تردد أسم الرئيس الأمريكي ايزنهاور في مصر كثيراً في الشهور الماضية، وكانت البداية في على لسان د. مصطفى حجازي الذى قال في اول مؤتمر صحفى بأن السيسي قد يكون ايزنهاور مصر، وانتقل الأمر منه إلى الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل و الأستاذ أحمد المسلمانى، ثم تبع ذلك تقارير متعددة صحفياً تنشر عن فضائل ايزنهاور ودوره التاريخى في صناعة أمريكا كقوة عظمى، وأخذ البعض ينسب له نظرية ملئ الفراغ التي صنعها هارى ترومان، وأخذ اخرون ينسبون له فكرة حرب النجوم، والتي كانت في مجملها جزء من سياسات الرد الطبيعي الدعائى من أمريكا بعد ان سبقها الاتحاد السوفيتى بإطلاق القمر الصناعى سبوتنيك، وهو ما مثل تحولا كبيراً في خطة أمريكا، ولكن يمكن أعتبار أن مشروع حرب النجوم لم يكن من أنتاج ايزنهاور وأنما كان فعلياً في زمن رونالد ريجان، لكن الأهم هو التضخيم الغريب من دور أيزنهاور والصعود به الى مرتبه الرئيس التاريخي، بالرغم من ان الأمريكيون كانوا يعتبرونه البداية الحقيقية لسيطرة رؤوس الأموال على القرار الاستراتيجي الامريكى. ايزنهاور هو الرجل العسكري الذى خرج ببلد منتصر بلا خسائر تقريباً من الحرب العالمية الثانية، وكانت وقتها الولاياتالمتحدةالأمريكية هي الأكثر ثراءاً نتيجة انتقال كافة الاستثمارات من أوروبا الى أمريكا في فترة الحرب، فالولاياتالمتحدةالأمريكية كانت الأكثر استقرار والأكثر بعداً عن المدافع والطائرات، إذ أن أمريكا دخلت الصراع العسكري فى آخر مراحلة و لم تصب حتى بضربة عسكرية مؤثره. كان الهاجس الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية هو أن تتكرر للمرة الثانية تجربة عودة المصانع ورؤوس أموالها من أمريكا الى أوروبا بعد الحرب الأولى، وقت نتج عن ذلك الركود الأول الذى أصاب أمريكا الصاعدة وقتها في العشرينات، فبدأت أمريكا من قبل ايزنهاور بتطبيق مشروع مارشال الذى سيطرت به الولاياتالمتحدة على الاستثمارات بشراء المشروعات القائمة في تلك البلدان بالدولار، ولقد باعت أوروبا اقتصادها وقتها بشهادات للدائنين، وقد بدأت عملية إعادة الإعمار العملاقة لكل من أوروبا واليابان، بمصانعها وشركاتها واسواقها كبلدان تابعه يتحكم فيها الاحتكاريون الاميريكون فيما يعتبر وقتها انطلاقة ما يسمى الشركات العابرة للحدود، سواء كان ذلك بتحكم الشركات الام أو عن طريق وكلاء محليين. المهم جاء ايزنهاور بتوافق شعبى بين الحزبين الكبيرين لنقل أمريكا من دولة محلية الطابع في نظامها السياسي الى دولة عالمية التوجه والطموح، وفي هذا التوقيت بدأت أمريكا في تهيئة نظامها السياسي الجديد الذى اضطلع فيه رئيس الجمهورية الأمريكية بمهام قيادة السياسة الخارجية الأمريكية فيما عرف بالقيادة عالمية الطابع في حين بدأت تنضج سيطرة المال على السياسة. في خطابه الأخير في 17 يناير عام 1961 وجه الرئيس الأمريكي أيزنهاور خطاباً إلي الشعب الأمريكي أسماه خطاب الوداع بعد ان تم إيقاف ترشحة كما هو معلن لأسباب تتعلق بصحته، كان هذا آخر خطاب يلقيه كرئيس قبل أن يسلم السلطة إلي الرئيس الجديد جون كينيدي. كان مما قاله أيزنهاور في هذا الخطاب: " ... و هذا المساء فإنني جئت إليكم مودعاً و مستأذنا في الإنصراف، و في نفس الوقت فإن لدي بعض الهواجس التي أريد أن أفضي بها لكم حتي تشاركوني فيها و تحملوا أمانتها إن رأيتم صوابها....". "... علي أن أقول صراحة أن هناك الآن مجموعة صناعية مالية سياسية و فكرية تمارس نفوذاً غير مسبوق في التجربة الأمريكية و مع أننا نتفهم الظروف التي أدت لنشأة هذه المجموعة فإننا لابد أن نحذر من وصولها إلي مواقع التأثير المعنوي و السياسي و العملي علي القرار الأمريكي، لأن ذلك خطر شديد علي المجتمع الأمريكي قبل أن يكون خطراً علي غيره...". "...و من سوء الحظ أن الثورة التكنولوجية التي تتدفق نتائجها علي عالمنا اليوم تساعد أطراف هذا المجمع الخطر و تزيد من قدراتهم و تمكنهم من السيطرة علي برامج الإدارة و مخصصات إنفاقها، خصوصاً أن قوة أموالهم توفر لهم تأثير فادح التكاليف علي مؤسسات الفكر و العلم....". هذه مقتطفات مما جاء في خطاب أيزنهاور كما جاء في كتاب الأستاذ محمد حسنين هيكل (الإمبراطورية الأمريكية و الإغارة علي العراق)، والغريب أن من أطلق فكرة أن الرئيس السيسي كايزنهاور هو نفسه من كتب بشكل غير مباشر عن دور ايزنهاور في سيطرة رؤوس الأموال على مراكز الثقل والقرارالاستراتيجى الأمريكي.