إيمان محجوب علامات الاستفهام بدأت تطارد ظاهرة التنحي التي أصبحت شعارا للدائرة الأولي بالمحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار محمد أحمد الحسيني رئيس المجلس، المسألة خرجت من اطار استشعار الحرج إلي مهادنة العواصف حتي تمر الأشهر الباقية علي خير، أملاً في أن يكافئ النظام رئيس المجلس بمنصب يعوضه كمحافظ أو رئيس للجهاز المركزي للمحاسبات خلفاً للمغضوب عليه جودت الملط. أروقة مجلس الدولة وغرف المستشارين ومكاتب السكرتارية والموظفين ليس لديهم حديث سوي هذا السيناريو ودوافع رئيس المجلس للتنحي عن القضايا الملقبة بالشائكة. وما ساعد علي زيادة الشائعات اقتراب الحسيني من سن السبعين في مارس المقبل. فكما تقول البيانات الخاصة برئيس المجلس.. اعتلي الحسيني مجلس الدولة في وقت محاط بالنزاعات الأكثر حساسية بين النظام والمواطنين، وكما شهد عامة الشعب المصري لبعض المستشارين بمجلس الدولة بإعلان كلمة الحق ولو كره النظام.. رأوا أيضاً انبطاح آخرين ارضاء للنظام.. أول قرار اتخذه الحسيني فور اعتلائه كرسي المجلس منع أي مظاهرات والتي اعتادت سلالم المجلس علي احتضانها.. الحسيني فرض أسوارا حديدية تمنع تلك المظاهرات بالاضافة لتوزيع قصاري الزرع علي السلالم.. وبذلك تمكن من تنظيف الفترة الماضية من تسجيل اشتعال أي مظاهرة أثناء فترة رئاسته للمجلس.. الأمر لم يقتصر علي هذا الحد فقد أعلن الحسيني تنحيه عن نظر عدة قضايا آخرها بجلسة 24 أكتوبر الجاري والخاصة بطعن البابا ضد الحكم الصادر لصالح مجدي وليم الزوج الأول لهالة صدقي والذي يلزم الكنيسة باستخراج تصريح زواج ثان لمجدي كما فعلت الكنيسة مع هالة. الحسيني برر تنحيه لسابقة فصله في الدعوي حينما نظرها بمحكمة القضاء الإداري وأصدر فيها حكماً لصالح مجدي وليم ضد الكنيسة.. ولكن عندما تنحي عن نظر الطعن المقدم من البابا ضد حكم الإدارية العليا الصادر لصالح عاطف كيرلس بالزام الكنيسة باعطائه تصريح زواج ثان. الحسيني برر تنحيه بأن رئيس مجلس الدولة الراحل المستشار سيد نوفل قال كلمته في هذه القضية وحسمها.. بالاضافة إلي تنحيه عن الحكم الخاص بالنزاع علي رئاسة حزب الغد والصادر لصالح إيهاب الخولي والاعتداد به كرئيس لحزب الغد بدلاً من موسي مصطفي موسي.. وأعلن الحسيني تنحيه فور حدوث مشادة كلامية بين الطاعن وعدد من مستشاري المجلس، وأيضاً تنحي الحسيني عن الطعون الخاصة بالمرتدين لسابق فصله فيها وقتما كان رئيسا بمحكمة القضاء الإداري.. كما تنحي عن قضية غلق 51 مدونة علي شبكة الانترنت، الحسيني كان له تصريج آخر جعل البعض يعيد النظر في المبررات التي ذكرها عقب كل تنحي فقد قال إن مجلس الدولة لن يفصل في القضايا السياسية لأنها من الشئون العليا للدولة. الغريب أن تاريخ المستشار محمد أحمد الحسيني يحمل بين طياته الدبلوماسية في القرارات والجرأة في قول الحق، إلا أن البعض شعر بالتحول عقب توليه منصب رئيس المجلس واسترجعوا موقف الحسيني عندما خلا المنصب بوفاة سيد نوفل فقد أقنعه البعض المتخوف علي مصلحته من رئاسة ميرهم لمجلس الدولة بأنه أحق منه بدعوي أن ميرهم ضعيف البصر، ثم حدث الانشقاق المعروف في تاريخ مجلس الدولة حول اختيار رئيسه، برغم أن مبدأ الأقدمية هو السائد في جميع الهيئات القضائية وكان خروج الحسيني عنه بمعاونة شلة المنتفعين خروجاً عن المألوف، وبعد تولي ميرهم رئاسة المجلس حدث ما كان متوقعاً فقام بتحويل البعض لمجلس تأديب ومنع انتداب أعضاء مجلس الدولة لأكثر من جهتين وأقصي البعض الآخر عن رئاسة دوائر تنظر بها قضايا لوزارات وهيئات منتدبين للعمل فيها، الغريب أن معظم أعضاء شلة المنتفعين خلال فترة ميرهم لم يحضروا للمجلس إلا قليلاً، وبعد تولي الحسيني رئاسة المجلس حاولت هذه «الشلة» الالتفاف حوله وإيهامه بأن اقصاء المجلس عن الفصل في القضايا الحساسة يرضي النظام السياسي عنه، خاصة أن فترة توليه للمجلس أقل من عام يستطيع خلالها كسب وتأييد شخصيات مهمة من الممكن أن ترشحه لتولي منصب رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أو منصب محافظ وبعدما توجهت أنظار كثير من المصريين إلي مجلس الدولة في عهد نبيل ميرهم، خاصة بعد الحكم التاريخي بمنع تصدير الغاز لإسرائيل وطرد الحرس الجامعي وتوجه بعض القوي السياسية لسلالم مجلس الدولة للتعبير عن مطالب المواطنين أمام استشكالات الحكومة علي الأحكام ولكن الحسيني استجاب ومنذ بداية رئاسته لرغبة البطانة الفاسدة التي أوهمته بضرورة اقصاء المجلس عن القضايا السياسية والقضايا المتعلقة بالحريات الدينية فور توليه منصبه بعد خروجه السريع من المجلس. بل ووضع سوراً حديدياً وكميات من الزرع لمنع أي وفقات احتجاجية علي سلم المجلس وسمح بتواجد مكثف للأمن داخل قاعات المحكمة وخارج المجلس، وفي أول حوار له انتقد وسائل الإعلام مؤكداً أنها ساهمت في ادخال المجلس في حروب لا شأن له بها، وأضاف خلال مؤتمره الصحفي الذي عقده بمناسبة حلف اليمين أمام رئيس الجمهورية أن المجلس لن يكون مسرحاً للتعليق علي القرارات السياسية كل هذه العلامات كانت تدل علي تغيير الحسيني لأجندته وتوجهاته فسعي لمحاولة اقصاء المجلس عن الدخول في القضايا التي تزعج النظام، وهو ما أكده في تصريح آخر أثناء حفل تعيين دفعة بمجلس الدولة، حيث قال «إن المجلس لن يفصل في القضايا السياسية». ثم بدأ تنحيه المتكرر عن نظر القضايا التي تخص الحريات الدينية و«العائدون إلي المسيحية».