سكت الكلام مع آخر نفس فى عٌمر فارس شعراء العامية فى مصر والوطن العربى «الخال» عبد الرحمن الابنودى الذى لا يزال حياً فى قلوب الملايين من عشاقه ومحبيه من البسطاء والفقراء والمهمومين والمقهورين الذين تحدث بألسنتهم وبكى بعيونهم دفاعا عن همومهم وأحلامهم وآمالهم من خلال قصائده ومواويله واشعاره التى كتبها منذ ثورة يوليو 52 ليستعيدها جيل الشباب من جديد فى ثورة 25 يناير من خلال اغانيه الحماسية لتأجيج روح العزيمة والدفاع عن الوطن ومن ثم فلا يزال الخال حى فى نفوس المصريين بأعمالة التى لا تموت على مدى الدهر، فالبرغم من تركه للقاهرة لعدة سنوات بأمر الاطباء بحثا عن نقاء الريف حفاظا على صحته وإقامته بالإسماعيلية إلا أنه انتقل بجسده فقط أما مشاعرهظلت نابضة مهمومة بأحوال الوطن، ومن ثم قررنا فى «صوت الأمة» فى آخر زيارة له أن ننتقل اليه لاجراء حوار فى بيتة البسيط فى اثاثة الغنى بناسه، حتى جدرانه كانت تتنفس أشعاره وتغنى مواويله التى كانت تضفى على المكان روح الحب والمودة فى زمن انشغل اهله بالماديات وتركوا الانسانيات التى كانت تميز الخال عن باقى الاهل والخلان كل هذه المعانى لمستها عندما قضيت يوما كاملا فى صحبة الشاعر الكبير عبد الرحمن الابنودى وزوجته الاعلامية نهال كمال فى منزلهما بقرية الضبعة على بعد 3 كيلو من محافظة الاسماعيلية لاجراء حوار صحفى تم نشره على حلقتين، بدأت رحلتى إلى بيت الخال بصحبة زميلى المصور فى السابعة صباحا حتى وصلنا إلى مدخل مدينة الاسماعيلية فى التاسعة تقريبا ومع بداية الطريق تلقيت مكالمة من الخال ليطمئن على اين وصلتى؟ وبدأ يتابعنى تليفونيا فى الطريق كل ربع ساعة حتى يطمئن على، إلى أن اخبرته انى وصلت إلى مدخل الاسماعيلية فأخبرنى أن محمود الشاب الاسمر المساعد والمقرب للخال ينتظرنى ليركب معى السيارة ويصف لى تفصيليا كيفية الوصول إلى قرية الضبعية التى يوجد بها بيت الخال الذى رأيته من وحى خيالى قصرا كبيرا بأسوار عالية واثاث فاخره يطل على النيل بما يتناسب مع قيمة الخال الابداعية كما تعودنا أن نرى حتى عند شباب الفنانين ولكنى فوجئت بأنى أسير بالسيارة فى أزقة شديدة الضيق غير ممهدة على جانبيها بيوت ريفية مبنية بالطوب اللبن يلعب امامها اطفال حفاة لأسر ريفية شديدة الغلب والفقر ولكنهم يلعبون ويمرحون بمنتهى الحب والسعادة، ووسط هذه المشاهد سمعت محمود يقول حمدالله على السلامة يا استاذة وصلنا، ونزل ليفتح لنا بوابة المنزل ولم اتوقع ابدا أن اشاهد الخال يقف يتابع وصولنا من شرفة مكتبه بشغف الاب القلق على وصول اولاده ليستقبلنا ويفتح لنا الباب بنفسه وبحفاوة شديدة مستخدما بعض الكلمات الترحيبية التى يستخدمها المصريين ولكن بلهجتة المميزة (الإسماعيلية نورت بكم، البيت بيتكم، يادى النور اللى زارنا) وطلب منا أن (نطس وشنا بشوية ميه) على حد تعبيرة ليخفف عنا مشاق الطريق وعناء السفر. وقلت لنبدأ الحوار فقال استنى شوية لما تشربى الشاى الاول الطريق كان طويلاً وكمان نهال نازلة ترحب بكم وتتعرف عليكى بكل هذه المعانى الجميلة استطاع الخال أن يمتص رهبتى وكأنه يشعر بها دون أن اتكلم، فى تلك الدقائق تفقدت عيناى ملامح غرفته البسيطة التى يستقبل بها الضيوف والتى يميزها مكتبه الصغير الذى يحمل أوراقه واشعاره فى احد اركان الغرفه، و مكتبة تحمل كتبه واشعاره وتاريخه العريق وصورة الجميلة المعلقة على جدران الحائط وتضم اجمل ذكرياته وهى صورة والدتة فى مدخل الغرفة وكذلك صور تجمعة بزوجته وبناته الاثنتين قائلا قومى واتحركى واتفرجى على الصور برحتك البيت بيتك، وبالفعل تجولت فى الغرفة وكأن البيت بيتى وشاهدت عود رفيق عمره الملحن كمال الطويل الذى ظل محتفظا به ليظل شاهدا على التاريخ الفنى بينهما، ثم نادى الخال على زوجتة تعالى يا نهال اتعرفى على الاستاذة سحر، وبحفاوة شديدة رحبت بى وبزميلى المصور بنفس الروح الجميلة للخال وكأنهما روح واحدة فى جسدين. ثم حدثنى عن علاقتة بالرؤساء السابقين لمصر ولكنة توقف كثيرا عند الرئيس عبد الناصر الذى قال عنه انه الجوهرة الحقيقية لفقراء مصر.