دخل العالم فعليا مرحلة جديدة من سباق التسلح بالذكاء الاصطناعي وسط مخاوف جيوسياسية من خطورة تلك الأسلحة "ذاتية التشغيل" في كونها مستقلة بالقرار دون تدخل بشري، وبمجرد تشغيلها، يفقد الإنسان السيطرة عليها، كما أن هذه التهديدات التكنولوجية المتصاعدة "العابرة للحدود"، وبالتحديد الوسائل السيبرانية والذكاء الاصطناعي تُشكل تحديا متنامياً أمام الأمن العالمي، الأمر الذي قد يؤثر في شكل الحروب القادمة، بل وتمتد هذه المخاطر لتهديد الأمن المعلوماتي للدول، ورغم محاولات الأممالمتحدة لتحجيم القوى الدولية في مقدمتها الصين وروسيا والولايات المتحدةالأمريكية على تطوير الأسلحة الفتاكة، ووقف تمادي صناعة "روبوتات قاتلة" إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل، في المقابل هناك تنافس دولي في استثمار المليارات على ابتكار تلك الأسلحة الذاتية، ليصل مداها إلى موقع الهدف - الخصم - دون تدخل بشري، ووسط كل هذا الصراع والتنافس غاب عن حكومات الدول ضرورة التنبه السياسي لمخاطر ترك اتخاذ القرار بشكل فردي لهذه الأسلحة الذكية دون تحكم فعلي في تشغيلها إحكام السيطرة الفعلية عليها أثناء تنفيذ مهمتها، حتى لا تصبح عُرضة للأخطاء مثلما حدث في وقائع التسليح النووي. مالا يدركه العالم أيضاً أن هناك احتمالية كبيرة أن يتسبب الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة كبيرة بل ثورة في تغيير مفاهيم القتال المعتمدة على المراوغة "المناورة"، بعدما تعددت مهام الذكاء الاصطناعي خاصة في الاستخدامات العسكرية، حيث أن أنظمة المراقبة والاستطلاع والاستخبارات الموجهة بالذكاء الاصطناعي في ميدان المعركة تساعد الجيوش على تحديد نقاط قوة العدو، دون الوضع في الاعتبار إن الاعتماد على قرارات الذكاء الاصطناعي وحدها سيفتح الباب لناقل جديد للهجوم عبر الفضاء السيبراني، وإذا بقى الوضع كما هو علي فإن أنظمة الأسلحة وقدرات الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة ستبقى عرضه لتلك الهجمات السيبرانية. في عام 2017 كشفت دراسة للمجلس العلمي لوزارة الدفاع "البنتاجون" أن أنظمة الأسلحة الكبرى للولايات المتحدةالأمريكية بما فيه قدرات القصف الاستراتيجي غير النووي مازالت مُعرضة للهجمات السيبرانية، ومن ثم فإن انعدام وجود دفاع سيبراني قوي داخل أي قدرة ذكاء اصطناعي يجعل حرب المناورة لا تحقق في الغالب النجاحات المرجوة في مجال المعركة" ، مما يؤكد أن هناك تأثيرات عسكرية بفعل التطورات الكبيرة والمتلاحقة والتي من المتوقع أن يشهدها أسلحة الذكاء الاصطناعي خلال السنوات القادمة، سواء في إطلاق حملات التضليل المعلوماتي أو تلك المقابلة لها في اكتشاف تلك الحملات والحد من انتشارها، بحسب دراسات حديثة توصلت في نتائجها إلى اعتماد أي صراع عسكري ممتد في المستقبل على التضليل المعلوماتي بواسطة اليات الذكاء الاصطناعي، وتقويض الجهود المبذولة لتوفير المعلومات التي يتم الاعتماد عليها من قبل صناع القرار والقادة العسكريين، وإضعاف دقتها ومصداقيتها. وبالرجوع إلى بداية الإعلان بشكل رسمي عن الذكاء الاصطناعي عام 1956 بكلية دار تموث البريطانية نجد أنه منذ هذا التاريخ وإلى الآن، لم يتوقف التطور والانتشار في هذا المجال حتى أصبح من أساسيات الحياة بالنسبة لمختلف فئات وشرائح المجتمعات، فمع ظهور فكرة الذكاء الاصطناعي كان ذلك بمثابة سلاح ذو حدين إما يستخدم سلماً أو حرباً، فهو من ناحية يُعزز من قدرات تقديم الخدمات في كافة المجالات، إلا أنه قد يستخدم في الوقت ذاته لتعزيز قدرات الأسلحة المضادة التي تستهدف تلك الاستخدامات، ومع منتصف القرن التاسع عشر عندما بدأت محاولات تنظيم وسائل القتال الحديثة، كان الإنسان هو محور القرار العسكري، هو وحده من يختار الهدف ثم يقرر الهجوم عليه، لكن الآن ظهرت للعلن أسلحة ذاتية التشغيل لا تحتاج لتدخل بشري حتى تقرر طبيعة الهدف أو وقت الهجوم، وفي عام 2014 قال عالم الفيزياء البريطاني الراحل ستيفن هوكينج في لقاء تلفزيوني شهير: " إن تطوير الذكاء الاصطناعي الكامل يمكن أن يكون بمثابة نهاية الجنس البشري، فالذكاء الاصطناعي سينطلق من تلقاء نفسه، ويعيد تصميم نفسه بمعدل متزايد باستمرار، أما البشر فهم محدودون بالتطور البيولوجي البطيء"، وبالنظر إلى مجريات الأحداث في الأزمة الأوكرانية الروسية الحالية، نجد التحذيرات الدولية تتعالى من نشوب حرب إلكترونية بين الدولتين لا ترصدها الكاميرات، خاصة بعد هجمات سيبرانية تعرضت لها مواقع الحكومة الأوكرانية، وسط تخوفات من خروج الأمر عن السيطرة وتهديد العالم بأكمله، وبات العالم بحاجة الآن إلى وضع قواعد وقوانين جديدة لكبح جماح مخاطر أسلحة الذكاء الاصطناعي. هذا بالنسبة لمخاطر إطلاق العنان لأسلحة الذكاء الاصطناعي دون ضوابط، والتي يوازيها مخاطر على أمن المعلومات، فعند الحديث عن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي فإننا نتحدث عن فرص وتحديات يمكن البناء عليها في جوانب الدفاع الوطني لمواجهة متغيرات البيئة الاستراتيجية على المستوى الإقليمي والدولي في ظل تكنولوجيا الفضاء الرقمي، ووقف طموحات الجهات المعادية في استخدام هذا الفضاء الرقمي في الترهيب والترغيب واستخدام العمليات والحرب النفسية لإرغام خصومها على تنفيذ رغباتها من خلال استغلال نقاط الضعف في المنظومات الوطنية الرقمية الجديدة، ومعتمدين في ذلك على أن المجتمعات الرقمية تعمل بطبيعتها على بيانات مفتوحة يمكن الوصول إليها، وبالتالي يمكن أيضاً استخدام تلك البيانات لأغراض خبيثة، ومن هنا يأتي دور الدولة في حماية مؤسساتها العسكرية من الاختراق الفكري الذي هو بمثابة خط الدفاع الأول.