اردوغان سياسي شعبوى، وكعادة الشعبويين تأخذهم حسابات اللحظة ويهمهم هتافات الجماهير، ويتمسكون جداً بالقصة الخبرية ومأخوذون دائماً ببريق الكلمات والشعارات السياسية، يحتاجون دائماً الى شعار أويافطة يتحرك تحتها وحولها، لكن في المجمل هذا النوع من السياسيين يحتاج كثيراً كى يصبح رجل دولة، فرجل الدولة تصريحاته دائماً محسوبة وتوجهاته مخططة ولا يرتجل ولا يستطيع أن يغامر بتصريح أو حتى تلميح في غير مكانه، وما حدث فى تركيا وعلى يد رجب اردوغان هو ما يمكن ان نسميه جناية سياسة ضد الحسابات الطبيعية والاستراتيجية لتركيا في الإقليم، ولكى نفهم لماذا سيتراجع الاتراك علينا ان ندرك لماذا تصالحت قطر؟ المصالحة المصرية القطرية هي جزء من معادلة اقليمية ظهرت فيها القوة المصرية فى مواجه النفوذ التركى والطموح الايرانى، ويبدو أن قطر اضطرت الى التوقف عن سياساتها ضد مصر ليس للضغوط الخليجية فقط، وأنما لأن حسابات القوة الإيرانية بدأت فى التراجع المؤقت نتيجة انخفاض اسعار النفط مما أثر على قدرتها في تمويل الميليشيات التابعه لها في مناطق التوتر في الإقليم، خاصة بعد انجرار الحوثيين للسيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وفى الوقت نفسه تراجع قدرات حزب الله في المنطقة، بالإضافة الى تراجع شعبية الدور التركى إقليمياً خاصة بعد أن أظهر الخليج حالة رفض للسياسات التركية وعزل محكم على الامارة القطرية، بالإضافة الى امتداد الفوضى الى جنوبتركيا التي تنظر بخوف الى تسلح قوات البشمرجة وحزب العمال الكردستانى وحصولهم على شرعية دولية متمثلة في الحرب ضد داعش، وهو ما يرشح الى غرق تركيا في حالة الصراع اكثر في العراقوسوريا، وبدون شك فإن استقرار الحال الامنى والسياسي في مصر أنعكس بشكل كبير على معنويات قطر التي ظنت في وقت ما انه يمكن بإمكاناياتها المالية أن تتخطى الثوابت الجغرافية والسياسية في الشرق الأوسط. السؤال إذن لماذا ستتراجع تركيا قريباً ؟ ستتراجع تركيا قريبا أمام مصر بعد قطر عقب انتخابات البرلمان التركى... ولعدة اسباب وشواهد :- 1- يعتبر ما يسمى البرلمان الاخوانى فى تركيا هو بداية لعمليات تصعيد التصريحات السياسية وهذا احد طرق عملية التفاوض السياسي التى تقوم على التصعيد ضد الخصم لتحسين شروط التفاوض. 2- اردوجان تبنى خطابات حادة ضد مصر كجزء من حملته الانتخابية ذات الطابع الدعائى لنفسه ولحزبه لإستمالة الرأى العام وتخويفه من أن بديلة هو الاحزاب العلمانية والانقلاب العسكري . والترويج لقسوة العسكريين عبر ابرازه للأكاذيب عن الوضع فى مصر . 3- اردوجان مضطر للإستمرار فى تمثيليته على الشعب التركى حتى نهاية الانتخابات البرلمانية فى ابريل 2015 خاصة انها اصبحت جزءاً من خطابه الجماهيرى الداخلى، ووقتها سيحقق هدفه السياسي بتعديل الدستور التركى لمنح نفسه صلاحيات أكبر. 4- اردوجان كان يدافع عن سياساته الاقليمية بالهجوم على مصر، وكان يتصور أن بإمكانه جر الدولة التركية الى صراع مع الدولة المصرية ويبدو أن اردوجان يحاول الضغط سياسياً على دولته حتى يتثنى له تحقيق مأربه الشخصية. أخيرا بعد الانتخابات سيبدأ اردوجان العودة الى الوراء رويداً رويداً بطموحات أقليمية توافقية مع مصر والخليج، ليس فقط لإنتهاء الدوافع التركية الداخلية والخارجية، وأنما لأن تركيا باتت الخاسر الأكبر في العراق، وهى أيضاً الخاسر الأكبر في سوريا في حالة سقط بشار أو لم يسقط.