنده كما استمعت ايضا لدفاع الشاكي.. وكان لابد من التدقيق والفحص وقراءة الأوراق قبل أن تصدر المحكمة برئاسة المستشار «شريف اسماعيل» حكمها لأنه عنوان الحقيقة وحدها التي تؤكد الحق ولاتنفيه وتيقنت المحكمة إلي الحقيقة لأن الحقائق كانت واضحة واختمرت مصداقية سطور الحقيقة في ذهن القاضي الذي سطر حيثيات هذا الحكم وقالت الحيثيات بأن الحالة الحقيقية في منظور القانون المدني في تاريخ الواقعة هو استمرار ملكية المتهم الماثل أمامها للسيارة المرسيدس موضوع البلاغ حتي لو لم يستعمل التوكيل الصادر عنه في نقل الملكية وإن كان قد صدر لمصلحة الوكيل بالنص علي سلطته في البيع لنفسه وما يستتبع ذلك وفق أحكام المادة 715/2 من القانون المدني بعدم قدرة الموكل علي الغائه إلا رضاء الوكيل إلا أن ثمة حالات أخري تحول دون سريان واستخدام ذلك التوكيل ومنها تصرف «الأصيل» في الشئ محل الوكالة أو وفاة هذا الأصيل قبل استخدامها أو صدور تصرف ما من الوكيل والموكل يستخلص منه موافقة ورضا الوكيل علي الالغاء ويرجع ذلك كله إلي احكام القانون المدني في تبيان العلاقة فيما بين طرفي الوكالة.. وإذا كان الحال كذلك وكان «المتهم» قد دفع بجهله باحكام القانون فإنه أخذا بقاعدة العذر بالجهل بقواعد القانون عدا قانون العقوبات ينتفي لدي المتهم القصد الجنائي في الاستيلاء علي السيارة موضوع الاتهام إذا ما استقرت الملكية في نظر القانون المدني للمجني عليه إذا أفصحت الأوراق عن ثبوت اليقين والاعتقاد لدي «المتهم» بأنه يستولي علي ما يملكه وهي «السيارة» وكان لهذا الاعتقاد في نظر هذه المحكمة ما يبرره وفق ما شهد به شاهدا النفي بمحضر استيفاء النيابة، ونظرا لعدم استعمال المجني عليه للتوكيل من تاريخ صدوره وحتي تاريخ بلاغه وما قرره ايضا المجني عليه نفسه من أن المتهم هاتفه وابلغه بأنه استحصل علي السيارة بما يؤكد انتفاء القصد الجنائي لدي المتهم وهو ركن لازم لتحقيق جريمة السرقة فضلا عن ثبوت الملكية في نظر المتهم في تاريخ الواقعة للمتهم لعدم استخدام « الوكالة» من جانب المجني عليه مما تنتفي كذلك جملة أركان جريمة السرقة المسندة للمتهم وعليه يتعين القضاء «ببراءته» ولأن الحكم الطعين خالف هذا النظر فإنه يكون معيبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون فضلا عن بطلانه لعدم وجود المنطوق به وفق الثابت بالنسخة الأصلية للحكم والموقعة من القاضي وكاتب الجلسة وعلي ذلك قضت محكمة جنح مستأنف الدقي بالغاء هذا الحكم وقضت ببراءة المشكو في حقه.