الشائعات هى أحد أهم أدوات وآليات الحرب النفسية، ولا سيما حروب الجيل الرابع، واستخدام السوشيال الميديا فى نشر هذه الشائعات هو أحدث أساليب العمليات النفسية ضد الدول، وأصبحت مصر خلال الفترة الأخيرة بيئة خصبة لنشر وترويج الشائعات، خاصة من جانب الدول المعادية وجماعة الإخوان الإرهابية، وقيادتها الهاربين فى قطر وتركيا، بهدف زعزعة الأمن والاستقرار الداخلى للبلاد، وتشويه صورة مصر أمام دول العالم. ولمواجهة الشائعات التى انتشرت مؤخرا فى مصر، أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء، تقريرا لتوضيح حقيقة عدد من الأخبار والمعلومات الكاذبة التى انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى، وبعض وسائل الإعلام، والتى تهدف إلى إثارة الرأى العام، وإحداث حالة من البلبلة. وجاءت أبرز الشائعات التى رصدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، متمثلة فى مجموعة أخبار من بينها فتح باب التعيينات ببعض قطاعات وزارة العدل، والعثور على 35 طفلًا بدار أيتام غير مرخصة فى مدينة الشروق، وتوقف حركة الملاحة بقناة السويس بعد تصادم 6 سفن، وهو ما نفته الحكومة تماما، وأكدت أن تلك الأخبار عارية تماما من الحقيقة، وأنها استهدفت إثار الرأى العام ليس إلا.
كما جاء ضمن الشائعات المنتشرة أيضا خبرا كاذبا حول بيع صندوق مصر السيادى لأصول وممتلكات الدولة، وشائعة أخرى حول فرض زيادات جديدة على فواتير الكهرباء، بإلى جانب شائعات أخرى حول طرح أسماك بلاستيكية صينية فى الأسواق، وبيع 46 فيلا بمركز مارينا العلمين السياحى للأكابر، ورصف شارع المعز التاريخى ب«الأسفلت»، والتى تبين أن كلها أخبار كاذبة هدفها تضليل الشعب، وزعزعة الأمن والاستقرار بالبلاد.
هناك عدة أنواع من الشائعات، فهى من حيث الزمن تنقسم إلى ثلاثة أنواع تشمل «الإشاعة العنيفة»، وهى الإشاعة التى تنتشر بسرعة هائلة جدا، وعادة ما تكون قاسية فى موضوع الخبر محور الشائعة، و«الإشاعة الزاحفة»، أى الإشاعة التى تنتشر ببطء شديد، وهناك أيضا «الإشاعة الغائصة» وهى الإشاعة التى تنتشر خلال فترة من الزمن، ثم تغيب، ثم تظهر مرة ثانية، وهكذا. وتنقسم الشائعات من حيث الموضوع إلى «شائعة سياسية»، وهى الإشاعة التى تتناول موضوعا سياسيا أو تتعلق بالأمور والعلاقات السياسية بين الجهات والدول وكذلك الأشخاص، وهناك أيضا «الإشاعة الاقتصادية، وهى الإشاعة التى يكون موضوعها يتعلق بالعملات أو بالنمو الاقتصادى أو البنوك أو الأسعار، إلى جانب «الإشاعة العسكرية» التى تتمحور حول ما يخص الجيش وقاداته أو أسلحته، أو تحركاته.
كما تنقسم الشائعات من حيث الدوافع إلى عدة أنواع منها «الكراهية» والتى تستهدف نشر الفتن بين فئات المجتمع، لإثارة النعرات الطائفية أوالحزبية، إلى جانب أنواع أخرى مثل الشائعات التى يكون دافعها إثارة الخوف والرعب بين الناس، وأخرى تستهدف سيلا من التوقعات وتضع جمهورها فى حالة تأهب وترقب، أو تلك الهادفة للتأويل والتشكيك.
وحول أهم الدوافع النفسية لمروج الإشاعات، يقول الدكتور أحمد متولى أستاذ الطب النفسى، إن العنف السلبى قد يدفع شخصا ما أو منظمة أو دولة، إلى نشر الشائعات والأكاذيب ضد أشخاص أو منظمات أو دول أخرى، بهدف تشويه سمعة وصورة الجهة المستهدفة من وراء نشر الشائعة، كما أن ذلك قد يكون بدافع الوصول لروح معنوية مزيفة، خاصة إذا لاقت الشائعة أو الخبر الكاذب الذى تم ترويجه اهتمام قطاع كبير من الناس، أو إذا أحدثت تأثيرا فى القطاع المستهدف. وأكد أستاذ الطب النفسى، أن الشائعات والأكاذيب تخرج غالبا من ضعاف النفوس والمشوهين نفسيا والمخربين، فقد تكون الشائعة غرضها التباهى أو المجاملة، وقد تستهدف الهدم والتخريب أيضا، لذا يجب تحرى الدقة والسؤال عن مصدر المعلومة، من أجل التصدى للشائعات خاصة العابر منها للحدود وقت الحروب والأزمات والكوارث.
فيما أشار "متولى" إلى أن مطلق الشائعة لا يعتبر بالضرورة مريضاً نفسياً، وإنما قد يلجأ إلى ذلك لأسباب شخصية أو تحقيقا لأهداف آخرين كمنظمات أو جماعات أو دول بعينها، موضحاً أن مروج الشائعة يحتاج ويستفيد من ترويجها، لسببين أحدهما أنه يحتاج إلى تخفيف القلق الذى يشعر به بصناعة واختلاق القصص التى لا أساس لها من الصحة، ودون مصادر أو حقائق.
وحول هدف التباهى بنشر الأكاذيب، أوضح الدكتور أحمد متولى أستاذ الطب النفسى، أن أحد أسباب ترويج الشائعات هو حاجة مطلقها إلى مزيد من الحضور الاجتماعى والوجاهة، حيث يحاول أن يظهر للآخرين أنه يملك معلومات كثيرة ومهمة جداً لا يملكها سواه، وأن امتلاك وترويج هذه المعلومات، وإن كانت دون مصادر حقيقية، يزيدان رصيده من ال«اللايك والشير» بمواقع التواصل الاجتماعى. وفى نفس السياق، يؤكد الدكتور مصطفى شاهين، استشارى الطب النفسى، أن نشر الشائعات فى مصر يأتى فى إطار حروب «الجيل الرابع»، والتى تستهدف غزو البلاد أو زعزعة أمنها واستقرارها من خلال الحرب النفسية المنظمة، والتى تعتمد بالأساس على مجموعة من العناصر التى يتم تدريبها على استخدام المعلومات فى إثارة الناس، ويحدث ذلك من خلال إطلاق معلومات غير حقيقية يتخللها بعض من الحقائق البسيطة لإطلاق صفة الخبرية والمعلوماتية عليها، ومن ثم إثارة انتباه الناس إليها، وخلق حالة من الفوضى والارتباك، تمهيدا لأعمال أخرى قد ينفذونها بالتزامن مع حالة الفوضى التى نتجت عن نشر شائعاتهم.
وطالب «شاهين»، قيادات الدولة المصرية بضرورة توضيح الحقائق ونفى الشائعات بشكل سريع وفورى، حتى لا تترك تلك الشائعات تأثيرا على الشعب يصعب فيما بعد استدراكه، خاصة الشائعات التى تتعلق بالخطط الأمنية والأحداث الهامة والقرارات طويلة المدى، حيث إن الهدف منها بالأساس هو بث روح الإحباط والاكتئاب فى نفوس الشعب، إلى جانب زعزعة وهدم جدار الثقة بين أفراد الشعب الواحد وبين قياداته، خاصة الأجهزة السيادية والأمنية.
ولكى نتجنب آثار الشائعات يجب على الدولة بكافة أجهزتها، وضع الخطط اللازمة والكفيلة لمواجهة الشائعات ثقافيا وإعلاميا وسياسيا، من خلال عدة برامج تهدف إلى تعويد الناس على تحليل الأخبار بشكل منطقى وموضى، وضروة أن يتحرى الدقة فيما يسمعه أو يقرأه، وذلك من خلال الندوات وبرامج التوعية المختلفة، إلى جانب الاتصال المباشر بجميع فئات الشعب وبشكل دورى، لإعطاء المواطن جرعات مكثفة من الحقائق والمعلومات التى تهمه، ومن ثم بناء جدار كبير من الثقة والمصداقية لدى المواطن تجاه الدولة.
اقرأ أيضا: تستهدف عقول الشباب وقلب الوطن.. كيف تستخدم «الشائعات» فى حروب الجيل الرابع؟ مش كله تسالى.. لماذا صنفت «الصحة العالمية» إدمان ألعاب الفيديو اضطرابا عقليا؟ غرام الأفاعى.. لماذا ارتفعت معدلات جرائم القتل بين الأزواج؟ (قصص واقعية)