صور| توريد 999 طنا و350 كجم قمح بصومعة العوينات في الوادي الجديد    سوناك ل "نتنياهو": التصعيد في الشرق الأوسط ليس في مصلحة أحد    يد الأهلي يقهر الزمالك ويفوز بالسوبر الأفريقي للمرة الثالثة على التوالي    مكنتش حابب.. حمادة هلال يفجر مفاجأة عن دور نجله بالمداح    500 طالب وطالبة يشاركون بمؤتمر كلية حاسبات قناة السويس    للمرة الثالثة على التوالى.. نوران جوهر تتوج ببطولة بلاك بول الدولية للإسكواش    وزيرة التضامن الاجتماعي تتابع تداعيات حريق مول تجاري بمحافظة أسوان    برلمانية: التصديق على قانون «رعاية المسنين» يؤكد اهتمام الرئيس بكل طوائف المجتمع    أشرف زكي وطارق علام أبرز الحضور في عزاء شيرين سيف النصر    برلماني: خروج محافظة قنا من التأمين الصحي الشامل أمر غير مقبول    تشكيل قمة بوروسيا دورتموند ضد أتلتيكو مدريد فى دورى أبطال أوروبا    ممثلو بريطانيا وأمريكا وروسيا لدى الأمم المتحدة يدعون إلى استكمال العملية السياسية لتحسين الوضع في ليبيا    جدول امتحانات الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني بالفيوم    منطقة الأقصر الأزهرية تفتتح المعرض الأول للوسائل التعليمية لرياض الأطفال    فوز العهد اللبناني على النهضة العماني بذهاب نهائي كأس الاتحاد الآسيوي    إسلام أسامة يحصد فضية بطولة العالم للسلاح للشباب (صور)    6 ملايين جنيه لأعمال إنشائية بمراكز شباب القليوبية    فانتازي يلا كورة.. دفاع إيفرتون يتسلح بجوديسون بارك في الجولة المزدوجة    التخطيط: توجية استثمارات بقيمة 4,4 مليار جنيه لقطاع الإسكان بالقليوبية    إزالة مخالفات بناء وتعديات على الأراضي الزراعية بالإسكندرية    إصابة فني تكييف إثر سقوطه من علو بالعجوزة    ضبط 7300 عبوة ألعاب نارية في الفيوم    تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي    بالشيكولاتة.. رئيس جامعة الأزهر يحفز العاملين بعد عودتهم من إجازة العيد.. صور    أحمد حسام ميدو يكشف عن أكثر شخصية جاذبة للستات    أفلام كان وإدفا في الإسكندرية للفيلم القصير.. القائمة الكاملة لمسابقات الدورة العاشرة    برلماني عن المثلية في المدارس الألمانية: "بعت للوزارة ومردتش عليا" (فيديو)    خالد الجندي: نشكر «المتحدة» على برامجها ونقل الفعاليات الدينية في رمضان    الطوارئ الروسية: غرق 5500 منزل في مدينة أورينبورج شرق موسكو    بعد إصابة 50 شخصًا في أعينهم.. ضبط 8 آلاف قطعة ألعاب نارية قبل بيعها بسوهاج    مفيد لمرضى القلب والضغط.. ماذا تعرف عن نظام داش الغذائي؟    أوبل تستبدل كروس لاند بفرونتيرا الجديدة    الخميس.. "بأم عيني 1948" عرض فلسطيني في ضيافة الهناجر    عالم بالأوقاف: يوضح معني قول الله" كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ"؟    عاجل- عاصفة رملية وترابية تضرب القاهرة وبعض المحافظات خلال ساعات    وزير الأوقاف يكرِّم شركاء النجاح من الأئمة والواعظات ومديري العموم    بعد تحذيرات العاصفة الترابية..دعاء الرياح والعواصف    الحرية المصري يشيد بدور التحالف الوطني للعمل الأهلي في دعم المواطنين بغزة    وزير التعليم: مد سن الخدمة للمُعلمين| خاص    وزير الخارجية ونظيره الصيني يبحثان تطورات الأوضاع في قطاع غزة ومحيطها    هل يجوز العلاج في درجة تأمينية أعلى؟.. ضوابط علاج المؤمن عليه في التأمينات الاجتماعية    فصل التيار الكهربائي "الأسبوع المقبل" عن بعض المناطق بمدينة بني سويف 4 أيام للصيانة    سلوفاكيا تعارض انضمام أوكرانيا لحلف الناتو    توقعات برج الدلو في النصف الثاني من أبريل 2024: فرص غير متوقعة للحب    «الأهلي مش بتاعك».. مدحت شلبي يوجه رسالة نارية ل كولر    توفير 319.1 ألف فرصة عمل.. مدبولي يتابع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    مستشار المفتي من سنغافورة: القيادة السياسية واجهت التحديات بحكمة وعقلانية.. ونصدر 1.5 مليون فتوى سنويا ب 12 لغة    صداع «كولر» قبل مواجهة «وحوش» مازيمبي في دوري أبطال إفريقيا    طلبها «سائق أوبر» المتهم في قضية حبيبة الشماع.. ما هي البشعة وما حكمها الشرعي؟    بعد التحذير الرسمي من المضادات الحيوية.. ما مخاطر «الجائحة الصامتة»؟    "التعليم" تخاطب المديريات بشأن المراجعات المجانية للطلاب.. و4 إجراءات للتنظيم (تفاصيل)    رئيس جهاز العبور يتفقد مشروع التغذية الكهربائية لعددٍ من الموزعات بالشيخ زايد    المؤبد لمتهم و10 سنوات لآخر بتهمة الإتجار بالمخدرات ومقاومة السلطات بسوهاج    بضربة شوية.. مقتل منجد في مشاجرة الجيران بسوهاج    ميكنة الصيدليات.. "الرعاية الصحية" تعلن خارطة طريق عملها لعام 2024    «لا تتركوا منازلكم».. تحذير ل5 فئات من الخروج خلال ساعات بسبب الطقس السيئ    السفيرة الأمريكية بالأمم المتحدة: حان الوقت لإنهاء الصراع في السودان    دعاء السفر قصير: اللهم أنت الصاحبُ في السفرِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنك الدولى عدو أم حبيب؟
نشر في الشروق الجديد يوم 01 - 12 - 2015

وادى القمر.. هذا الاسم الشاعرى يخفى وراءه دراما إسكندرانية، أبطالها إذا ما استخدمنا لغة الدراما منهم الأخيار ومنهم الأشرار. الضحايا هم سكان المنطقة الصناعية ومنهم عاملون فى مصنع للأسمنت. حكايات الإصابة بالأمراض من الجلدية والحساسية المزمنة وحتى السرطان طافحة مرئية مثل سوء الخدمات العامة.
وفى الطرف الآخر، مصنع للأسمنت (يعمل بترخيص مؤقت بالمخالفة للقانون): الشريك الأول هو شركة أسمنت عالمية عملاقة هى تيتان، وشريك آخر صغير – نعم، يملك حصة فى الشركة ومن ثم فى الأرباح هو البنك الدولى، عبر إحدى مؤسساته، هى مؤسسة التمويل الدولية.
كل تفصيلة من تفاصيل المأساة تثير التساؤلات عن البنك الدولى. كيف تقرر مؤسسة دولية معنية بالتنمية وبالفقراء أن تمول مثل هذا المشروع الملوث للبيئة والمؤذى لصحة الآلاف من سكان المنطقة الفقيرة والمجحف لحقوق العاملين به؟ إجمالا، ضخ البنك الدولى 50 مليار دولار فى مشروعات ألحقت خطرا غير قابل للإصلاح للبيئة وللبشر، خلال الفترة 2009 2013، بحسب تحقيق استقصائى عالمى نشر فى ربيع 2015. مشروع الأسمنت بوادى القمر ليس استثناء.
لحسن الحظ، فإن البنك الدولى يتبنى مجموعة من السياسات التى من المفترض أن يلزم بها البنك نفسه وكذلك الدولة – أو الشركة المقترضة. حين يقرض البنك الدولى دولة نامية، مثل مصر لإقامة محطة صرف صحى، أو مشروعا خاصا لإنتاج الأسمدة أو الأسمنت، فإن هذا المشروع على أهميته للبلد قد يترتب عليه إخلال بالنظم البيئية فى المحيط الذى يقام عليه المشروع أو قد يترتب عليه انتزاع لأراض مملوكة لسكان محليين أو تهجير لبعض السكان. كما تفتقر عادة تلك الدول النامية، ومنها مصر، لآليات من شأنها الحفاظ على حقوق العاملين بالمشروع مثل الحريات النقابية، والأجر العادل، أو شروط التسريح أو التأمين الصحى.
لذلك يلزم البنك الدولى نفسه بألا يمنح أى تمويل إلا بعد التأكد من التزام المقترضين سواء حكومات أو مؤسسات خاصة بما وضعه من سياسات حمائية بيئية واجتماعية. سياسة «لا ضرر للبشر ولا للبيئة» من مشروعات ممولة من قبل البنك.
***
رغم وجود تلك السياسات، فإن هناك أكثر من 3 ملايين تم نقلهم بشكل قسرى أو الاستيلاء على أراضيهم أو اتلاف بيئتهم جراء مشاريع مولها البنك الدولى بين 2004 و2014، بحسب نفس التحقيق. لذا، يعاب على تلك السياسات أن صياغتها مائعة، وأنها لا تضع البنك الدولى بشكل كامل أمام مسئولياته التنموية. بالإضافة إلى أن آليات الشكوى صعبة وطويلة بالنسبة للمتضررين من المهمشين والفقراء. وأخيرا، فتلك الآليات لا تصدر أحكاما واجبة النفاذ، بل هى أقرب إلى هيئات استشارية. ورغم ذلك، قرر أهالى وادى القمر، بمساعدة مجموعة من منظمات المجتمع المدنى، أن يلجئوا لجهاز الشكوى التابع للبنك الدولى. هى قضية من ضمن عشرات فقط يقبلها البنك سنويا من المتضررين من مشروعات يمولها البنك فى أنحاء العالم النامى. اليوم، هناك أمل أن يتحسن الوضع.
إصلاح أم تحسين الصورة؟
حين ضربت الأزمة الاقتصادية معظم دول العالم في2007 و2008، أشارت أصابع الاتهام إلى سياسات الليبرالية الجديدة – وبرز البنك الدولى كإحدى المؤسسات الفاعلة فى دعم تلك السياسات كأحد المتهمين. كما برز من نتائج عولمة الشركات العملاقة التحدى الخاص بالتغير المناخى. كما لا يمكن إغفال تطور الدور الرقابى الذى يقوم به المجتمع المدنى فى أنحاء العالم.
ومن ثم، حاول البنك الدولى تحسين صورته كمؤسسة عالمية داعمة للتنمية. وشرع فى عملية إعادة نظر لهذه السياسات (ضمن إجراءات أخرى). بدأت عملية الإصلاح منذ 2012. وهى أكبر عملية تفاوضية قام بها البنك فى تاريخه. بدأت باستطلاع رأى المتخصصين والدول الأعضاء ومنظمات دولية مثل العمل الدولية وغيرها إضافة لمنظمات المجتمع المدنى حول العالم. ثم نشرت المسودة الأولى للسياسات الحمائية البيئية والاجتماعية فى يوليو 2014، والتى حاولت التوفيق بين وجهات نظر متباعدة. ثم جولة مفاوضات أخرى أفضت إلى مزيد من التعديلات التى ظهرت من خلال المسودة الثانية فى يوليو 2015. وينتظر أن تنتهى المشاورات حول المسودة الثالثة فى يناير المقبل. فأين مصر من تلك المفاوضات ومن تلك التعديلات؟
مصر الرسمية كعضو فى مؤسسة البنك الدولى لإعادة الإعمار والتنمية لم تعلن أى موقف رسمى من تلك المفاوضات. وفى المقابل، تقدمت مجموعة من منظمات المجتمع المدنى لتشتبك مع تلك السياسات الحمائية البيئية والاجتماعية المقترحة، وقد سبق وقدمت تعليقا مكتوبا على المسودة الأولى به أهم النقاط التى ترغب فى تعديلها. ووفقا لموقع البنك الدولى، فإنه لن يستشير تلك المجموعة قبل كتابة المسودة الثالثة (والأخيرة)، مكتفيا بلقاء مع الحكومة المصرية. ما زالت الحكومة تتكتم على موقفها، كما أنها قد تجد نفسها الآن فى موقف غريب، حيث يفترض أن تترأس المفاوضات مع البنك الدولى وزيرة التعاون الدولى وهى الموظفة السابقة بالبنك الدولى. وهناك أخبار غير مؤكدة عن أن البنك قد يعدل عن موقفه ويقابل تلك المنظمات ليناقش مطالبها. فبم تطالب تلك المجموعة وغيرها من منظمات المجتمع المدنى على مستوى العالم؟
لنكن واضحين. ما يطرحه البنك الدولى حتى الآن هو أقل من الوعود التى قطعها رئيس البنك نفسه. يقول البنك إن حكومات الدول النامية، أعضاء البنك من المقترضين، يرغبون فى قروض بلا شروط تزيد من تكلفة هذا الاقتراض. وإذا فرض البنك شروطا عسيرة لحماية البيئة والمجتمعات وحقوق العاملين فقد تنصرف تلك الدول إلى منافسيه الجدد، مثل بنك البريكس أو بنك الجنوب أو الصين بعد أن صارت سوق التمويل الدولية مفتوحة، وبدون شروط تذكر. لا يختلف الوضع كثيرا عما ذكره تقرير صادر عن البنك الدولى عام 1992، حين أشار إلى أن الرغبة فى تدوير المحفظة، أى «فى دفع الأموال لخارج الأبواب» تدفع البنك إلى التغاضى عن التزام المقترضين بحقوق الإنسان، وذلك بحسب تقرير حديث قدمه أمين عام الأمم المتحدة بان كى مون عن سياسات البنك الدولى.
183 لفظا مطاطا
وعليه، جاءت المسودة الثانية أسوأ من الأولى. حتى بدا وكأن البنك لا يريد أن يلزم نفسه ولا المقترضين بسياسات فعالة للحماية البيئية والاجتماعية. فعلى سبيل المثال، استخدمت ألفاظ مطاطة 183 مرة، فى نص مكون من 150 صفحة، بحسب موقع أنشأه خصيصا عدد من منظمات المجتمع المدنى، لنشر التعليقات على المفاوضات الجارية. مثلا، فى مجال البيئة، لم يلزم البنك الجهة المقترضة باستخدام التقنيات «الأقل اصدارا للانبعاثات الملوثة». بل جاء النص كالتالى: «للمقترض أن يفاضل بين الخيارات وينفذ الخيارات ذات الجدوى ماليا وتقنيا وتحقق فعالية النفقة لتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى greenhouse gas الناتجة عن المشروع».
وحتى الآن، يصر البنك على ألا تخضع حقوق العاملين بالمشروعات التى يمولها البنك للمعايير التى تفرضها منظمة العمل الدولية أو غيرها من المعايير المتفق عليها عالميا، مكتفيا باتباع قوانين العمل المحلية فى كل بلد. وهكذا، فإن العاملين بمصانع تيتان وغيرها بدون عقود عمل وبدون أمان صناعى ولا تأمين صحى، أو الذين فصلتهم الشركة فصلا تعسفيا، لن يكون لهم أى حقوق لدى البنك، ولا الشركة، إذا ما التزم فقط بمظلة القوانين المحلية. على البنك الدولى أن يختار موقعه، فى صفوف الأخيار يقف أم فى صفوف الأشرار.
كما انتقدت لجنة التفتيش التابعة للبنك الدولى مثلا أن البنك صار يستخدم كلمة «يطالب require» بدلا من الكلمة القديمة «يضمن ensure» وهو ما يجنبه أى مساءلة قانونية فى حالة الإضرار بحقوق العمال أو المواطنين جراء القروض التى يمنحها.
إذن، يبدو المطروح حاليا غير مرض حتى بالنسبة لجهات الرقابة والمحاسبة داخل البنك الدولى نفسه. وأخيرا، أشارت تلك الهيئة أيضا إلى أن المسودة الثانية قد تجاهلت مطلبها بأن تشمل مظلة السياسات البيئية والاجتماعية كل أنواع التمويل التى يمنحها البنك بكل مؤسساته. من مصلحة مصر أن تتحسن السياسات الاجتماعية والبيئية، لأن معظم التمويل الذى حصلت عليه ينطوى تحت تلك السياسات، ولهذا تمكن أهالى وادى القمر أن يلجئوا لنظم الشكوى داخل البنك. فى حين أن هناك أنواعا أخرى من القروض لا تخضع لأى نوع من المراقبة والمحاسبة داخل البنك.
بعد أن صرنا نحتفى بالاقتراض الخارجى..
وهناك تخوف من أن تبدأ مصر فى اللجوء إليها من أجل تسريع بناء البنية التحتية. وهكذا سوف تحتفى مصر بالتوقيع على قرضين جدد من البنك الدولى تفوق قيمتهما مليار دولار، فى ظل أزمة نقص فى العملات الصعبة. ولكن، لن يتمكن الشعب من محاسبة الحكومة ولا البنك عليهما، ولا مناقشة من المتضرر منه، لأن هذا النوع من القروض لا يقع تحت مظلة السياسات الحمائية البيئية والاجتماعية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.